مواضيع مجلة الناقوس-العدد الثامن

دورب مجهولة

بقلم أبو محمد صالح

****

 استيقظت من النوم مبكرا على غير عادتي ايام العطل والإجازات،  

اتصلت على صديقي لم يجيب.

فقلت: من المؤكد انه ما يزال نائما، حاولت أن أسد رمقي بوجبة إفطار لإحساسي بالجوع، دخلت المطبخ فتحت الثلاجة ثم قفلتها

فتذكرت صديق قديم يجيد الطبخ، عدت إلى التليفون ثانية، اتصلت به اجابني بالفرنسية:

بينجور.

رددت تحيته:

 السلام عليكم، صمت برهة ثم قال:

عليكم السلام،

 فتأكدت إنه لم يتعرف على صوتي، فكرت ان اقوم بتضليله وامزح معه، لكن الوقت غير مناسب والمزاج لم يكن كذلك او ربما هو ايضا لن يكون على استعداد لذلك اختصرت له عناء التفكير وعرفته بنفسي حينها رحب بي مرة اخرى، ثم قال:

 اين انت،

 – موجود ،

سألني عن احوالي، قلت له سأحكي لك كل شيء كيف ستقضي الاجازة؟، قال: إن لم يكن لديك شيء تذهب معي في زيارة جميلة متأكد من إنها ستكون ممتعة. وافقت، وما هي الا ساعة وكان صديقي قد وصل المنزل وهو يقود سيارة دفع رباعي، انطلقنا بالسيارة وانا لا اعرف إلى اين نتجه. بينما هو يوجه كلامه لي: الا تسأل الى اين نتجه!!

قلت مستغرباً:

 لم تسألني هذا السؤال عند هروبنا من البلد،

قال: حينها كنت اعيش كما الموتى لذلك لم اكن ابالي مما يمكن ان يحدث من مصير كان الموت ارحم من الحياة هناك، كنت اريد ان اذهب لملاقاة الموت بدلا من انتظاره هناك، واظن أنك كنت تفكر مثلي ايضا كان هدفنا واحد.. 

قلت له بعد أن اخذت نفسا عميقا بعمق تلك الذكريات التي ظلت في داخلي كل هذه السنين لا اعرف من اين داهمتني تلك الحماقة وقتها ربما كان من الجحيم الذي كنت اعيشه كان الهروب من الجحيم الى الدنيا او الى الجنة، وقتها كان الفرار هو الخيار الافضل.

 كنت مسلوب الحاضر مجهول المستقبل لا امل، لا شيء يمكن ان يتحقق هناك.

الايام متشابهة دون تغيير والخوف يتسلل إلى من كل مكان، من كل الناس وكل شيء حولك هو ضدك، لا تستطيع أن تحدث نفسك خوفا من ان تخبر عنك.

توقف عند محطة الوقود، بينما انا اعيد تلك الذكريات وكل الذي تركته خلفي من بلدي وأهلي، مزرعتي أصدقائي، ولا اعلم عنهم شيء تركتهم دون ان اودعهم، لا شك إنهم يذكرونني كما اذكرهم او ربما معانتهم تحول بين ان يفتقدوا شخص لم يحتمل الصبر معهم، شخص هرب من بينهم.

تلك الطغمة التي تريد ان ترى الناس يموتون وهم على ظهر البسيطة، يأخذون منهم كل شيء حياتهم ادميتهم يسلبون حاضرهم ومستقبلهم ويلفونهم بالخوف والجوع والمرض مقابل إنهم يحمون الوطن كما يتوهمون.

 ربما اصدقائي واهلي هناك يقول عني كما يروج عنا خونة جبناء، نحن نشتاق لكل شيء، فاللجوء ألم اخر، جرح اعمق من تلك الجراحات، وان كنت هناك مسلوب شيء فهنا انا مسلوب كل شيء، جسد دون روح، احيانا لا اعرف نفسي، احس انني شخص اخر مسخ يمشي بين الناس يجد كل سبل الحياة دون ان يجد فيها الحياة.

نظر إلي صديقي وهو يقول: 

اين انت يا صاح

قلت: نعم 

– تحدثت اليك اكثر من مرة ولم تجيبني؟

– لا لا شيء، لقد اعادني الحديث إلى البلد.

اخذ نفس عميق ثم قال: الشوق اليها يقتلني واكثر ما يؤلمني حقا هو صعوبة العودة إليها، كادت دموعه أن تنهمر إلا أنه تمالك نفسه.

فقلت في نفسي اخفاها عني كما افعل انا، غالبا ما تداهمني دموعي، عندما اكون وحدي.

قال: ها قد وصلنا.

فنظرت من على النافذة منزل جميل.

قال لي: انزل 

قلت له: هنا، وانا انظر حولي الي المكان.

–  نعم هنا 

– ولمن هذا المنزل ؟

–  هذه مفاجأة 

– لا احتمل مفاجآتك يا صديقي يكفي ما بي 

–  ستسرك المفاجأة.

تشوقت لمعرفة ما يخفيه عني، قلت في نفسي ولما العجلة إن كانت ستسرني، لا داعي للتسرع، مع أني منذ قدومي هنا لا اجد طعم السرور الذي كنت احسه في بلدي، رغم كل هذا النعيم والرقي هنا إلا إنها نعم منزوعة الحس المعنوي، كل شيء هنا مادي.

فتحت لنا الباب فتاة بيضاء خمنت إنها فرنسية لكن عيناها كانت تشبه عيون اهلي ، احسست اني اعرف تلك العيون ربما اكون قد التقيتها مرة، استقبلتنا بابتسامة  وما إن تبسمت انشرح لها صدري وللمرة الثانية احسست إن هذه الابتسامة اعرفها رغم انها رحبت بنا بالفرنسية ثم  بالعربية وصديقي  كان يبادلها الترحيب فهو يعرفها وتعرفه ، أما انا كنت انظر لها  فقط لم استطع ان اتفوه بكلمة كنت اجول في تلك الملامح  نظرت لي ، وقد احست بتركيزي معها ، تكلمت معي بالفرنسية، العربية ، الانجليزية ولم استطيع الرد عليها ، ولو لا أن تدخل صديقي معرفا اظنها لتحدثت معي بالألمانية والإسبانية ، وربما لوصل بها الامر للغة الاشارة ، استدركت غيابي بعد أن لكزني صديقي ودون وعي اجبتها محيبا :بالفرنسية والعربية والانجليزية هنا ضحكت ضحكة اعادتني مرة اخرى لحالة ذهولي .

دخلنا المنزل، جلسنا انا وصديقي الذي اقترب مني وقال ما ذا حدث لك يا رجل؟

هذه ليست المفاجأة، قلت له مستنكرا قوله ماذا حدث لي. 

قال: لم تحس بنفسك؟ حينها سمعت صوت يناديني من الخلف صوت تألفه اذني اعرفه جيدا التفت بسرعة فإذا بي اجد سليمان، لم اصدق يبدو أني احلم وقفت لم استطع أن اتحرك نظرت لصديقي والذي اكد لي إن الذي امامك هو سليمان.

تصببت عرقا خفت كيف يكون هذا سليمان لا لا!! 

رد: انا سليمان لا تخف يا رجل سأشرح لك القصة هكذا قال لي وهو يقترب مني وانا كنت ارتجف حتى وصل عندي، هنا تأكدت أنه سليمان الذي اعرفه بلحمه ودمه.

لكن كيف لا اعرف.

سليمان كان قد توفي في البحر قد سمعنا نبأ وفاته قبل أن نصل إلى أوربا كان قد سبقنا في ركوب البحر، حتى اننا بعد سماع غرق مركبهم وموت جميع من كانوا معهم، مكثنا في ليبيا عدة شهور خوفا من أن يكون مصيرنا الموت.

جلسنا وبدأ سليمان يحكي لنا قصته نجاته من الموت في البحر بعد ان غرق المركب الذي كان عليه.

قال: لقد بدأنا في الابحار عند منتصف الليل لا ادري بالضبط كم كانت الساعة، ابحرنا وكان البحر هادئ  لم تكن الأمواج كما كان يقال لنا ، اشرقت الشمس ثم غابت ونحن نبحر ، بدأت الامواج تعلو ، انتصف الليل والامواج تعلو اكثر فاكثر واشتدت الرياح بدأ الخوف يتسلل الينا ، الكل اصبح يتشهد ، ويردد آيات من القرآن الكريم ، وفجأة لزم الجميع الصمت .

شاهد أيضاً

مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا.. أعده / الأستاذ محمود أفندي تغوص بك عزيزي …

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *