الهقدف العدو.. اللدود للرأي الآخر

 المهندس سليمان دارشح

إن حرية الرأي لأفراد المجتمع من خلال تعدد الآراء وقبولها لبعضها البعض علي الساحة السياسية والاجتماعية والتعايش السلمي فيما بينها من دون اللجوء إلي وسائل العنف والتصفيات الجسدية لتسوية الحسابات السياسية بين بعضها البعض، هي وحدها الكفيلة ببناء عالم جديد، حر، ديمقراطي قائم علي أساس حرية الإنسان في المجتمع باعتباره كائن بشري لا يسمو عليه أي كائن آخر في هذا الوجود الكوني، والذي يجب أن يكون فيه هو – الإنسان – الغاية والوسيلة معاً في تحقيق حياة إنسانية حرة كريمة يعمها الحب والخير والرفاهية والرخاء والتقدم والأمن والسلام.

هذا من وجه، ومن الوجه الآخر عدم احترام حرية وحقوق الإنسان يجفف الإرادة الحرة ويضيق الرؤية، ومنه يتوهم الإنسان المستعبد أنه يعلم كل شيء ولا يتقبل الرأي الآخر حتى في الأمور الصغيرة، وعندها يفقد مثل هذا الإنسان إنسانيته في المجتمع وبالتالي يصبح كل همه المصالح الشخصية والتفرد بالسلطة والتشبث بها بكل الوسائل القبيحة المجردة من كل القيم الأخلاقية والإنسانية.

وهذه الظاهرة – حجر الرأي الآخر – نجدها اليوم سائدة في العديد من بلدان العالم التي تحكمها الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، ولعل النظام المستبد الحاكم في أسمرا خير مثال علي ذلك، فمنطق (من ليس معي فهو ضدي)، يزرع الضغينة بين الناس ويفرض الرأي الآخر بالقوة ويجبر الجميع على أن يتحولوا إلى قطيع بلا رأي أو رؤية.

وإذا تأملنا في هذا الصدد التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لنظام الهقدف – الحزب الحاكم في إرتريا – لوجدنا العجائب!!!

ومن هذه العجائب وهمه النرجسي أنه دائماً على صواب!!، وأن صاحب أي رأي مخالف لرأيه هو عدوه اللدود، الذي يجب محاربته ومطاردته وهزيمته بقوة السلاح. مع أن طبيعة الحياة وسنة الحياة الصحيحة والسليمة، هي أن يكون هناك تعارض وتطابق بين الأفكار والآراء المختلفة، بعيداً عن التهميش أو إقصاء أو إلغاء رأي علي حساب الرأي الآخر، أي بمعني آخر إن كل فرد أو رأي يمتلك جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كلها، وعليه فإن الجمع بين أجزاء الحقيقة من خلال الحوار والنقاش والتوافق القائم علي أساس المنطق العقلاني سوف يؤدي للتوصل إلي أكبر نسبة من الحقيقة المطلقة التي اختلفت وتعددت حولها الآراء في قضية معينة، وبالتالي لا يسود ولا يبقي إلا ما يتفاعل ويتجاوب ويتوافق مع متطلبات ومستجدات واقع الحياة بشكل إيجابي وينسجم تماماً مع تطلعات وطموحات الإنسان في الحياة الحرة الكريمة.

وهنا من الطبيعي جداَ في العمل الفكري والثقافي والسياسي أن تظهر آراء وأفكار متعددة متضاربة ومختلفة ومتناقضة إلى حد كبير، تتداخل أطرافها وامتداداتها الفكرية والسياسية نظرياً وتطبيقياً في جوانب ومجالات متعددة من عملية تقدم وتطور الحياة الإنسانية أحياناً، وتتقاطع وتتعارض في جوانب ونواحي كثيرة أحياناً أخري، إلا أن طرف من أطراف الاختلاف مهما كان مستوى الاختلاف بينهما لا يلغي ولا يقصي الآخر، بل على العكس من ذلك يعززه ويقويه، وهكذا تستمر الحياة في مسارها الطبيعي.

ونظام الهقدف المزيف إذا صح التعبير كان ولا يزال على نقيض ما سبق قوله، لأنه لا يشغل عقله سوي بكيفية إثبات صحة أقواله وآرائه الباطلة، وتخطيئه آراء وأقوال الآخرين، ولهذا ما يكاد الرأي الآخر يهب في وجهه حتى تتوتر أعصابه وتجحظ عيونه ويدق قلبه، فيتخذ على الفور وضع الهجوم المعاكس ليعذب أو يسجن أو يقتل الذي أشهر رأيه أمام رأيه الواحد الأحد!!!
وفي رأينا هذا ناتج عن تربية نظام الهقدف، وهي – تربية – منذ الأساس تربية ناقصة ورديئة خاطئة، لا تعرف ولا تعترف بالنقاش والحوار الوطني وتبادل وجهات النظر بالحسنى، وذلك لإحساسه الشديد بالعدوانية وضميره المثقل بالحقد والكراهية للمخالفين له في الرأي!! ولهذا احترام الرأي الآخر ليس في نفسية هذا النظام، ولا يتعامل به، بل يتهرب من مواجهته ومنازلته الند للند، فهذا معناه وبالتأكيد إنه نظام لا يثق في نفسه، ولا في إمكانيته الذهنية والنفسية ولا في الآليات التي يمتلكها ويستخدمها في حكمه، ولا في تعامله مع الحياة والعصر من حوله ومعناه أيضاً أنه مجرد نظام متسلط استبدادي سلب علي مدار عقدين ونيف حقوق المواطنين الإرتريين وألغى وجودهم كبنية أساسية وحطم روابطهم الاجتماعية والأسرية ومسخ هويتهم وثقافتهم الوطنية وعزلهم عن محيطهم العربي والإسلامي، ليس ذلك فحسب، بل يريد هذا النظام المتعجرف أن يسير علي رأيه الواحد إلي ما لا نهاية !! وهذا ما لا يمكن أن يحدث قط، لا التاريخ قال ذلك من قبل، ولن يقوله من بعد.

من أين لهذا النظام المتسلط المريض أن يجد الأمان والاطمئنان والرضا إذا كان هناك رأي آخر مغاير لما يراه هو ويحدده هو ويحكم به هو ويسير به الأمور، وما أقوال وأفعال الهقدف ورفضه ومصادرته للرأي الآخر المنتقد سوى برهان ساطع على خوفه وارتعابه من الرأي الآخر.

ونلخص القول إلى أن الرأي الآخر سيظل إن شاء الله موجوداً وجوداً حقيقياً مشرع النوافذ، نشط الخلايا، تهب منه رياح التجديد والتغيير، له مكانته وتأثيره، ومهما بذل نظام الهقدف القمعي الاستبدادي لضربه وطرده والتنكيل بأصحابه فسيظل له وضعه ووقعه …. فأين المفر؟؟؟

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

تعليق واحد

  1. فعلا أن نظام الهدف هو أساسا ومنذ نشأته إبان الكفاح المسلح أسس علي هيمنة المركزية والتسلط الأمني بين اعضاءه وأفراد قواته العسكر
    وهو أيضا نظام تسيطر عليه أفراد من الذين الأكثر ولاء للمسيحية وعلي هذا الأساس الأولوية لدي الهقدفين هو وحدة (تجراي تجرنية )
    من القضايا الوطنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *