مواضيع مجلة الناقوس-العدد الثامن

مفهوم الرابطة للم الشمل

بقلم الأستاذ محمود آدم

ان فهم لم الشمل بشكله ومضمونه الصحيحين وبما ينسجم مع الرؤية والاهداف المستمدة من روح الوثيقة امر في غاية الأهمية سواء بشكل خاص لعضوية الرابطة باعتباره الهدف الاستراتيجي الذي قامت من اجله الرابطة وتسعى وتعمل لتحقيقه كأحد طلائع المجتمع كما هو بشكل عام ضروري لكافة أبناء المجتمع للمشاركة الواعية في ضرورة الدفاع عن مصالحهم وحقوقه ودور المجتمع عبر لم شمله لمواجهة التصدي للتحديات الوجودية التي تستهدفهم.

ولما يعتري هذا المفهوم من ضبابية وخلط في الادراك بشكل صحيح سواء في أوساط المجتمع او لدى عضوية الرابطة يصبح الأمر من الضروري التركيز عليه وبلورته بشكل واضح، ولهذا يتم تناول هذا الموضوع مرة أخرى بالرغم من انني تناولته من قبل في مقالي المنشور بالعدد الثالث من مجلة الناقوس الصاردر في مارس 2018م، وذلك لأهميته للجميع للعمل الفعال لتحقيق تمكين المجتمع عبر تسليحه بالوعي الكافي واللازم للتصدي والدفاع عن حقوقه ومصالحه وتحقيق اهدافه وغايته المتمثلة في بناء دولة ديمقراطية يسودها القانون والعدالة في ربيع وطن آمن مستقر ومزدهر يكفل الحقوق والحريات والمصالح ويسع الجميع.

ان لم شمل مجتمع المنخفضات الذي تعنيه وتنشده الرابطة وتسعى الى تحقيقه استراتيجيا في نهاية المطاف يتمثل في عملية خلق وترسيخ وعي جمعي لدى كافة افراد المجتمع بما تربطهم من مصالح وحقوق وقواسم مشتركة بينهم مما يجعلهم مجتمع واحد رغم تعدده وما تفرضه عليهم ضرورة حماية تلك المصالح والالتفاف حولها وتحمل المسؤولية الجماعية للدفاع عنها من أي موقع وفي أي زمن متى ما استدعى الأمر ذلك.  وهذا عن إدراك واعي بالمصالح والحقوق والوشائج الاجتماعية والعلاقات الثقافية والتأريخية الازلية والمصير والاحلام المشتركة التي تربط بينهم وما يمليه واجب الدفاع الجماعي وضرورة العمل لتحقيق ذلك من اجل تمكين المجتمع من القدرة اللازمة لضمان الوجود والعيش بسلام على ارضهم وللعب دورهم الاجتماعي والوطني بشكل فعال وبما يتناسب مع الحجم والتأريخ النضالي الوطني المشرف لهذا المجتمع وكمكون اصيل في الوطن من اجل أداء دوره  المشهود والفعال في المساهمة بجانب المكونات الوطنية الأخرى في عملية بناء وادارة الوطن للعيش بسلام ووئام في اطار وطن ديمقراطي عادل يسع الجميع.

ان الرابطة كمنظمة مجتمع مدني لطليعة من أبناء المجتمع اخذت على عاتقها مسؤولية المبادرة للقيام بتوعية المجتمع بأهمية خلق الوعي الجمعي بين افراده إدراكا منها لأهمية ذلك في عملية استنهاضه ولم شمله من خلال العمل المدروس والمنظم لنشر وترسيخ الوعي بالمصالح والحقوق والقواسم المشتركة التي تربط مكوناته والتي سوف تساهم في خلق وعي جمعي بالانتماء لمجتمع واحد وغرس ذلك في وجدان كل فرد منه، وان فقدان هذا الوعي قد تسبب بشكل اساسي لحالة الوهن والتمزق الحالية السائدة بيننا مما يؤكد ان الخروج من هذه الحالة المرضية المزمنة يتطلب بالضرورة خلق وترسيخ هذا الوعي الجمعي المفقود لتحقيق لم الشمل ولبناء القدرة الذاتية الكافية لتمكين المجتمع من الخروج من حالة الضعف والتمزق المسيطرة حاليا لبناء القدرة اللازمة للدفاع ولتحقيق الحقوق والمصالح والاهداف المجتمعية الخاصة والوطنية العامة.

ان تحقيق ذلك يتطلب عمل توعوي جاد مستمر ومثابر لخلق ونشر وترسيخ الفهم الصحيح للم الشمل لدى كافة العضوية لكي يتسنى لهم توصيله ونشره وترسيخه في اوساط المجتمع، وعليه ان الأمر يتطلب مع الفهم الصحيح أيضا بذل جهود مضنية وجادة لحشد وتوعية المجتمع بالحقوق والمصالح المشتركة بينهم في سبيلالعمل بشكل جماعي من اجل الدفاع واستعادة الحقوق والمصالح الخاصة والعامة وللعب الدور المطلوب في المساهمة مع الأخرين في ادارة الدولة وبناء وطن حر يسع الجميعوفق رؤية واضحة وخطة استراتيجية مدروسة تحدد اتجاه المسار عبر تحقيق الاهداف المرحلية نحو بلوغ الغاية المنشودة.

ان تمهيد الارضية للعمل على خلق وترسيخ الوعي الجمعي بالمصالح والحقوق المشتركة بين افراد المجتمع يتم من خلال التبصير بالمظالم الواقعة والمخاطر المحدقة التي تهدد وجودهم حاضرا ومستقبلا والتأكيد على ضرورة العمل للتصدي لها والسعي لكسب الدعم والتأييد الوطني والعالمي لمصلحة مجتمعنا وشعبنا في نضاله من اجل استعادة حقوقه ودوره في التأثير الإيجابي على مجريات الأحداث والتطورات  للتحكم على مصيره وذلك عبر التفاعل والعمل على كل الجبهات والمستويات مع الواجهات المجتمعية والتنظيمات السياسية ومظلات وطنية من اجل خلق راي عام قوي لصالح قضايا وهموم المجتمع وكافة المكونات الوطنية وذلك في اتجاه يضمن مصالح وحقوق المجتمع ومساهمتها الفعالة في تحقيق التغيير الديموقراطي المنشود وتصحيح الخلل السائد في توازنات القوة ليعود  الى وضعه الطبيعي، ليصبح المجتمع رقما مهما يتناسب مع الدور والحجم الطبيعي المستحق له في المعادلة الوطنية، يُمكّنه من لتعامل مع الآخر على قاعدة الاعتراف والقبول المتبادل بالتعدد والمساواة في الحقوق والواجبات وضمان المصالح الخاصة والمشتركة بين كل مكونات الوطن.

ان الحقيقة التي لا تقبل جدل هي وجود التباس وسوء فهم كبير سائد بين أوساط عضوية الرابطة حول معنى لم الشمل الصحيح والذي دون تصحيحه لن نتمكن من العمل بالشكل المطلوب والفعال لتحقيق لم الشمل المنشود والذي عادة ما يفهم بشكل تلقائي وكأنه جمع ميكانيكي للبشر بالمعنى المباشر للكلمة اي كأنه دعوة لتأطير وجمع كل ابناء المنخفضات ضمن إطار الرابطة او أي اطار تنظيمي آخر، وطبعا هذا لا يمكن تحقيقه من الجانب العملي والواقعي باي شكل من الاشكال ولأسباب عدة منها تعدد الاطارات والخلفيات السياسية والمجتمعية لأفراد المجتمع والتي يجب اخذها في الاعتبار ولا يمكن تجاوزها على الاقل في مرحلة السعي لخلق وترسيخ الوعي الجمعي و طبيعة الصراع السائد كصراع هيمنة قومية يستهدف الوجود والهوية و المصالح ولا يمكن مواجهته والتصدي له الا بفهم لم الشمل بشكل صحيح والسعي لتحقيقه كأمر ضروري لبناء القدرة الكافية في سبيل الدفاع عن مصالح وحقوق المجتمع، وقد ترتب على سوء الفهم لعملية لم الشمل بروز تصورات واستنتاجات خاطئة حيث ان البعض يعتقد بان عملية لم الشمل يتم إنجازها في إطار زمني ومكاني محدد مما يؤدي الى الاستنتاج الخاطئ بان العملية قد تم انجازها من خلال الإشارة الى ما تم من حشد وتأطير عدد مقدر من العضوية من أبناء المجتمع في مناطق مختلفة ضمن فروع الرابطة في خلال فترة قصيرة من الزمن نسبيا ولذا يتم طرح السؤل ماذا بعد؟ وهذا يعتبر قصر نظر نابع من عدم فهم العملية بشكلها الصحيح وسوء تقدير لصعوبتها وعدم إدراك لطبيعة سيرورتها وضرورتها طالما وجود المجتمع ومتطلباته الحياتية وحاجته للتصدي للتحديات التي تفرضها تطورات المجتمع والاحداث من حوله ستظل مستمرة عبر كل زمان ومكان، مما يخلق احباط وتململ وعدم الصبر والمثابرة في بذل العمل الجاد لدى البعض ليلجأ هؤلاء الى محاولة القفز الى الامام والتهور لحرق المراحل، وهذا سبب من أسباب الإحباط والركود وأيضا لتناقص اعداد العضوية الملاحظ مع مرور الزمن.

ما يجب ان نعيه جيدا هو ان لم الشمل ليس هدف تكتيكي او مرحلي ممكن ان يتم انجازه خلال فترة زمنية محددة وفي إطار تنظيمي معين، بل يعتبر هدفا استراتيجيا سيظل قائما ومستمرا باستمرار وجود هذا المجتمع وما تفرزه التطورات من تحديات حياتية وضرورة التصدي لها.

كما يترتب على هذا الفهم الخاطئ اعتبار خروج أي عضو او أعضاء من الرابطة لسبب او آخر او حدوث انقسام بين صفوفها نتيجة اختلافات في كيفية إدارة العمل، كما حاصل مؤخراً، بأنه فشل لهدف وفكرة لم الشمل او خرق لها، وهذا ليس تبسيط لما ذكر او تبرير لما حدث من انقسام في صفوف الرابطة، ولكن رغم سلبية هذه الظواهر يجب ان لا تُربط بنجاح او فشل عملية لم الشمل بل ممكن ان تلام فيه الرابطة وعضويتها وممكن ان يؤثر سلبا على نشر الوعي باعتبار ان الرابطة  كان لها دور مشهود في تصدر العمل من اجل لم الشمل، وقد حققت نجاح ملحوظ في نشر الفكرة والوعي لكن بما ان لم الشمل هو عملية خلق وعي جمعي لدى المجتمع الذي يمكن ان يقوم العمل فيه من أي موقع ومن أي جماعة من أبناء المجتمع وبل يمكن ان تفرضه التحديات الوجودية التي تواجه المجتمع في زمن ما كما يشاهد حاليا في امتدادات المجتمع عبر الحدود، الذي فرضته عليه التطورات ان يوحد صفوفه ويلم شمل شتاته ليواجه التحدي الوجودي بان يكون او لا يكون بالتصدي لها بشكل فعال.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *