يوم المعتقل الارتري ..

يوم المعتقل الارتري .. ذاكرة الضمير الإنساني

من سوء الطالع وسخريات القدر ان يجتمع الارتريون اليوم ١٤ أبريل في كافة دول الشتات لإحياء ذكرى من غيبتهم غياهب سجون الجلاد، لتذكر ماعانوه ويعانوه من آلالام وجراحات، ومايعانيه ذويهم من مرارة فراق الاحبة، بقلوب يملأها الحزن والأسى، بدلا من أن يكونوا طلقاء بيننا لينعموا بالحرية في وطن تسوده قيم العدالة والمساواة، بعد التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا.
الا أن الآلاف من الشرفاء يقبعون فى سجون النظام الذي سرق آمال وأحلام وتطلعات شعبنا الارترى الصابر المكافح، هذا الشعب الاسطوري الجسور الذى قدم اروع صور الصمود والتحدي والبطولات خلال قرابة نصف قرن من الزمان، بكفاحه السلمي الحضاري اولا خلال مرحلة تقرير المصير، التي وصل فيها لاعتلاء منصة عصبة الأمم لإيصال قضية شعبه للعالم أجمع، وكان في ذلك شعبا استثنائيا في المنطقة والاقليم، سابقا بذلك لكل شعوب المنطقة فى التطلع إلى الحرية والاستقلال من خلال النضج والوعي المبكر الذي تحلى به. وعندما وصل نضاله إلى طريق مسدود لتحقيق ذلك الهدف، فجر كفاحه المسلح بقيادة جبهة التحرير الارترية رائدة الكفاح المسلح التي كانت خيار آخرا لشعبنا من أجل الحرية والإنعتاق، خاض خلالها 30 عاما من الكفاح المرير دفع فيها فواتير ضخمة من دماء ودموعا وأشلاء ودمار وقتل وتشريد ولجوء.
ومع أشراق شمس الحرية في العام ١٩٩١م بتحرير الارض، والتي اعتبرها الشعب المناضل خلاصا له من المتاعب والجراح ونهاية للأحزان والآلام واللجوء والتشرد، كان القدر يخفي له فصولا جديدة من المعاناة والعذاب والإذلال والإهانة والقتل والاخفاء والسجن، وكان شعبنا على موعد مع مسلسل آخر من صور المعانات والعذاب والتنكيل على يد الزمرة الحاكمة ، وكان جزاء ابطال ورجالات الثورة وشرفاء الوطن وقادة النضال وكل واجهات المجتمع ورموز الوطن من فنانين وأساتذة وقضاة وخريجين ومشايخ المعاهد الإسلامية وطلابها، السجن والقتل خارج اطار القانون والاخفاء القسري الذي طال الجميع.

ان ما قام به نظام الهيمنة القومية والاقصاء وما أحدثه من جراحات عميقة فى الجسد الارتري بهذه الممارسات البربرية الغير مسبوقة من إخفاء عشرات الآلاف من خيرة ما أنجبته ارتريا ولفترات زمنية طويلة منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا هذا ، والأدهى والأمر ان يظل كل شيئ عن هؤلاء الشرفاء مجهولا منذ لحظة اختطافهم، حيث لايعلم احد شيئا عن مصيرهم واماكن وجودهم غير عصابات النظام، لأنهم لم يقدموا لمحاكمات عادلة، يعلم فيها ذويهم عن أماكن تواجدهم والعقوبة الزمنية الي سيقضونها في السجن.

ان مايعيشه الارتريون من مآساة وتراجيديا جراء هذا الامر فى أوطانهم اشبه بقصص الخيال العلمي، التي لايمكن ان يصدقها او يستوعبها العقل.

والغريب فى الامر اعتقاد النظام بأن ذاكرة الشعب يمكن أن تنسى أولائك المخفيين قسرا من أخوتهم وأحبتهم مع مرور الوقت، ويتوهم انه يمكن ان يفلت من العقاب والقصاص العادل، لكن نقول له هيهات لأن ذاكرة الاجيال والشعوب لا ولن تنسى تلك الجراح التي ستظل مفتوحة في جسد الشعب، وإن ذكراهم ستظل محفورة في وجدانهم حتى ينال القصاص من مرتكبيها.

لأن هؤلاء المخفيين قسرا ليسوا أشخاصا عادين يمكن نسيانهم أو التقاضي عن مصيرهم بهذه السهولة، فهم رموز المجتمع وقادته واعيانه ، وفلذة أكباد الشعب ، ولهم بصمات خالدة فى تاريخ هذا الوطن وإنسانه، فمنهم القضاة الافذاذ الذين سجلوا صفحات مضيئة فى النضال خلال فترة الاستعمار الأول، أمثال القاضى محمد مرانت، وفنان الثورة والشعب وأيقونته ادريس محمد على حجى، واخرون كثر من أبناء هذا الشعب الأبي من مناضلين ومناضلات شرفاء لايسعنا ان نحيط بهم كلهم في هذا الحيز الضيق. لذا نقول لجلادهم ان ذاكرة الشعوب الحية والمناضلة عصية على نسيان اولئك الابطال الذين كللوا صفحات تاريخ شعبهم مجدا وعزا وفخار.
وأن هنالك عشرات الآلاف من الأمهات والزوجات والأهل والأحبة الذين مازلوا في انتظار على احر من الجمر لعودة الابن والابنة وثمرات الفؤاد ، والزوج والحبيب ، وقد طال بهم الانتظار ، ومات البعض منهم ألما وحسرة وحزنا. الا أن ذاكرة الانتظار مازالت متقدة تنتظر عودة الأحبة.

ان طبيعة الاشياء المألوفة لدى بنى البشر هى الفرح والسرور اذا سمعت الأسرة بقدوم مولود جديد،وتقبل التهانى والتبريكات بقدومه واعداد الولائم احتفالا به. اما اذا فقدت الاسرة شخصا فإنها تواريه الثري إلى مثواه الأخير وتتلقى فيه التعازى، إلا أن مايحز في النفس ويترك فيها جرحا غائرا، هو عدم حدوث ذلك بالنسبة لعشرات الأسر التى غيب افراد منها من قبل النظام قسرا .
انها حقا حالة شاذة، وصورة غير طبيعية. ليس هذا فحسب بل ان مجرد توجيه السؤال عن المعتقلين من قبل ذويهم للنظام يعتبر جريمة وسببا آخر للاعتقال والاخفاء، حتى أضحى الوطن سجنا كبيرا لكل أبنائه من الوطنيين الأحرار من كافة مكونات الشعب الارتري .

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *