(مواضيع الناقوس – العدد الثامن) ألوان الشعر والغناء والرقص وأدوات الموسيقي المؤدى بالتجرايِت في المنخفضات الإرترية

بقلم أبوبكر جيلاني

المقدمة :

بطبيعة الحال هذا المقال توثيقي وليس نقدي بمعنى سيسرد للقارئ الكريم أسماء ومدى ترابط وتكامل الشعر وأدوات الموسيقي والرقص والغناء المؤدى بالتجرايت في ثقافة مجتمعات المنخفضات الارترية، ولكونه توثيقي لا يتطلب إيراد نماذج كما يفعل في المقالات النقدية. المقال قد يفيد أيضا كمادة تثقيفية لأجيال الشتات الإرتري حتى إذا عاد من سيعود منهم محظوظا يكون لديه قسطا من المعلومة النظرية والتسميات اللغوية للألوان الثقافية مدار البحث.  

يذهل المرء عندما يدرس التنوع الثقافي في إرتريا بالمقارنة مع مساحتها الجغرافية، ومن هذا التنوع ذلكم الخاص بالشعر الغنائي والغير غنائي المسرود والرقص وأدوات الموسيقى. ربما للتضاريس الجغرافية والبيئية وتنوع أساليب الإنتاج والعزلة والتنقل الدائم للمجموعات السكانية خلف الماء والكلأ دور في كثرة ألوان الثقافة الشعرية والغنائية على امتداد منطقة المنخفضات الإرترية، حيث أدت التركيبة السكانية إلى تطوّر الشعر والغناء بأنماط وألوان مختلفة، كلٌ في بيئته ومختلفا عن ثقافة المرتفعات الإرترية اختلافا بيناً. فبينما نجد في المرتفعات الإرترية محدودية التنوع الثقافي لأسباب تتعلق بالحياة المستقرة في القرى نجد هذه المحدودية تتلاشى والتنوع يسود كلما هبطنا نحو المنخفضات والعكس صحيح، إذ كلما توغلنا من المنخفضات نحو المرتفعات، يتلاشى التنوع الثقافي وتسود الوحدة الثقافية واللون شبه الواحد في الغناء وأدوات الموسيقي. نجد شعر ورقص القوايلا هو السائد في كافة المرتفعات الإرترية بوجود الكثافة السكانية مع اختلاف طفيف في المناطق المحاذية للمنخفضات الإرترية غربا وهو اختلاف لا يكاد يلاحظه الغريب عن المنطقة.     

شعر التجرايت

هناك ألوان عديدة في شعر التجرايت:

الحِلَايْ: وهو الشعر الخاص بأغاني الشجن والأمل، والهيام، والغزل، والمدح.  تؤدى معظم الأغاني التراثية والعصرية في أيامنا هذه بهذا اللون من الشعر الذي تستخدم فيه أثناء الغناء آلات تراثية وآلات موسيقية عصرية أيضا …. ولدينا ألوان شعرية أخرى في التجرايت لا يعرفها الكثير من الناس، لا سيما أجيال الشتات الإرتري، والحلايْ ما هو إلا لون واحد من شعر التجرايت. بعض هذه الألوان آخذة في الاندثار منها:

 القِنْقَـرْ (ق معجم) وهو لون من الشعر يقابله في الشعر العربي – الهجاء – إذا تهجو النساء فيه أهل العريس، وأحيانا أهل العروس جراء بعض النقائص التي يلاحظنها من حيث المهر والكرم وما دون المهر الخ… وأيضا قد يقرضه الرجل إذا أراد أن يهجو رجلا آخر أو أمر ما في قومه.

 النِيقـَرْ (ق معجم) – أو النِيقرُوتْ – وهو شعر للعتاب – يعاتب فيه الشاعر صديقه أو قومه أو قبيلته عن أمر ما رآه غير لائق أو مضر بالقبيلة.

 القُولْيَا أو القـُولَايْ (ق معجم) – وهو شعر يدندن فيه الشاعر شجنه بسبب البعد من معشوقته – أويبرز فيه محاسن معشوقته وولهه وشجنه، أو يمدح به أرضه وأبقاره وإبله الخ، ويؤدى فقط بأداء صوتي مميز – إلا بنغمات متقطعة بالمسنقوا لبعض أحيانا – هذا اللون يؤديه كثيرً حامد عبد الله وأبر سليمان وإبراهيم عافة والعديد من الشعراء الشعبيين المعاصرين.

الزار: وهو الشعر الذي يقرضه المعالِج ويؤدى بالدفوف (الطبل) والكبرو ليعالج به مريضته.

 الدّلُوكَة: وهو قريب من الحلاي يصاحبه العزف بالكبرو ورقصة الصوميا يؤديها الرجال وقوفا والغناء تؤديه النساء جلوسا.

الشعر العادي – أي الشعر المقفى (غير المنغم) المسرود: وهو شبيه بالشعر العربي المعاصر بالوزن والقافية.

 الشـِنـْبـَرْ أو الطار: وهو شعر النعي والرثاء تقرضه النساء في وفاة عزيز لديهن – ولا تضرب الكبرو فيه ولكن أي شيء آخر – كطاسة معدنية أو جلد اليابس الخ … وهذا الآلة المتواضعة تسمى الطار. والرقص في هذا اللون من الشعر يسمى دفن – بكسر الفاء. ولا يستساغ من قبل مشايخ الدين لانكشاف النسوة فيه، وهذا اللون من الشعر في طريقه إلى للاندثار.

ألوان الرقص في المنخفضات الإرترية:

كافة شعر (الحِلايْ) التراثي يصاحبه رقص مع (الكبرو) ، وكذلك شعر الشنبر أو الطار والدلوكة . ما عدا هذه الثلاثة لا يوجد رقص في الألوان الأخرى – كا القنقر أو النيقرأو القولاي أو الحلاي العادي.

وألوان الرقص في المنخفضات الإرترية لديها تسميات مختلفة لنفس الرقصة – مثلا

الشِدادْ: وهي الرقصة التي يؤديها الرجال بالقفز على وتيرة موحدة في دائرة متحركة من الراقصين، تسمى في بعض المناطق من المنخفضات (وردِّي) وفي بعض المناطق مرقـِدِّي.

الكِسْكَسْ وهي رقصة هز الأكتاف والخصر – يؤدى جماعة على شكل دائري من الراقصين وأحيانا دون دائرة. وهي الرقصة الأكثر انتشار في أغاني التجرايت التراثية والمعاصرة في أيامنا هذه.

الشلـِيلْ وتعرف أيضا بالسِّسعـِيتْ وهي رقصة نسوية يهزن فيها النسوة الشعر المجدل يمنى ويسرى وقوفا مع هز الكتفين.

الصُومـِيَا وهي رقصة رجالية يقفر فيها الرجال على مجموعات ويضربون الأرض بالأرجل على أنغام الكبرو وأصوات النساء أمام النسوة الجالسات. 

وهناك رقصات خاصة بالزار على إيقاع شعر الزار المؤدى بالكبرو والطبل ويؤدى جلوسا.

كل هذه الرقصات تؤدى مع الأدوات الموسيقية التراثية المذكورة أدناه.

أدوات الموسيقي في المنخفضات الإرترية.

مَسَنـْقـُو : في صدارة هذه الأدوات الربابة –المعروفة محليا بالمسنقو- وهي آلة تصنع محليا من عودين يـُربطان بدعامة دائرية في طرفيهما ليشكلا حرف V  الانجليزي ويشد فيهما خيوط مستخرجة من أمعاء أو أعضاء الحيوانات أو خيوط مستخرجة  من مادة طبيعية ، وفي العصر الحديث تستخدم خيوط بلاستيكية رفيعة تشد بين طرفيْ العودين لتبث أنغام موسيقية مختلفة تكون غالبا من مقامين، ولأوتارها عدة أسماء – منها البيساى والونروب الخ .تعزف هذه الآلة في الغناء (حلاي) منفردة أو مع آلات أخرى وقديما كانت تعزف أيضا في مناسبات الوفاة للزعيم أي للنعي وإظهار الحزن على الميت المهم في المجتمع في بعض مناطق في الساحل الشمالي – والمسنقوا (يشكل اليوم أداة هامة في الغناء بالتجرايت واللهجات الأخرى في المنخفضات الإرترية). وهناك ألعاب بالمنسنقو وهو البحث عن شيء بعيون مغطاة، وأنغام المسنقو توجه للاعب على أساس الفائز هو الأسرع في إدراك النغم والحصول على الشيء المطلوب وهو مغطى العيون.

طَبـِلْ: وهو الدفوف ويعرف بالطبل في المنخفضات الإرترية – يستخدم غالبا في المدائح النبوية …وهو مصنوع من لوح رقيق دائري ويوضع على مساحة قطر الدائرة جلد حيواني مدبوغ ومعالج جيدً حتى يصير رقيقا يغطي مساحة الدائرة ويعطي نغما أرق من الذي تبثه الكبرو.  

كَبَرُو: وهو الشكل البدائي للدرام العصري– أو الجاز ويستخدم في كافة ألوان (الحلاي) وفي الغناء النسوي بكثرة – وأيضا في المدائح النبوية ومنه نوعين – النوع الاسطواني حيث يشد في كلا الجانبين جلد حيواني معالج جيدً ويضرب وقوفا باليد – والنوع النصف كروي يشد فيه الجلد في النصف المفتوح – ويضرب جلوسا بعصي قصيرتان. وأيضا تستخدم الكبرو في الرقص العلاجي المعروف بالزار. وتستخدم أداة والكبرو في معظم ألوان الغناء بالتجرايت. وللرقص العلاجي إيقاعات مميزة. من وحي المعالِج تستهويها النساء وتجعل المتعالَجَة تفقد وعيها بعد الهزة العنيفة التي تنتابها جراء ضرب الكبرو والرقص في إيقاعها جلوسا.

حِنُونَه – وهو أداة موسيقية تصنع من عود مجوّف تخرم فيه خمس فتحات صغيرة بالقرب من حافة العود، وينفخ العازف الحافة الأخرى بينما أصابعه تتحرك بين الفتحات لاستخراج النغم المطلوب. هذه الآلة آخذة في الاندثار من التراث الموسيقي الإرتري حيث استبدلت بالآلات العصرية وهي شبيهة بالكامببيت والترامبيت العصريتين. والحنونة له نغم شجني ولا يصاحبه الغناء، والرعاة كانوا يعزفونه في مراعي أبقارهم. ويقال كانت الأبقار في الماضي تميز عزف راعيها من غيره من هذه الآلة، هذا ما تيسر سرده من آلات الموسيقي التراثية في المنخفضات الإرترية.

هذه الألوان الثقافية ذات خصائص أفرو أسيوية ومع تنوعها إلا إنها متجانسة نوعا ما مع ثقافات الشعوب المجاورة. فمثلا الدلوكة وهو نفس الإيقاع الموجود في شرق السودان وبعض الأجزاء في شمال السودان. والكسكس هو شبيه برقص القوليا في المرتفعات الإرترية بينما الشداد هو نفس الرقص الموجود في منطقة قبائل العفر والساهو.

شاهد أيضاً

مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا.. أعده / الأستاذ محمود أفندي تغوص بك عزيزي …

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *