مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا..

أعده / الأستاذ محمود أفندي

تغوص بك عزيزي القارئ مجلة الناقوس مع شخصية العدد المناضل والانسان سليمان ادم سليمان الذي افنى حياته منذ صباه وحتى تاريخ رحيله وعلى مدى أكثر من ستة عقود زاخرة بمسيرة كفاح مليئة بالكثير من الانجازات والعطاء الممتزج بالإصرار والعزيمة والوفاء والحب الابدي لشعبه ووطنه مسجلة في تاريخ صفحات النضال الوطني والعمل السياسي الارتري.

أعزاءنا، في البدء نستميحكم عذرا اذا سقطت عنا سهوا معلومات لم يتم ذكرها لكون رحلة المناضل سليمان ادم سليمان طويلة ومليئة بالعمل الدؤوب امتدت الى عقود ومرت بالعديد من المحطات في تاريخ عمر الثورة الارترية.

 المناضل سليمان ادم سليمان هو أحد السياسيين المخضرمين من الجيل الذي عاصر مرحلة الشهيد البطل مفجر ثورة الفاتح من سبتمبر القائد حامد ادريس عواتي وما قبلها، ولد المناضل عام 1942م بمدينة هيكوتا، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، والمرحلة المتوسطة في مدينة أغردات، والسنة الأولى من المرحلة الثانوية في أسمرا والتكملة في مدينة كسلا السودانية.

 بدأ مشواره العملي في عام 1959م في فترة الحكم الفيدرالي موظفاً بوزارة القانون والعدل، وتنقل في هذه الوظيفة بين بلدة كيرو ومدينة تسني.

في يناير 1960م التحق المناضل سليمان بحركة تحرير ارتريا، وبعد عدة شهور التحق بجبهة التحرير الارترية بناء على الرسالة التي ارسلها له الشهيد القائد حامد إدريس عواتي عبر الشهيد عبد الرحمن شباك، وقام بتأسيس خلية سرية في مدنية تسنى من المناضلين: محمد إدريس شنيتي، وعبد الله شقراي، وفكي علي إبراهيم، وحامد عمر منتاي وموسي محمد هاشم وعمر خليفة. ثم قام بتأسيس خلية في مدينة هيكوتة بالتنسيق مع احمد آدم عمر، وزملائه حامد آدم سليمان دقي وجمع محمود هزام ومحمد علي آدم عمر، تلاها تأسيس خلايا أخرى كثيرة في منطقة القاش.

وكانت هذه الخلايا تلعب دوراً كبيراً في دعم ومساندة الثورة مادياً ومعنوياً من خلال ما كان يتم تحصيله من اشتراكات وتبرعات من الجماهير في الداخل، وتذويدهم بالمعلومات اللوجستية وغير ذلك من مهام وأعمال أخرى.

 كان فرع مدينة تسني من أهم الفروع في ارتريا لقربه من الحدود السودانية، وكان حلقة الاتصال بين الفروع الاخرى في ارتريا والقيادة الثورية بكسلا، عن طريق سائقي الشاحنات وهم: أبو بكر محمود ضرار ومحمد عسكر، وإبراهيم زينو، وطاهر بلال، وإدريس حاج عيسي، ومحمد علق. كما كانوا ينقلون أيضاً التقارير السرية والأدبيات وبعض الأسلحة ومستلزماتها لداخل المدن الارترية والعاصمة اسمرا وكذلك لأديس أبابا. والجدير بالذكر ان دخول أسياس أفورقي الى الميدان مطلع عام 1965م كان عن طريق فرع تسني، بطلب من مقرر فرع أسمرا عبر اتصال هاتفي بالشهيد سليمان، للاهتمام به وإيصاله إلى كسلا.

في 7 مارس 1967م أُبلغ الأستاذ سليمان من الميجر عبدا لقادر محمد علي بانكشاف خليتهم، غادر اثرها المناضل سليمان وبقية اعضاء الخلية الى كسلا، وتم تعيينه كمساعد لرئاسة القيادة الثورية حتى أغسطس 1969م، وبعد انعقاد مؤتمر أدوبحا أوكلت اليه مهمة العلاقات العامة بين السلطات السودانية بكسلا وجبهة التحرير الإرترية

 وبعد المؤتمر الوطني الأول عام 1971م تم نقله للقاهرة للعمل ضمن الفريق العامل بمكتب الجبهة بالقاهرة، ثم تمت ترقيته الى رئيس المكتب بالقاهرة، وعمل ممثلا للجبهة في ليبيا للفترة من 1976م وحتى 1980م، ثم بغداد لمدة ثلاث سنوات ليعود مرة ثانية للقاهرة ممثلا للجبهة من عام 1983م الى 1989م.

 في عام 1989م انتخب عضو مجلس تشريعي ومسئول الشئون العربية الإسلامية في مكتب العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الإرترية، وفي عام 1992م تم اختباره ممثلا للتنظيم الموحد بمكتب القاهرة في عام 1992م.

وعلى هامش هذا المقال الذي احتضنته مجلة الناقوس، وبعيدا عن السياسة، فاضت معاني المحبة والاعتراف في حق المناضل سليمان ادم سليمان من خلال الشهادات التي قدمت في حقه عن الأعمال الجليلة التي كان يقدمها لشعبه بنكران للذات خلال مسيرة حياته عامة وفي مدينة القاهرة التي عاش فيها طويلا وأسلم الروح فيها إلى باريها بصفة خاصة، حاولنا ان ننبش بعضا من هذه الاعمال الجليلة، وابرز الخصال والمناقب الحميدة للفقيد العزيز التي لا يمكن ان ينساها له الارتريين.

 عاش المناضل سليمان ادم سليمان بأخلاق فاضلة وقيم وسريرة نقية تجسدت فيه كل معاني الإنسانية والتواضع واللطف ولين الجانب والابتسامة التي لا تفارق محياهّ عاش محباً للجميع  مواصلاً لأهله وارحامه وزملائه  بود لا ينقطع أبداً، فبادله الجميع حباً بحب.

وهنا عزيزي القارئ اردنا ان نتوقف بك مع بعض افادات الذين كانت تربطهم بالفقيد أواصر الصداقة والعمل الذين سيسلطون الضوء على القليل من هذه الخدمات الجليلة التي كان يقدمها دون مراعاة لحالته الصحية بكل تفاني واخلاص، علما ان مواقفه الانسانية كثيرة ولا يمكن حصرها في هذا اللقاء، ولكن لزاما علينا ان نطرق هذا الباب، وفيما يلي اليكم القليل من كثير منها:

 حدثنا احد اصدقاء المناضل سليمان عن تواضعه وتضحيته عن موقف حدث له مع احد زملاء النضال عندما طلب منه ان يقوم بمساعدة اسرته التي كانت قادمة الى القاهرة لعلاج ابنها. رافق المناضل سليمان المريض كدأبه واكمل معهم كافة الاجراءات العلاجية الى ان تحسنت حالته وبلغ الصحة، ولم يتبق للمريض سوى المراجعة الاخيرة مع الدكتور.  وفي هذا اليوم حضر المناضل الى العيادة في الموعد والمكان المحدد ولم يحضر المريض واسرته في الموعد المقرر لهم مع الدكتور، الا ان المناضل الانسان ظل جالسا في صالة الانتظار بالرغم من ظروفه الصحية الى ان وصل المريض بعد اربع ساعات من الموعد. ربما يتوقع من يقرأ هذا المقطع ردة فعل، ولكن لم يكن المناضل سليمان يتعامل مع الناس بردود الأفعال، ولم يُظهر يوما علامات تدل على الغضب والتذمر من اي موقف، بل كان دوما قادرا على التحمل ومعرفة وفهم مشاعر وظروف الاخرين.

 ويذكر لنا احد الطلاب الذين عاصروا المناضل في القاهرة بأنه كان حضوراً في أحد المناسبات الوطنية التي جمعت بين فصائل الثورة الارترية باعتباره ممثلاً لاحد منها، وعندما علم بوجود اثنين من المقاتلين القدامى بالمطار قادمين للعلاج، وكان ذلك قبيل افتتاح الاحتفال، ترك الاحتفال وذهب لاستقبالهم، وعندما اصروا عليه ان يبقى ويستقبل المناضلين اشخاص اخرين رفض الفكرة وقال لا يمكن ان يستقبلهم شخص غيري.

 وحدثنا شخص آخر مقرب منه ان المناضل سليمان رافق احد رفاقه في النضال بالمستشفى لمدة يومين دون ان يعلم احد الى ان علم اعضاء اتحاد الطلاب بذلك وتم تكليف الطلاب بالتناوب الى ان عاد المريض الى اهله.

 ويذكر احد الاشخاص الذي تعرض لحادث مروري ودخل في حالة الغيبوبة، انه بعد ان افاق رأى المناضل سليمان واقفا امامه، ليس هذا فحسب، بل علم انه هو الذي اتى به الى المستشفى وقام بدعمه في اجراءات العلاج.

 كما حدثنا احد المقربين بأسرة الفقيد : ان الاسرة كانت تتلقى اتصالات هاتفية كثيرة للتعزية من مختلف مكونات الشعب الارتري بشكل مؤثر حتى ان الاسرة كانت تصاب بالإحراج لعدم المعرفة السابقة بالمتصلين الذين كانوا يعبرون عن  احاسيسهم ومشاعرهم باللغات المحلية الارترية التي كانت عائقا في التواصل بينهم وبين الاسرة، علما ان  هؤلاء الاشخاص سبق وان قام الفقيد  بمساعدتهم وتسهيل اجراءاتهم وكان هذا الوفاء ردا للجميل لهذا الفقيد الذي لم يفرق بين ابناء وطنه دون ان يسأل من هم ومن اين هم ودون ان يكل ولا يمل  عن خدمتهم  في كافة الامور، كما ان الحضور الغفير لمراسم الدفن والسيل من التعازي في وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل لمحبة وتقدير الناس له .

إن الرقي في التعامل من قبل الشهيد سليمان لم يقتصر على زملائه في النضال ومجتمعه، بل كان يشمل حتى افراد اسرته، التي كان يتعامل معهم وكانه صديقهم، البنين منهم والبنات. يجاملهم وكأنهم اصدقائه وليسوا ابناءه وبناته. كان منزله مفتوح للجميع ولا يمر اسبوع دون دعوة ضيوف في المنزل، ولا ننسى دور حرمه فاطمة اسماعيل رحمها الله التي كانت له السند في ذلك حيث الترحاب في منزلها لكل من يأتي اليه، وكان الفقيد ملماً بجميع مكونات المجتمع، حيث تجد عنده كل ما تحتاجه من معلومات عن انساب وادوار وقيم، يتعامل مع الصغير والكبير بود وترحاب وصدر رحب. رحم الله القائد الانسان سليمان آدم سلمان وأسكنه فسيح جناته

شاهد أيضاً

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

مقالات ليس إنسانا من يحبس صوت المغني…! بقلم: يبات علي فايد كان الرجل الأسمر الطويل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *