la_naftareq_munkhafadat,com

حتى لا نفترق

مصطفى جعفر –

بعد أعوام طويلة من الاعتراف الدولي بالدولة الإرترية المستقلة ذات السيادة الوطنية، وبعد رفع علم الجبهة الشعبية في أروقة المنظمات الدولية ايذاناً بانضمام عضو جديد للأسرة الدولية، يقف الشعب الإرتري على مفترق طرق ما بين عصابة الهقدف التي تدعي بأن التراب الإرتري هو استحقاق خالص لها وثمن لوصولها الى سدة الحكم؛ بالرغم من سعيها لتحقيق ذلك على حساب نضالات مكونات الشعب الإرتري للانفراد بمقدرات الوطن لصالح مشروعها القومي؛ وذلك من خلال بوادر العداء والحرب الطويلة التي شنتها على كل التنظيمات الإرترية الوطنية – بالتعاون مع حلفائها الوياني- وفي الجانب الآخر تقف قوى المقاومة لنظام الهيمنة في دول الجوار تصارع من أجل البقاء وحل الاشكاليات البينية. وعلى المفترق البعيد يقف الشعب الإرتري المثخن بالجراح، من أطفال يولدون على قوارب الموت وأطفال يخرجون من بطون أمهاتهم يحملون اسم لاجئ عنوانهم المنافي ومخيمات الضياع والشتات.
ان المقاومة الإرترية وبالرغم من عدم تمكنها من لملمت أطرافها طيلت الربع قرن من عمر الدولة المستقلة إلا أنها تبقى المخرج المتاح للازمة الإرترية على الاقل حتى الان، وهذا لأنها على الاقل ما زالت تقول لا للنظام الذي يتنافى وجوده وممارساته مع ما اتفق عليه الشعب الإرتري منذ فترة تقرير المصير ومرورا بفترة الكفاح المسلح.
ان الحالة التي وصلت إليها ارتريا اليوم تؤكد بأننا مطالبين بضرورة إعادة تقييم دروس الماضي والتنبيه إلى ما قادت اليه الأحداث التاريخية من نتائج مؤلمة أدخلت الوطن الإرتري في الاتحاد الفيدرالي مع اثيوبيا، ومن ثم في حرب طاحنة كادت أن تقتل حلم الوطن، وتلاه اكثر من ربع قرن من حكم نظام الهيمنة القومية. فبعد كل هذا، هل ثمة حلول في الأفق يمكن ان تخرج هذا الوطن الأسير من أزماته المزمنة؟
تعني الدولة في الاعراف الدولية بأنها الجسم الاعتباري الذي يجمع عناصر الرقعة الجغرافية المعترف بها دوليا، والشعب والحكومة بأجهزة الحكم. بهذا المفهوم نشأت الدولة الإرترية بحدودها الجغرافية كصنيعة للاستعمار الايطالي. فإرتيريا هي نتاج التوسع الايطالي الاستعماري الذي لم يتمكن من التمدد أكثر من هذه الرقعة الجغرافية.
ومنذ نشأة الدولة الإرترية ظهرت بوادر الصراع بين سكان هذه الرقعة الجغرافية والمستعمر الجديد والتي تمثلت في كيفية إدارة شئون المحكومين والتي انتهت بعدم تدخل المستعمر في الشؤون الخاصة بالمواطنين وإسناد قضايا الأهالي إلي الزعامات الاهلية.
اما اليوم و بعد الاستقلال، وفي غياب دولة القانون والمؤسسات، وغياب الحياة السياسية والحزبية، فإن الصراع الدائر بين نظام الهيمنة القومية ومكونات المجتمع الإرتري هو صراع ثقافات ومصالح بقية المكونات، وهذا بدوره يؤكد بأن بناء الدولة الإرترية لم يكتمل ليستوعب كل تعدد مكونات المجتمع الإرتري.
و في ظل تعنت نظام الهيمنة القومية الحاكم على مواصلة سياسات التهميش والاقصاء، تتبادر إلى الذهن أسئلة تحتاج إلى وقفة تأنى للإجابة عليها:
1. ما هي المكاسب التي حققها النظام الطائفي باتباع هذه السياسات؟ خاصة وانه لم يتمكن حتى الان من بناء دولة قابلة للاستمرار.
2. لماذا تحاول هذه العصابة جر ارتريا الى صراعات بين المكونات يصعب السيطرة على مآلتها؟
لقد أكدت هذه العصابة عبر ممارسة الاقصاء والتهميش بمنهج محكم، ليس التحكم بإرتريا فحسب، بل أيضا بمن تحكم. كما اثبتت بانها لا تعترف بالتعدد العرقي والديني والثقافي، واوصلت هذه السياسات الحاقدة البلاد إلى ما هي عليه الآن من فشل في إدارة البلاد في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليتقلد بجدارة مرتبة الدولة الفاشلة التي لا تستطيع تقديم خدمات صحية أو تعليمية أو بنية تحتية من مياه نظيفة أو كهرباء، اضافة لأطناب الفساد الذي يضرب جميع المرافق الحيوية.
عليه، أصبح من الضرورة اليوم البحث عن مخارج للازمة الإرترية من قبل كل قوى المقاومة ومنظمات المجتمع المدني وكل أهل الاختصاص من الأكاديميين والوطنين للخروج بفهم مشترك من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وبما أن فكرة الدولة بكل تفاصيلها هي نتيجة اتفاق تعقده كل مكونات المجتمع على تشكيل سلطة تدير حياتهم وتحميهم من أخطار النزاعات، فإنها نتيجة اتفاق أو عقد يبرمه المجتمع مع نفسه، واصطلح على تسمية هذا الاتفاق بالعقد الاجتماعي.
و في ضوء ما تقدم لابد من إطلاق نقاش عام حول الاتفاق على عقد اجتماعي إرتري جديد يلبي طموحات كافة المكونات ويزيل الهيمنة القومية، ويحقق الوحدة الوطنية الحقيقة في اطار التعدد الذي يمثل واقع الشعب الإرتري ويحل الاشكالية الجوهرية التي لازمت الشعب الإرتري منذ اربعينيات القرن الماضي والمتمثلة في الفشل في ادارة التعدد، وطالما يوجد مجتمع تسوده علاقات فلابد من وضع اطار ينظم هذه العلاقات، وان مفهوم العقد الاجتماعي ما هو إلا صياغة تنظم الحق الطبيعي في العدل والإنصاف لتفادي الصراع الشرس من أجل الحصول على الحقوق المشروعة.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

2 تعليقان

  1. يعطيكم العافية مواضيع هادفة تصب في خانة رفع الوعي بحقوق المواطنة في بلد انعدمت فيه ابسط حقوقها من الاعتراف بالمكونات وحقوقها العادلة في الوطن السليب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *