من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ” الفصل الخامس (2)

sumud

الفصل الخامس : معضلات الصراع الثقافي في إرتريا  (2)

الجدل يحتدم داخل قبة أول برلمان إرتري أثناء مناقشة وضع اللغة العربية

(عن الجدل الذي كان قائما داخل أول برلمان إرتري لإثبات اللغة العربية في الدستور كلغة وطنية رسمية أجاب الزعيم الراحل الشيخ محمد عمر أكيتو عضو الجمعية الوطنية عن الحزب الديمقراطي فرع عصب قائلا  ” كنا قد قررنا من جانبنا أن نقاطع جلسات الجمعية ونترك كل شيء إذا لم يقبلوا اللغة العربية، وكنا منذ البداية نرفض ممثل الإمبراطور في إرتريا وقد أصبحت القضيتان متقابلتان تدريجياً. ثم بدأوا يقولون لنا ويقصد أعضاء  الهضبة الإرترية : ( اقبلوا ممثل الإمبراطور لنقبل اللغة العربية). لاحظ صيغ نحن وانتم في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الدولة الوطنية الإرترية .

وواصل قائلا : لقد تحدثنا كثيرا خارج الجلسة وفي الأخير قلنا ( إذا كان هذا هو قدرنا فإننا نقبل ممثل الإمبراطور وذلك من أجل شعبنا ووحدتنا، وقبلوا بدورهم اللغة العربية. ) انتهى كلام الشيخ محمد عمر أكيتو رحمه الله .

في الجلسة التي اعتمدت فيها اللغة العربية في البرلمان غيّر  بلاتا دمساس عضو الجمعية الوطنية عن حزب الاتحاد مع إثيوبيا رأيه المعارض للغة العربية واعترف بها ، ربما اقتنع برأي دجزماش برهي أسبروم ( الحزب الديمقراطي أكلي من  قوزاي ) الذي طلب استراحة قصيرة أثناء الجلسة، بدليل أن دجزماش برهي أسبروم أثنى على كلام  بلاتا دمساس، ويبدو إن اعتراف بلاتا دمساس جاء بعد مشاورات جانبية مستعجلة. وبعدما ضمنوا ثمن قبولهم اللغة العربية بقبول المسلمين ممثل الامبراطور في إرتريا وقوة من الجيش الإثيوبي بزعم حماية الاتحاد وهي أمورًا لم تكن موجودة في اتفاقية الفيدرالية ولم يقبلها المسلمين إنما فرضت لتلافي عرقلة أعضاء البرلمان التابعين لحزب الإتحاد مع إثيوبيا أعمال البرلمان )).

“قال الأمريكي جون سبنسر مستشار هيلي سلاسي في ذلك العهد ” أمكن وجود ممثل للإمبراطور في ارتريا مقابل قبول الحكومة الإثيوبية اللغتين العربية والتجرنية ووجود علم لإرتريا”. ويضيف سبنسر علاوة على ذلك فقد اعتبر وجود جيش إثيوبي لحماية الاتحاد الفيدرالي والدفاع عنه أمراً مفروغاً عنه.”

مما اتضح فيما بعد، لم يعترفوا باللغة العربية كحق ثقافي للمسلمين بل قبلوا بها  كمساومة سياسية مؤقتة. إن رفض اللغة العربية من قبل الإتحاديين (المسيحيين) كان قوياً ومبدئياً ولكن ما حدث كان تنازل من أجل الحصول على شيئ آخر لم يكن متفقا عليه من قبل . هذا يعني إنهم لم يقتنعوا بحقوق المسلمين الثقافية بل تنازلوا من أجل كسب سياسي مستحدث لم توقع عليه الجهة الضامنة أي هيئة الأمم .

لقد واجه أعضاء الجمعية الذين كانوا يدافعون عن اللغة العربية ضغوطاً شديدة .فمن ناحية كانوا لا يريدون التفريط في هويتهم الثقافية (اللغة العربية) ومن ناحية أخرى كانوا يخشون على وحدتهم الجغرافية لكي لا يتطور الأمر إلى تقسيم البلاد على أساس جغرافي كحل أخير كما خططت بريطانيا من قبل .  التقسيم كان سيقسم البلاد إلى مرتفعات ومنخفضات وهذا مالم يرضاه المسلمين لأن الديمغرافيا لم تساعدهم في ذلك ، فجزء كبير من المسلمين يسكن الهضبة الإرترية كذلك شعب ساحل دنكاليا والمنحدرات الشرقية للهضبة التي تسكنها قبائل الساهو يعتبرون أجزاء أصيلة وهامة لإرتريا لا يمكن التفريط فيهما.

إثيوبيا أيضاً كانت تخشى من أن لا يتطور الموضوع أكثر من ذلك فينقلب السحر على الساحر ولذلك أوعزت لحلفاؤها في البرلمان قبول اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية. وكان ذلك الإيعاز مؤقتا بدليل إبتلاع إرتريا لاحقاً كاملة وليس مجزأة.

 لم يكن بإمكان إثيوبيا أن تعارض تقسيم البلاد لو أراد وأصّر الطرف المسلم على ذلك في مرحلة ما مجتمعين ولكن أغلب المسلمين طالبوا باستقلال كامل التراب الإرتري وليس بالتقسيم. إثيوبيا كانت تعلم البعد الثقافي والتاريخي والحاجز النفسي لدى المسلمين من سكان المنخفضات الشرقية والغربية والشمالية من انضمامهم لها، إلا إن موقفها تغير لاحقا عندما وجدت انصارًا سطحيين وآخرين نفعيين من المنخفضات الإرترية وآخرين مغفلين نافعين واعتبرتهم كنز يجب المحافظة عليهم وابواق يجب نفخها إلى الأخر ومعاول يجب الضرب بها لهدم النسيج الاجتماعي للمنخفضات الإرترية .حدث ذلك في غياب وعي استراتيجي للحيلولة دون الوصول  إلى المآلات التي وصلها سكان المنخفضات الإرترية في العقود اللاحقة.

وأما بالنسبة لرؤية ممثلي الهضبة الإرترية في البرلمان، ما لم يوجد له تفسيرًا إلى اليوم هو ذلك الدفاع المستميت ضد اللغة العربية وهم يمثلون مناطق الهضبة التي تتحدث التجرنية وليس مناطق المنخفضات التي تتحدث اللغات الحامية والسامية والنيلو- صحراوية . ماذا كان يضيرهم لو تركوا المسلمين توطين اللغة العربية ديارهم لتعليم أبناؤهم إياها بدوافع دينية أو ثقافية أو تاريخية أو حتى اقتصادية، أم إنها الرغبة المتأصلة للهيمنة والإقصاء.

ثم لماذا سُمح لهؤلاء الممثلين للتحدث عن مناطق لا يمثلونها؟ ولم يصلنا اسم عضو من الإتحاديين المسلمين اعترض على اللغة العربية وهو من مناطق المسلمين .التاريخ سجل لنا ً بعض أعضاء الجمعية الوطنية الذين جادلوا أكثر من غيرهم في موضوع  اللغة العربية سواء ضدها أو معها وهم  :

  • ولديوهانس قبر زقي – اللغة تجرنيا – الديانة مسيحي –  معارض اللغة العربية
  • برهانو أحمدين – دائرة قزا برهانو/أسمرا  – اللغة تجرنيا – الديانة مسلم – مؤيد اللغة العربية
  • حدقمبس كفلوم – أكلي قوزاي – اللغة تجرنيا – الديانة مسيحي –  معارض اللغة العربية
  • تخلي هيمانوت بخرو ( الحزب الديمقراطي- أكلي قوزاي) – ممتنع
  • تدلا بايرو – ( رئيس حزب الوحدة – حماسين رئيس الجمعية  ) ممتنع
  • محمد عمر أكيتو ( ممثل إقليم دنكاليا ) مؤيد اللغة العربية
  • امبايي هبتي (حزب الوحدة – كرن ) – مسيحي – مؤيد اللغة العربية
  • ناصر ابوبكر باشا – (الرابطة – أكلي قوزاي) مؤيد اللغة العربية
  • القاضي علي عمر – (الحزب الديمقراطي – اكلي قوزاي ) مؤيد اللغة العربية
  • القس دميطروس قبر ي ماريام – ( الوحدة – سراي) معارض اللغة العربية بشدة
  • بلاتا دمساس ولد ميكائيل ( الوحدة – ابا شاول – أسمرا ) معارض اللغة العربية
  • دجزماش برهي أسبروم ( الحزب الديمقراطي أكلي قوزاي ) ممتنع )) (1)

مما جاء أعلاه نلاحظ إن عضوين من أعضاء الحزب الديمقراطي من أكلي قوزاى وهم تخلي هايمانوت بخرو ودجزماش برهي أسبروم امتنعا عن التصويت ما يدل حتى في الحزب الواحد كان هناك اختلاف في شأن اللغة العربية . ورئيس الحزب الإتحادي تبنى موقفاً وسطاً ربما لعلمه بأن كل ذلك الجدل ليس وراءه طائل وإن إثيوبيا سوق تضرب به عرض الحائط بعد سنوات قليلة، كما نلاحظ إن أعضاء الحزب الاتحادي لم يكن لهم موقف موحد بشأن اللغة العربية ، إمبايي هبتي وهو من حزب الاتحاد – مسيحي من دائرة كرن أيد اللغة العربية، ربما بتأثير من هويته الإقليمية ولعلمه بمدى أهمية اللغة العربية ومكانتها بل وحضورها في منطقته أكثر من غيره من أعضاء حزب الاتحاد الآخرين.

وعارض إثبات اللغة العربية في الدستور كل من قنزماتش ولديوهانس قبر زقي والقس دميطروس قبري ماريام وبلاتا دمساس ولد ميكائيل وحدقمبس كفلوم من حزب الاتحاد مع إثيوبيا وكلهم من الهضبة الإرترية المتحدثين بالتجرنية، وكأنهم فوضوا من قبل مناطقهم لذلك الهدف فقط.

وأغرب حجة كانت تلك التي نافح بها القس دميطروس قبري ماريام – ( عضو حزب الاتحاد مع إثيوبيا – فرع سراي) معارضاً اللغة العربية بشدةعندما قال إذا كان لا بد من لغة أخرى فالتكن التجري أما اللغة العربية فهي للعبادة وليكن وضعها محفوظا في المساجد وكأنه يقارنها بلغة الجئز القديمة وهذا لا أظنه كان غباءًا بقدر ما كان دهاءاً. والجدير ذكره حتى أيامنا هذه نلاحظ بعد الكتابات في الشبكة تنحو هذا المنحى وتصف العربية كلغة عبادة ودين فقط. وفي مثل هذه الأحوال الصدامية والرافضة من حيث المبدأ ، فإن المرء لا يمكنه أن يُبصّر من يريد أن يتعامى .

وكافح كل من ناصر ابوبكر باشا والشيخ محمد عمر أكيتو وبرهانو أحمدين عن اللغة العربية وهم من ثلاث مجموعات لغوية ( عفر – ساهو – تجرنية) ما يدل بأن اللغة العربية تجمع المسلمين الأرترين ويجمعون عليها بالرغم عن تباين لهجاتهم المحلية ومناطقهم . وكان القاضي علي عمر (من الحزب الديمقراطي – اكلي قوزاي) أكثر وعياً لألاعيب السياسة الدولية منتقدا المبعوث الأممي أنسي ماتينزو  قائلا ” كان يؤكد إثبات اللغتين العربية والتجرينية في نقاشاته الجماهيرية، وكان ينبغي عليه أن يتبنى ذلك في مسودة الدستورعلى حسب وعده “. وكأنه يريد ليقول الممثل الأممي خدع الشعب الارتري المسلم بوعده الذي لم يفي به .

وبعد كل ذلك الجدل المرير عن اللغات الرسمية في ارتريا،  وربما بعد الحصول على  ضوء أخضر من الاستعمار الجديد (أمريكا) الغت إثيوبيا اللغتان الرسميتان في عام 1957 م وأصدرت التعليمات للعمل باللغة الأمهرية ثم ألغتْ دستور الاتحاد الفيدرالي برمته في1961 م باجراءات صورية. وكرد فعل لذلك التصرف الغاشم بدأ الشعب الإرتري ثورته بادءً بحرب العصابات لأجل استعادة الهوية الوطنية الارترية وفي مقدمتها الهوية الثقافية للمسلمين الإرتريين (وإعادة اللغة العربية لمسلمي إرتريا من جديد) .

أختلف الوضع نهائياً بعد الإنضمام القسري وبعد فرض اللغة الأمهرية لغة لتعليم الأساس في مدارس المنخفضات الغربية والشرقية والساحل الشمالي والجنوبي وهي مناطق المسلمين، وأصبح مصير أمة كاملة في كف عفريت الامبراطور هيلي سلاسي وانتقلت اللغة العربية إلى الأدغال والغابات مع الثوار وصعد هيلي سلاسي هجماته على مناطق المسلمين.

إن بعض ممثلي الهضبة الإرترية سجلو للتاريخ افتراءا تاريخيا على مواطينهم المسلمين برفضهم اللغة العربية والإفتراء الأكبر كان من قبل إثيوبيا والحزب الإتحادي ببرنامجهم الإنضمامي إلى إثيوبيا وإنهاء الاتفاقيات الفيدرالية التي أقرت بموجب ضمانات من المجتمع الدولي.

  • (فيدرالية إرتريا مع إثيوبيا من أنسي ماتينزو إلى تدلا بايرومن 1951 – 1955 م (.الم سجد تسفاي– نقلا عن كتاب ” جذور الصراع حول اللغة العربية.”

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *