رابطة أبناء المنخفضات الارترية منظمة مجتمع مدني، تعمل على الدفاع عن حقوق ومصالح مكونات مجتمع المنخفضات والعمل مع المكونات الارترية الاخرى لبناء دولة العدالة والمساواة، في ظل نظام حكم لامركزي دستوري يسع الجميع.
هل التقرايـت لُغــة أم لهجـــة؟
بقلم: عبد العزيز أبراهيم
التقرايت هي لغةٌ وليست لهجة، وهنالك الكثير من الأدلة التي تؤكد على ذلك، لكني سأخذُ منها نماذج لئلا أُسهب في الحديث. كلنا يعلم أن لكل لغة لهجات تختلف عن بعضها البعض، والتقرايت لغة غنية بمفرداتها ومرادفات كلماتها التي لا تعد ولا تحصى، ولها أكثر من أربع استخدامات مختلفة وكل لهجة تختلف عن الأخرى على حسب مناطق الناطقين بها (الساحل، عنسبا، بركه، وشمال البحر الأحمر). وقد يسأل سائلٌ فيقول: ما هي الطريقة التي تجعلني أميز بين هذه اللهجات؟
هناك طرق كثيرة للتمييز بينها ، نذكر منها على سبيل المثال: الضمائر الملكية التي تستخدم للدلالة على ملكية الشخص لشيءٍ ما ،وهي تأتي بعد الإسم الذي يريدون إثبات ملكيته ، فيقولون في لكنة بركه(إلِّي كتاب إنْتِلو تو) بمعنى هذا الكتاب ملكه ،…عنسبا(إلِّي كتاب نايو تو)، الساحل (إلِّي كتاب مالو تو)..، شمال البحر الأحمر }وقير{ (إلِّي كتاب نالو تو).ولقد ذكر شاعر من الشعراء القدماء بعضاً من ضمائر الملكية حيثُ قال: (إنتَ دِمَلْ إنْتِلكا كَرِي مِنْ قَرَهَتْ ليطا تو وحنا دِمَلْ إنْتِلنا لَئناسْ نَسِئ سِقادو) .إن لغة التقرايت تنتمي إلى أسرة اللغات السامية التي تضم اكثر من خمس لغات قديمة وأن هذه اللغة أي التقرايت أقرب للعربية الفصحى من حيث درجة التشابه للمفردات والجُمل.
إليكم بعض الأدلة من القرآن الكريم وشعر العصر القديم.
يقول الحقُ سبحانه وتعالى مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (85) سورة النساء. والكِفْلُ هو جزء من الشيء سواء أكان مادياً او معنوياً،وهذه المفردة تستخدم في جميع لهجات التقرايت كقولهم : (كِفالْ هَبينا مِنَّا ) بمعنى اعطانا كفل منها.وكذلك كلمة “بغتة ” حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴿٤٤ الأنعام﴾ ، وردت في القران الكريم في 13موضع، هذه الكلمة موجودة في لغة التقرايت ايضا ،وكانوا يستخدمونها لوصف الرجل الشجاع المباغت الذي يباغت اعدائه ، فيقولون :(إلِّي إناس بِغْتَتْ تو) ولكن للأسف الشديد ان هذه الكلمة البليغة لم تعد تستخدم كثيراً في التقرايت،لذا صارت نسياً منسيا .
هذا وقد نجد هناك الكثير من مفردات التقرايت التي ذكرها الشعراء في دواوينهم. قال زهير بن ابي سلمى في ديوانه الشهير:
أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ.. وَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ.
الأثافي هي أحجار ثلاثة توضع عليها القدر للطهي، وقال الشاعر قَرونايْ بن حمد في قصيدة له: ود رخيص أماناتْ لآتابْ إتْكاتا بِتْكاتو ود مَتاكي أماناتْ رأسْ إتْفِيَتْ لأشْتاتو. إتْفِيَتْ بمعنى أُثْفِيَّة، أي المفرد من أثافي. وازيدكم من الشعر بيتا، قال عنترة بن شداد:
إِن كُنتُ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي
فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ …
السماك هو نجمٌ ساطعٌ وترتيبه الخامس عشر في قائمة أشد النجوم سطوعاً. هذا النجم ذكره الشاعر ابر سليمان في قصيدةٍ له حيث قال: دِيبْ سامِنْتو رَفِعْ كوكَبْ حَكو دَبِّئ سِماكْ تَوالالو عِفي وهِيابْ رَبي …
إن التقرايِّت لغة غنية ذات مفردات لا تعد، وأن علاقتها بالعربية كعلاقة الروح بالجسد.
