من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات “

sumudمقدمة

 ناضل الشعب الأرتري على مبدأ الاستقلال وتكامل على ذلك المبدء على مراحل وربما شكل هذا جانبا من معاناته الحالية .المبدأ كان نيل وطن ومن ثم تحقيق الهوية والكرامة، فنجح في استرداد الوطن ولكن معظم السكان امتهنت كرامتهم وهوياتهم وحرياتهم الشخصية واضطر جلهم الجوء إلى دول العالم من جديد بعد أن انجز استقلال البلاد بالدم والدموع.

هل النظام الديكتاتوري هو المسئول لوحده أم هناك أسباب أخرى ساعدت النظام للوصول بالبلاد إلى هذا المصير.

ربما قد يجد القارئ إجابة بعد قراءة بعض مظاهر الهوية الحقيقية للشعب الإرتري في هذا الكتاب من خلال التاريخ والأدب والشعر وليس فقط من خلال الثقافة الاسلامية التي كانت تكفي لمن القى السمع وهو شهيد.

يقيني سينجح الشعب الإرتري في استرداد الحرية والهوية المفترى عليهما بالاصرار والإرادة فقط . وقديما قيل إرادة الشعوب لن تقهر.

من خلال تأملي المسيرة الإرترية نحو الاستقلال والحرية وجدت أن كل حدث جديد كان يفسر ما سبقه، بينما القديم كان يتحول إلى غاية لتبرير الجديد. كل الأحداث التي حدثت في مسيرة النضال الأرتري من قبل مجموعة سلفي ناطنت مثلا كانت وسائل حبكت بدهاء للوصول إلى هذه الغاية التي تعيشها إرتريا اليوم.

هذا ليس كتاباً فلسفياً ولا تاريخياً ولكنه يوظف خصائص التاريخ والجغرافيا والسياسة والاثنولوجيا ويسمى الأسماء بأسمائها الحقيقية ولم يسرد الأحداث التي أعقبت تقرير المصير وصاحبت عهد الثورة الارترية ومن ثم أعاقت مسيرة بناء دولة وطنية ديمقراطية وحسب، بل يفضح المعيقين الذين منعو الحرية والمساواة في الفرص والحقوق والواجبات بعد الاستقلال بعد ما بدى للأغلبية من الشعب الإرتري تجاوز كل التناقضات التي ظهرت في فترة الأربعينات والخمسينات عبر مرحلة الكفاح المسلح المشترك .

بعد رحيل الاستعمار الأوروبي من إفريقيا بدأت حروب وعدم استقرار في بعض المناطق التي تركت دون تجانس وطني، وحرب أرتريا التحررية الطويلة وما آل إليه مصير السكان أو جلهم اليوم كان ولا يزال من نتائج ذلك العبث الاستعماري.

ارتريا التي أوجدها الاستعمار الإيطالي بحدودها الحالية تتكون من هويتان رئيسيتان هما الهوية التجرينية المسيحية والهوية العربية الاسلامية بالتساوي تقريبا ويشمل هذا التعريف المسيحيين الموجودين وسط أغلبية مسلمة والمسلمين الموجودين وسط أغلبية مسيحية بما فيها سكان امتداد ساحل البحرالأحمر مع بعض الأقليات الوثنية هذا إذا اعتمدنا العامل الجيوثقافي. والهدف من تحرير إرتريا من قبضة إثيوبيا كان لإقامة دولة من هذين المكونين ليس تحت شعار “حادي هزبي حادي لبي” وتعني ” شعب واحد وقلب واحد” ولكن تحت توافق دستوري تحدد فيه واجبات وحقوق المواطنة ويعترف فيه بالحقوق والواجبات وخصائص كل مكون ثقافي وشكل الحكم وطريقة إدارة البلاد.

إذا لم يعرف كل طرف حدوده وما يجمعه أو يفرقه عن الآخرين النتيجة دائماً تكون حل التناقضات البينية بالقوة وليس بالمنطق والحوار وقد يصل الأمر إلى درجة التدخل الأجنبي بحجة فك الارتباط منعا لتكرار مأساة الدول الفاشلة وما تبعها من آثار وخيمة ذهبت بالملايين من البشر وهذا ما يخشاه أحرار إرتريا بعد كل هذه التضحيات .

هذا الكتاب ليس دعوة للانتقام أو المقاطعة بل دعوة إلى وحدة الكلمة وإلى إقناع الأغلبية من شطريْ المكونين الثقافيين للتصدي للاستقطاب الحاد الذي أفرزه البرنامج السياسي للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة المتمثل في بناء الدولة من مكون واحد وتحويل هويات السكان إلى هوية واحدة وحبس أو قتل الناس على الهوية .المجموعة المتسلطة بإرتريا لم تعد تنظر إلى العواقب التي تسببها مثل هذه البرامج غير المدروسة ولكنها تعتقد بأن هذا من ضرورات بناء الدولة التي تناسبهم دون دراسة ظروف وتطور كل هوية ثقافية.

ما حدث خلال العقدين الماضيين دليل بأن برنامج الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا الذي اكملت من خلاله سيطرتها على ارتريا كان مأساة حقيقية لسكان ارتريا بكل المقاييس، لأنها أعادت إرتريا إلى المربع الأول وإلى الصراع الذي ظهر بعد خروج إيطاليا من أرتريا عام 1941م وأدى إلى تدخل قوى مجاورة (إثيوبيا) بمساعدة قوى دولية ( أمريكا) مستغلة التباين الثقافي والديني للسكان.

بعد حرب الثلاثين عاماً المريرة والمكلفة لإزالة إثيوبيا عن الأرض الارترية وتحريرها في عام 1991 م، رفضت الجبهة الشعبية كل أشكال التوافق الوطني في الوقت الذي كان يتطلع فيه الشعب الارتري نحو المصالحة الوطنية والمؤتمرالدستوري وتأسيس دولة القانون، هذا التصرف ليس فقط خيّب أمآل الشعب الأرتري ولكن أثار شكوك البعض عن إمكانية قيام دولة وطنية واحدة بحدودها الموروث من الإستعمار وهي خيبة ومرارة أقسى وأمر من الخيبه التي أنتابت الشعب الإرتري بعد فرض الفيدرالية عليه في 1952 م.

هذه المرحلة الحالية  تتطلب المزيد من الصمود أمام محاولات الاعتداء والافتراء على الهويات وعلى الثوابت الوطنية للبلاد وتتطلب أيضا دحض تزوير التاريخ الإرتري ورفض السياسات التعليمية المفبركة التي لا تمت إلى المجتمع المسلم بأي صلة، والتي ليس لها أي امتداد تاريخي.

إن أخلاقيات الكتابة والأمانة تقتضي النقل والترجمة بنزاهة، وتفنيد الشعارات السياسية والتوجهات والأبحاث التي تحاول تسييس قضايا غير سياسية لتمرير أجندات خفية أوعلنية.

على سبيل المثال ” بعض كتابات أحد الأكاديمين الأرتريين من التجرنية الذين يعيشون في السويد خلصت عنوة إلى نتيجة مفادها إن هوية الفئة الغالبة لديها فرصة ثمينة لتسود على كل الهويات واللغات الاخرى وتتحول إلى هوية وطنية غالبة في البلد. وهذا افتراء فادح لا يمكن أن يقبل به كل من يحترم هويته كذلك دراسة صادرة من مؤسسة بحثية سويدية أوردت ما لم يكن صحيحاً وتجاهلت ما لا يمكن تجاهله، بقولها إن ناطقي التجرنية قاومو إلغاء لغتهم كلغة المنهج التعليمي وإحلال اللغة الأمهرية منذ أول يوم، وتجاهلت تلك الدراسة مدارس اللغة العربية وهذا أيضاً افتراء فاضح لا بد من تفنيده ودحضه، لأن الذين عايشو تلك المرحلة يعلمون جيدًا ماذا حدث بعد إحلال اللغة الأمهرية محل اللغات الوطنية. لم تتأثر المدارس في المناطق المتحدثة بالتجرنية بعد إحلال اللغة الأمهرية ولكن التأثير كان كبيرًا في المدارس العربية لغير المتحدثين بالتجرنية. هذه الإفتراءات حملتني للتفكير في جمع المواد التي تدحضها .

وفي إرتريا هناك فرية نسمعها ولا نرى لها أثرًا مثل قولهم ” كل اللغات الإرترية متساوية “. وإذا سأل المرء ما هي دلائل هذه المساواة ؟ وأين اصدارات اللغات الأخرى لا أحد يجيب والسبب ببساطة ليس هناك اصدارات أو انتاج يبرر المساواة المزعومة.

يحق لكل إنسان أن يكون متساوياً مع الآخرين في كل شيء في وطنه بما فيها لغته ولكن هل مورست هذه المساواة في ارتريا بحق اللغات مثلا؟ وهل هناك برامج تلفزيونية واعلامية متساوية؟ بمعنى هل كل ما يطرح في التجرنية يذاع باللغات الأخرى على نفس المستوى؟ أوهل انشأت مدارس لتطويركل اللهجات الأرترية بطريقة واقعية خلال السنوات الماضية؟ وأصلا هل هناك مجموعة عرقية أو إثنية طالبت بهذه المساواة يوماً لتطبيقها عملياً في كل المجالات التعليمية والإعلامية والتوجيهية؟ ؟

إن المساواة في إرتريا الحالية يقصد بها مساواة أطفال الإثنيات الإسلامية في التجهيل والحرمان من التعليم الأساسي باللغة العربية التي درج عليها آباؤهم وأجدادهم. إن كلمة المساواة هي الطعم، وهي الستارة التي أخفيت فيها النية المبيتة لطمس الهوية العربية الاسلامية وهذه أيضا واحدة من الأسباب التي دفعت بهذا الكتاب إلى الوجود.

أختم هذه المقدمة وأقول إن شعب إرتريا بحاجة إلى الاستقرار والأمن والغذاء والدواء وإعادة الاسكان والقليل من التفاهم السياسي الوفاقي مع كل الأطراف لضمان التعايش السلمي وليس بحاجة لصراع هويات لإن تركيبة البلاد السكانية ومستوى الوعي السياسي للعامة لا تسمحان بأفكار إثنولوجية.

المجموعة المسيطرة على إرتريا لا محالة ذاهبة يوما قبل أن تعترف بدور السياسة وقبل أن تمارسها أصلا،

لذا أذكر القارئ الكريم بمقولة قالها الزعيم الراحل عثمان صالح سبي وهي ” إرتريا طائر لا يمكن أن يطير إلا بجناحين سليمين .وقد أثبتت المقولة صحتها.

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

تعليق واحد

  1. ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﻣﺒﺸﺮﺓ ﺑﺄﻥ ﺧﻂﻬﺎ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺭﺅﻳﺔ ﻭﻓﻜﺮ. ﻟﻠﻤﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻴﺪ ﺍﻟﻤﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻭﻣﻊ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﺎﻟﻨﺎ . ﻭﻭﺟﻬﺔ ﻧﻆﺮ ﺗﺤﻠﻞ ﺍﻟﺎﻧﺘﻜﺎﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﻬﻘﺮ اﺍﻟﺬﻱ ﺍﺻﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﻪ و أﺗﺠﺎﺓ سير ﺍﻟﺎﻭﺿﺎﻉ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﺧﺭﻯ.
    ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ . ﻭﺷﻜﺮﺍ ﻟﺮﺍﺑﻂﺔ ﺍﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺎﺕ ﻟﻠﺠﻬﺪ ﻭﺍﻟﺒﺬﻝ ﻭﺍﻟﺎﺗﺠﺎﻩ ﻧﺤﻮ ﻣﺤﻮ أﻣﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺎﻟﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻟﺎﺭﺗﺮﻳﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍﺛﻬﺎ.
    ﻭﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﻪ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺗﻨﺸﻴﻄ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﻩ ﻟﻠﺒﻌﺾ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *