من مواضيع مجلة الناقوس-العدد 11-قضايا

 

المعضلة الإرترية المزمنة

ومقترح الحل

عمر الأزمة:

لقد لازمت هذه المعضلة مكونات الشعب الارتري منذ فترة تقرير المصير في أربعينيات القرن الماضي، والتي وإن أخذت أشكالا مختلفة من حقبة إلى أخرى، إلا أن جوهرها ظل ثابتاً حتى اللحظة الراهنة.

طبيعتها:

الهيمنة القومية من قبل مكون من المكونات الارترية، وتمثل في فرض المصلحة الأحادية لأحد المكونات على حساب مصالح مكونات التعدد الأخرى، بدلا من المصلحة المشتركة لجميع المكونات.

تداعياتها:

لقد أفضت تداعيات هذه الأزمة إلى ربط إرتريا بإثيوبيا تحت التاج الإمبراطوري، حيث كان السبب الرئيسي في ذلك هو تمسك جزء من الشعب الإرتري بربط إرتريا بإثيوبيا (بشقيه: سواء الداعي لتكوين دولة تقراي تقرينيه أو المطالب بالحاق ارتريا بإثيوبيا) منطلقين من تطلعاتهم القومية، بالنظر الى مصالحهم القومية عبر الحدود على حساب المصلحة المشتركة لمكونات الشعب الإرتري، في حين أن الجزء الآخر من مكونات الوطن دعى إلى استقلال ارتريا بحدودها المرسومة من الاستعمار الايطالي، لأن ليس لديهم ما يربطهم بإثيوبيا. وفي النهاية ترك الأمر للشعب الإرتري للنظر في تقرير مصيره خلال فترة خضوع ارتريا للانتداب البريطاني.

وفي المحصلة النهائية وافق الجميع على الحل الوسط بأن يكون الارتباط باثيوبيا عبر اتحاد فيدرالي تحت التاج الاثيوبي، حيث تنازل الوحدويين عن الوحدة الفورية الكاملة، وتنازلت الكتلة الاستقلالية عن الاستقلال التام. لكن على ارض الواقع كانت الغلبة للوحدويين الذين عملوا بالتعاون مع إثيوبيا على اجهاض الاتحاد الفيدارلي بالتعدي على بنوده تدريجياً إلى أن وصلوا في النهاية إلى الغائه، وبذلك أصبحت ارتريا الدولة الوحيدة التي ارتبطت بدولة افريقية جارة اقل تطوراً منها، الأمر الذي لا يدعمه أي مبرر منطقي سوى المنطلقات القومية لأصحاب هذا المطلب. وهنا لا بد من الاشارة الى أن الدور الخارجي في ربط ارتريا باثيوبيا، سواء من قبل إثيوبيا أو الأمم المتحدة والدول الغربية، كان عاملاً مساعداً في تحقيق هذه الغاية.

التصدي الارتري:

عندما خسر الشعب الإرتري ذلك القدر من الاستقلال النسبي الذي اتاحته المرحلة الفيدرالية، لم يكن أمامه من خيارات أخرى سوى التعبير عن رفضه القاطع للضم، وابتدر ذلك بالنضال السلمي بأوجهه المختلفة ثم تطور لاحقاً إلى إعلان الكفاح المسلح بقيادة الشهيد البطل حامد ادريس عواتي تحت راية جبهة التحرير الارترية لاستعادة حقوقه واستقلاله الكامل، ومرة أخرى قاتلت النخبة التي تنحدر من الطرف الرافض للاستقلال بكل ما اوتيت من قوة في صف إثيوبيا وشاركت في الحملات العسكرية ضد النضال وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة الإثيوبية التي هدفت لإخماد الثورة. الامر الذي أدى الى تأخير الاستقلال المنشود ثلاثون عاما دفع خلالها الشعب الإرتري اثمانا باهظة من الأرواح والممتلكات والبني التحتية واللجوء،

 

وبعد سقوط نظام الإمبراطور هيلي سلاسي، ومجيئ نظام الدرق، تغير الوضع، وشملت آلة البطش الاثيوبية كل الارتريين. حينها انحاز الجميع للنضال من أجل تحقيق الاستقلال. لكن ظلت عقلية الهيمنة التي سادت منذ فترة تقرير المصير حاضرةً، الأمر الذي قاد إلى انفراد الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بالساحة بعد إخراج جبهة التحرير الارترية من الميدان بالتحالف مع الجبهة الشعبية لتحرير تقراي، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل واصلت مسيرة فرض نهج الهيمنة القومية إلى أن تحقق التحرير والاستقلال، وما زال الحال مستمرا حتى اللحظة الراهنة. الامر الذي شكل عائقاً أمام إرساء ثقافة التعايش السلمي القائم على القبول بالآخر، وبناء دولة العدالة والمساواة بين الجميع، بدلا عن دولة الهيمنة القومية التي تسيطر على كافة مقاليد البلاد سلطة وثروة.

 

الوضع الحالي:

على مستوى النظام لايزال نهج الهيمنة القومية هو السائد لأكثر من ثلاثة عقود، والذي عانى منه الشعب الإرتري الأمرين: من اعتقالات تعسفية، وتعذيب وقتل وتشريد حتى تحولت البلاد لسجن كبير انعدمت فيه ابسط مقومات الحياة الإنسانية، إضافة للحروب المدمرة التي اشعلها مع كافة دول الجوار والتي كانت نتائجها تدمير الاقتصاد وتردي الوضع الصحي والتعليمي وتدهور البنية التحتية، حتى أصبحت البلاد طاردة لبنيها، الأمر الذي أدى لتعريض المئات من فئة الشباب لمخاطر جمة، فمن هرب منهم كان عرضة للموت في البحار والصحاري ومن نجى كان هدفاً لتجار الأعضاء البشرية، ومن بقى في الداخل أصبح وقوداً لحروب النظام العبثية.

وعلى مستوى المعارضة الإرترية تغيب بشكل تام الرؤية المشتركة لإيجاد الحل الناجع لمعالجة أزمة البلاد والعباد، حيث ان كل طرف يرى الحل من وجهة نظر فردية، ويختزل الازمة في الاعراض ويرى انه بالإمكان تأجيل النظر في القضايا الأخرى بعد تغيير النظام دون الوضع في الاعتبار حل جوهر الازمة المزمنة التي يعتبر النظام احد اعراضها.

حل الإشكالية:

الخلفية اعلاه للتذكير بفصول الأزمة وتراكماتها، من اجل البحث عن معالجة المشكلة حتى لا تتعرض اجيالنا الحالية والمستقبلية الى ما عانينا منه نحن. لذلك فإن الرابطة ترى بأن الحل يكمن في الاعتراف بواقع التعدد الارتري، بالتالي التوافق على عقد اجتماعي يضمن حقوق كافة مكونات التعدد التي ينكرها النظام جملة وتفصيلا، ويحدد كيفية ادارة البلاد تحت نظام حكم لا مركزي دستوري (فيدرالي)،  الأمر الذي يقود إلى فك احتكار السلطة ويضمن عدالة توزيعها بين كافة مكونات الوطن، ويُذكر بأن الرابطة تقدمت بمبادرة العقد الاجتماعي التي اعلنتها في مهرجانها بمدينة لندن بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاقتها في العام 2016م، وارسلتها الى جميع الكيانات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة، ونشرتها في كافة الوسائط الاعلامية، وأقامت العديد من الندوات حولها، كما شاركت بها في ورش عمل داخلية وخارجية، وستظل تواصل طرحها بشكل مستمر، إيمانا منها بأن الخروج من الازمة الإرترية وتحقيق هذا الهدف يستدعي بالضرورة جلوس الجميع على مائدة مستديرة وطرح كافة القضايا المسكوت عنها للخروج بالحل الأمثل الذي يحقق مصالح الجميع.

لابد من التذكير هنا بأن إرتريا هي وطن لجميع مكونات الشعب الإرتري، وإن حل الاشكالية لا بد أن يكون بمشاركة الجميع، وإن تجربة الانفراد من قبل جزء من مكوناته وتحديد مستقبله بمعزل عن الآخرين قد فشلت في جميع المراحل، وادت بنا إلى ما نحن عليه، وان المضي في نفس النهج لإحداث التغيير يعتبر تكرار للتجارب الفاشلة، التي لم تحقق الفائدة لأي من الأطراف سواء الجهة التي تسعى لفرض نهج الهيمنة، أو بقية مكونات التعدد، كما لم ولن يحقق ذلك الاستقرار لكافة مكونات الشعب الإرتري. بالتالي علينا مراجعة التجارب السابقة ومعالجة أس المشكلة الارترية المزمنة.

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *