المنخفضات بوابة الإنتماء للوطن

 

22_02

الاستاذ محمدعثمان أبوطويلة”أبووفاء”

من المعلوم ان ارتريا هذا البلد الذي استمد اسمه من الاسم الاغريقي القديم للبحر الاحمر ((سنيوس ارتريوس))  ظهر كدولة بمفهومها العصري بحدودها السياسية في عهد (همبرت الاول) ملك ايطاليا من خلال المعاهدة التي وقعها مع كل من (منيليك الثاني) ملك اثيوبيا وانجلترا وفرنسا كدولتي احتلال للسودان وجيبوتي . سعت ايطاليا لتطوير مستعمرتها في شتى المجالات لارساء دعائم حكمها وفي خضم تصارع احزابها السياسية وبروز الفاشية العنصرية تشكل الوعي الجمعي الارتري وفهم معني المصير والعيش والحق والنضال المشترك في ظل هذا الوطن الذي تشكلت ووضحت ملامحه. الا ان البعض عارض ذلك ورفض فكرة الوطن وطرح مشروعات بديلة كفكرة الانضمام لاثيوبيا وفكرة التقسيم وبالمقابل كان المشروع الوطني الرافض لفكرتي الانضمام والتقسيم تمثل في الرابطة الاسلامية ممثلة للكتلة الوطنية. تتالت الاحداث وتواصلت النضالات فظهرت حركة تحرير ارتريا ثم قيام جبهة التحرير الارترية التي كانت نهاية لمرحلة وبداية لاخرى جديدة اقتضتها الضرورة الملحة ، وان روادها بالرغم من كونهم ينتمون لرقعة جغرافية واحدة الا ان همهم كان الوطن كله ارضا وانسان ، وقبل ان يكتمل عقدها الاول ظهرت بوادر الخلافات التي ادت للانشقاق لاسباب عدة اهمها اصحاب المشروع المضاد الذين انشقوا في مارس/آذار1969م واصدروا بيان وصف بالتاريخي في نوفمبر1971م تحت عنوان (نحن واهدافنا) اقتبس منه :”نحن نقف امامكم لنعبر عن وجهة نظرنا باننا مجموعة من المقاتلين الارتريين  الذين انشقو من ادارة القيادة العامة في مارس  1969م ، نعم والحقيقة بان كلنا او معظمنا من المسيحيين بالميلاد بالثقافة والخلفية التاريخية.” ويؤكدون في بيانهم بأن “55,7% من سكان ارتريا في المرتفعات وان سكان المرتفعات تجمعهم ثقافة وتقاليد مشتركة أما سكان المنخفضات لايرتبطون الا من خلال الدين ، وان القول بأن غالبية سكان ارتريا من المسلمين هو ادعاء زائف ومن يروجوا له يجب ان يراجعوا التاريخ ، وأن فكرة النضال والجبهة قامت على اساس عقائدي اي الجهاد (النضال المقدس) وتطبيق الشريعة واعتبار المسيحي الارتري كافر وجب قتله،كما ان اللغة العربية هي لغة دخيلة أوجدت بالقرار الفدرالي عام1952م ولم يستشر الشعب الارتري في ذلك وان العلاقة مع العرب تقتضيها المصلحة والضرورة لذلك يودوا أن يوضحوا للشعب الارتري ان من مسؤوليته رفض الادعاءات المصلحية مثل الاسلام والعروبة. ولسنا بخائفين ان يدعونا الآخريين باننا مسيحيين او مدافعين عن المسيحية.”

بهذا الوضوح وهذه المصوغات وعلى هذا الاساس تم الانشقاق بالرغم من أن هذه النسخة من البيان منقحة ومنمقة بالرغم من المغالطات والتناقضات الواضحة التي تحمل الفكرة ونقيضها . هذه الخطوة تلتها خطوات وأصبحت الساحة بأربعة تنظيمات هي (جبهة التحرير – قوات التحرير- الجبهة الشعبية- اللجنة الثورية) ، وتظل جبهة التحرير هي التنظيم الأكبر والتنوع الأكثر والخطاب الوطني الأشمل ولكن لم نجمع على ذلك ولم يتفق الكل على انه المشرع الوطني بالرغم من كل المظاهر الدالة على ذلك حتى بداية الثمانينيات ، وبعد حدوث الانتكاسة ودخول الجبهة  وما حدث بعد 25مارس ان تنظيم الانتفاضة كان الاكثر شمولا وتنوعا الا انه لم يسلم من وصمه بالاقليم والقبيلة بالرغم من أن الجناح الاخر  هو مجموعة تمثل منطقة واحدة وقليل من الوطنيين الذين تعني الوطنية في فهمهم نكران الذات ومحوها حد التماهي بالآخر وتغمصه وتقليده حتى في المظهر العام .

  في الطرف الآخر يقع المشروع المضاد لكل ماهو (وطني ووطن) الذي سعى للتغول على حقوق المكونات  واخضاع السواد الاعظم من الشعب الارتري لثقافة وهيمنة قومية واحدة ، وبذل دعاة هذا المشروع كل جهدهم لتمكينه وتقويته عسكريا وسياسيا واقتصاديا ونجحوا في ذلك مما أدى الى انفراده بالساحة الارترية وحشر كل المشاريع المناهضة له في الزاوية لتدافع عن نفسها مما جعلها تدرك خطورة التشرذم وانها لن تستطيع منفردة من الصمود ، ما فرض وحتم عليها القيام بخطوة وحدوية تمت على عجل مما ادى لفشل هذه الجهود في مهدها لاسباب عدة منها انها كانت مخترقة وغير جادة وكان البعض يحمل ماضي التجربة السيئ  وينظر للمستقبل من وجهة نظره دون التفكير في أصحاب مشروع  الهيمنة الآخذ في التمدد مغييراً في أساليبه وتكتيكاته تمهيدا لتمكين مشروعه ، مما أدى لاستفحال المظام وازدياد الأحساس بالغبن ،لتظهر حركة الجهاد كردة فعل طبيعية آمن من آمن وكفر من كفر وتعثر المشروع وتقسمت الحركة ولم يكن الخلاف فكريا أو مذهبيا بقدر ماكان قرية وقبيلة .

جاء الاستقلال كيفما جاء ليصوت الشعب كله بنعم للاستقلال ، لم يخطئ احد أو يسقط صوت احد . حتى أظهر مشروع الهيمنة وجهه السافر معادياً لكل ماهو (وطني ووطن) بأوضح وأفضح صوره فمحى كل مالا يتماشى مع مشروعه وتخلص حتى مع الذين اضفوا بعض الشرعية له وساعدوا قي توارييه ، وانفض من حوله من انتهت مصالحهم الانتقامية ومن أخذوا أجرهم الزهيد ومن سجن وانتحر أو هرب ….الخ . بدأت الصحوة وتكونت التنظيمات وتشكلت المعارضات وبرزت التكتلات والتحالفات ، نفدت الاسماء والارقام والاصطفاف واضح لايحتاج لكثير ذكاء وعناء في البحث والتحليل ، فقد بقي مع المشروع من له مصلحة حقيقية – أصحابه ومن لف لفهم  ، أما الجناح المعارض وكل اصحاب المظالم والمنضوين تحت لافتات ومشاريع وطنية وكل من يرى أن من حق كل الارتريين الشركاء في هذا الوطن والذي ضحوا في سبيله وناضلوا حتى نال استقلاله أن يكونوا شركاء في رسم ملامحه وتقاسم سلطته وثروته وتوزيعها بشكل عادل بين مكوناته ، وتكوين آليات لذلك من أحزاب وهيئات ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني تتفق على أن الوطن هو الاساس وتعمل ضمن اطار القانون الذي يتضمنه دستور يتوافق عليه الجميع. بين هذه الفئة وتلك مازالت هناك فئة الوطنيين الاقحاح على طريقتهم يفعلون فعلهم وهم بقصد أوغير قصد اداة فعالة في يد أصحاب المشروع المضاد مهمتهم أن يبقوا كل من يناهض هذا المشروع في حالة دفاع مستديم وذاك المشروع يمضي بكل طاقته لأن هذه الادوات ليست خصما منه ، فكل مابرز مشروع مطلبي جديد او مناهض له لايعيره أصحاب المشروع المضاد اي اهتمام مباشر لأن تلك الادوات طوعية جاهزة ومتأهبة فمثلا هم من كانوا يصفوا فصائل جبهة التحرير المختلفة بالقبلية والاقليمية وحينما يتم الحديث عن الجبهة الشعبية يبدؤا التبريرات المعهودة من قبيل يكفي انها بالميدان وحينما يظهر تيار اسلامي في ساحتنا ينادي بحقوق المسلمين يبدأ ابناء المسلمون من الوطنيين بمعاداته بحجة الحفاظ على الوحدة الوطنية والثنائية القائمة ويبداو باختراع المصطلحات لتوصيف الحالة والتبرء منها والتهكم عليها وتحميلها وزر الماضي والمستقبل ، ولتأكيد وطنيتهم وبعدهم عن هذا التيار يتعمدوا الكفر والالحاد ويجاهروا به وكم من مجاديف كسروها باسم هذه الوطنية.. .. .. .. .. واليوم حينما ظهرت مبادرة رابطة ابناء المنخفضات الإرترية كرابطة ضمن منظمات المجتمع المدني توحد راي وجهد أكبر تجمع بشري وثلاثة ارباع جغرافية الوطن وتاريخه .. تبدأ هذه الادوات من افراد وتنظيمات علماً بأن هذه الرابطة اكثر منها شمولا وأوضح رؤيا وأدق توصيفا وأحق مطلبا بالتشكيك والتخوين وبأن هذا انكفاء وانعزال وتمزيق وتعنصر .. ماهو معيار هؤلاء وتعريفهم للعنصرية؟ ومن اين استنتجوا ذلك؟

هذه الاصوات والاقلام الوطنية تقول وتكتب عشرة أضعاف ماقالته وكتبته بحق مشروع الإقصاء والهيمنة ، والتي تختلف حتى الان قي توصيفه خيفة ان يخونوا الوطن ويفقدوا الوطنية ، الوطن الذي أصبح في خبر كان بفعلهم وبسبب هذه الوطنيات الجوفاء . الوطن هو هذه الرقعة الجغرافية التي تكونت من بلدة وقرية واقليم وسكانها مجموع هذا الشعب الذي نتج من فرد واسرة وقبيلة وقومية وبتراضي وتآلف وتناغم هذا الكل يبقى  الوطن وليس بالسكوت على تغول احد هذه المكونات على المجموع  . وحالة المؤلفة قلوبهم في السبعينيات قد انتهت وانعكست ، ومعياركم للوطنية لويصلح لما كان هناك وطن اسمه ارتريا.

ختاما ياأيها الوطنيون من ابناء المنخفضات افرادا وجماعات اتركو أبناء المنخفضات يطالبون بحقوقهم المشروعة والمحقة بطريقة حضارية سامية ونبيلة ويرسو لوطن يسع الجميع هم من أوجدوه وصنعوا مجده وتاريخه ويملكوا جغرافيته ، كان حلمهم وسعيهم أن يكون علم ارتريا مرفوعا في سماء افريقيا ، قاوموا ووأدوا كل الحركات التي كانت تنادي باقل من وطن اسمه ارتريا ،عضوا على جراحهم حتى لاتتأذى وتتشوه فسيفساءه ولكن الشريك المدعى لم يحرص على هذه اللوحة اراد ان يبدل اصطفافها ويختذل الوانها بالاحرى غطاه بسواد ظلمه ، وبمواراتكم ومداراتكم وبمفهومكم المغلوط للوطنية تريدوا ان تلونونها بالرمادي الذي هو نتاج لذات اللون فلا سوادهم ولارماديتكم تبني وتحمي هذا الوطن الذي هو لوحة زاهية بكل الوانها.

محمدعثمان أبوطويلة”أبووفاء”

أكتوبر 2014م

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *