المقاومة حق مشروع - munkhafadat.com

المقاومة حق مشروع – ثورة أخريا نموذج ناصع

أبوبكر صايغ

( 1 من 4 ) الجزء الأول
ان المقاومة ليست مرهونة فقط بالعنف والرصاص والدم، ولا محصورة في خوض المعارك وممارسة القتال، بل يمكن المقاومة عبر الكلمة الحرة والهتاف العالي والمسيرات والمظاهرات للتنديد بقرارات جائرة تستهدف ثقافة ودين وتراث مكون معين من قبل نظام الهيمنة والتوسع والاستيطان كما هو الحال في ارتريا اليوم .

فإذا كانت مقاومة المستعمر والمحتل والمغتصب هي الأبرز والأعلى صوتًا، فإن هناك جبهات أخرى تدور عليها المواجهة لا تقل أهمية عن التصدي للمستعمر للحافظ على الوجود لان من يستهدف لغتك وثقافتك ودينك يستهدف وجودك فمن باب أولى صيانة حماية الوجود والحرية والكرامة الإنسانية.

القرارات الأخيرة التي اتخذها النظام في اسمرا ونتجت عنها انتفاضة غير مسبوقة منذ أكثر من خمسة عقود من الزمان وهي انتفاضة شيوخ وشباب ونساء وفتيان وفتيات أخريا الباسلة، حيث لم تشهد شوارع العاصمة أسمرا مسيرة غضب وحراك شعبي الا في عهد الاستعمار الاثيوبي الغاشم في خمسينيات القرن الماضي للتنديد بالاستعمار الاثيوبي وأعوانه من الخونة، هنا أذكر مسيرات العمال والطلاب الإرتريين والمسيرات التي كان يسيرها شباب الرابطة الإسلامية للتنديد بالاغتيالات التي كانت تنفذها الأجهزة القمعية الاثيوبية وأعوانهم من الخونة الإرتريين وتلك الرافضة للوجود الاستعماري الاثيوبي والمطالبة بالاستقلال، سير الشباب والطلاب في عامي 1957 و 1958م مظاهرات ومسيرات حاشدة طافت شوارع أسمرا رافضة للغة الأمهرية التي قررت إثيوبيا للتدريس بها وإلغاء اللغة العربية والتجرينية في البلاد وما اشبه الليلة بالبارحة، اختلف المنفذون والفعل واحد هو الهيمنة الثقافية ومحو تراث أمة عصية على الانكسار مازالت تقاوم.

كل الذي ذكرته سلفاً كان تاريخ بطولي للآباء والاجداد الذين كانوا يقفون بصدورهم العارية أمام مناصري الانضمام والعصابات المنظمة التي كانت تصطاد كل من يعارض الوجود الاثيوبي المحتل.

لم تنطفئ شعلة المقاومة في شعبنا الابي الذي ظل يقاوم المحتل الاثيوبي بكافة الوسائل حتى تم طرد الاستعمار الاثيوبي الغاشم، وما بين ليلة وضحاها وجد شعبنا نفسه محاصراً ومستهدفاً من نظام أقل ما يقال عنه إنه لا ينتمي للتاريخ البطولي للإنسان الإرتري الذي اشعل الثورة وقدم لها الغالي والنفيس حتى طرد المحتل.

كل الممارسات التي نفذها النظام الحالي المدعوم من قبل غلاة ومثقفي ونخب قومية التقرنية – وهنا لا أعمم لأن هنالك من يؤمن من المنتمين لقومية التقرنية بالتعايش السلمي ويرفضون سياسات الهيمنة والتوسع التي ينتهجها النظام الحالي – وأقول ذلك لأنني أعرف هذه النخب السياسية والثقافية والأكاديمية وأعرف مدى شقفهم بالهيمنة على مقدرات القوميات الأخرى بل وتجاهلهم في الزمان والمكان وكأن إرتريا هي ملك لقومية واحدة دون غيرها وهذه النظرة هي قمة في العنصرية والشوفينية البغيضة.

بالتأكيد هنالك العديد من العوامل جعلت الناس تخرج من منازلها وتصل الى وسط العاصمة أسمرا في خطوة لا يقدم على فعلها في ارتريا سوى من تعرضوا الى الظلم والتجهيل ومورست في حقهم العنصرية والتهميش وطالتهم الاعتقالات وهمشت لغتهم وأغلقت مدارسهم ومعاهدهم التي ظلت مفتوحة حتى في عهد الاستعمار الذى لم يتجرأ رغم قوته وسيطرته على البلاد بالرغم من توفر المبررات التي تجعله يقدم على ذلك، الا إنه لم يقفل معهد أو مدرسة ولم يمنع الناس من ممارسة شعائرهم وعاداتهم.

والوثائق وشهود عيان يؤكدون بأن الايطاليين لم يمنعوا تدريس اللغة العربية وكانت تدرس كمادة في المرحلة الابتدائية، أما في العهد البريطاني فقد شهد التعليم طفرة غير مسبوقة حيث تم افتتاح أكثر من 50 مدرسة ومعهد في عموم إرتريا تدرس باللغة العربية. والعجيب في الامر بعد مرور 25 عاما على استقلال إرتريا تمنع الحكومة الإرترية تدريس اللغة العربية في المدارس وتقفل المدارس التي كانت موجودة منذ عهد الاستعمار وتلك التي افتتحت بعد الاستقلال بحجج واهية لا تمس للواقع بصلة، لان الجبهة الشعبية وخلال فترة الكفاح المسلح لم تهتم بتدريس اللغة العربية وإن مدارس الثورة التي كانت منتشرة في الأراضي المحررة وفي السودان كانت تدرس باللغة الإنجليزية والتقرنية فقط. ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان ان قادة الجبهة الشعبية والحكومة الحالية لم يغيروا خطابهم فيما يتعلق بتدريس اللغة العربية، وهو انعدام الكادر البشري وهم يشردون الكفاءات يوميا ويهمشونهم باعتبارهم درسوا في الجامعات العربية وتلك قصة أخرى.

.

.

.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *