بقلم محمد نور موسى
ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات القرن الماضي.. إثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية ووضع ارتريا تحت إدارة الانتداب البريطاني.
اتسم العهد الإيطالي بسياسة القمع والترهيب ضد المواطنين الإرتريين والزج بهم في السجون ونزع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة ومنحها للمستوطنين الطليان، وزجت السلطات بالآلاف من الإرتريين في حروبها الاستعمارية التوسعية في كل من إثيوبيا والصومال وليبيا، كما مارست سياسة التجهيل تجاه الشعب طيلة فترة تواجدها بالبلاد، ونتيجة لتلك السياسة لم يسمح بفتح المدارس مما أفقد البلاد توفر الكادر الإداري المتعلم وكان المستعمر الإيطالي يعتمد على الايطاليين في الإدارة.
استبشر الشعب الارتري خيراً بهزيمة إيطاليا ومجي الانتداب البريطاني إذ تم إطلاق الحريات العامة وسمح للشعب الإرتري بممارسة الحياة السياسية والنقابية وبالتالي كانت هذه الخطوة نقطة تحول كبيرة في حياة الشعب السياسية وترجمته على أرض الواقع بإنشاء الأحزاب السياسية ونقابات العمال لأول مرة في تاريخ ارتريا الحديث.
بدأت الأحزاب السياسية بدورها بإصدار جرائد خاصة بها لتصبح أول انطلاقة لعمل إعلامي عرفته الساحة الإرترية.. ولقد كان لهذه الجرائد دور بارز في التعبئة السياسية وتهيئة الشعب لمرحلة جديدة، وطي الصفحة المظلمة من حياة الشعب التي عاشها خلال فترة الاستعمار الإيطالي.
لقد تزامن الازدهار السياسي في إرتريا مع بروز أزمة اقتصادية حادة ضربت الاقتصاد الإرتري من جراء الحرب، وبطبيعة الحال فان انهيار الاقتصاد الإيطالي انعكس تأثيره على الاقتصاد الإرتري، لاعتماده على المساعدات المالية التي كانت تقدمها الحكومة الإيطالية.
أما الانتداب البريطاني لم يقدم الدعم لإنقاذ الاقتصاد الإرتري بحجة أن وجودهم في ارتريا لفترة مؤقتة فضلاً عن قناعتهم بأن إرتريا بلد قليل الموارد، لكل ذلك كان للازمة الاقتصادية أثرها الكبير إذ عمت البلاد الفوضى وعدم الاستقرار الأمني وانتشار الإرهاب وظهور العصابات التي عرفت بالشفتا (قطاع الطرق) وحل الفقر والجوع مكان الأمن والسلام. ولقد انعكس تأثير ذلك على العملية السياسية وعجزت الأحزاب في حل أهم القضايا الوطنية، حيث شهدت تلك الفترة انقسام حاد بين دعاة الاستقلال الوطني وبين دعاة الانضمام لأثيوبيا.
لقد كان لحداثة تجربة الأحزاب وعدم وجود الخبرة الكافية في العمل السياسي والدبلوماسي أثره في عدم القدرة لبناء علاقات صداقة مع الشعوب والحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة مما أفقد القضية الارترية مناصرين لها إلا من عدد قليل من الدول كان لها موقف مؤيد لاستقلال ارتريا كالسعودية، والعراق، ومصر، والباكستان.
لقد ارتبط تطور الصحافة في إرتريا بتطور الحركة الوطنية الإرترية التي استطاعت أن تحشد القسم الأكبر من الشعب الإرتري إلى جانب مطلب حق تقرير المصير والاستقلال الوطني التام وكان الاعلام الارتري وقتها بمثابة قنديل يضيء الطريق وسط ظلام دامس لتوعية الشعب وتهيئته للوقوف الى جانب الاستقلال الوطني، الا أن نضال هذه الأحزاب والاعلام المرتبط بها تصدت له الدولة الإثيوبية والدول الداعمة لها وخلق الانقسام بين مؤيد ومعارض لأطماعها، وعملت على تأسيس حزب اندنت الإرتري (حزب الوحدة مع اثيوبيا) الذي كان رأس الحربة لسياسات إثيوبيا في إرتريا، إضافة الى استخدام عمليات الإرهاب والاغتيالات في أوساط المعارضين لها .
يشير الجدول الوارد ادناه للصحف التي عرفتها ارتريا في العهد الإيطالي وفترة الانتداب وصولاً لفترة الاتحاد الفيدرالي:
اسم الصحيفة | تاريخ الصدور | جهة الإصدار | اللغة |
اليومية الارترية | 1928م | الحكومة الإيطالية | العربية – الإيطالية – التجرينية |
سافويا | 1934م | الحكومة الإيطالية | العربية |
بريد الامبراطورية | 1936م | الحكومة الإيطالية | العربية |
العلم | 1941م | الحكومة الاثيوبية | العربية – الامهرية |
الأسبوعية الارترية | 1942م | الإدارة البريطانية | العربية |
مجلة الشهر | 1944م | الإدارة البريطانية | العربية – التجرينية |
العربية الأسبوعية | 1945م | الإدارة البريطانية | العربية |
الزمان | 1953م | الحكومة الارترية | العربية – التجرينية |
الغازيتا الارترية | 1953م | الحكومة الارترية | العربية |
الاحد | 1958م | الحكومة الارترية | العربية – الامهرية |
المدرسين | 1959م | الحكومة الارترية | العربية – التجرينية |
الوحدة | 1962م | الحكومة الارترية | العربية – التجرينية |
صوت ارتريا | 1945م | حزب الاتحاد مع اثيوبيا | العربية _ الامهرية |
صوت الرابطة الإسلامية | 1947م | حزب الرابطة الإسلامية | العربية |
الاثيوبية | 1947م | حزب الاتحاد مع اثيوبيا | العربية – التجرينية |
نور ارتريا | 1947م | الحزب الموالي لايطاليا | العربية – التجرينية |
ارتريا الحرة | 1949م | حزب ارتريا الجديدة | العربية – التجرينية |
وحدة ارتريا | 1949م | الكتلة الاستقلالية | العربية – التجرينية |
الاتحاد والتقدم | 1952م | حزب الرابطة المستقلة | العربية – التجرينية |
صوت ارتريا | 1952م | حزب الرابطة الإسلامية | العربية – التجرينية |
الاتحاد | 1954م | شبان حزب اتحاد ارتريا واثيوبيا | العربية – التجرينية |
اسمر الثقافية | 1947م | محمود احمد ربعة | العربية |
النشرة | 1951م | الغرفة التجارية الارترية | العربية – الإيطالية – التجرينية- الانجليزية |
المجلة الاقتصادية الارترية | 1951م | توما مديني الايطالي | العربية – الإيطالية – التجرينية |
المنار | 1954م | صالح عبد القادر برحتو | العربية |
هكذا كان الاعلام في فترة تقرير المصير، أما في فترة الكفاح المسلح فقد شهد صدور العديد من المجلات والنشرات الدورية باللغات العربية والإنجليزية التي كانت تصدرها فصائل الثورة الارترية، ومع تطور الثورة المسلحة واتساع رقعة نشاطها، أخذ الإعلام الإرتري طريقه نحو التطور لتغطية مساحات واسعة من العالم ووجد هذا الإعلام الإرتري الدعم والمشاركة من بعض الصحفيين العرب الذين عملوا في الصحافة الإرترية والإعلام الإرتري في بيروت. هكذا ولد الإعلام الإرتري الحديث وهكذا نشأ في كنف الحركة الوطنية الإرترية وبالتالي ارتبط تطور الصحافة والإعلام الارتري بالحركة الوطنية طوال الثمانين عاماً من النضال الذي خاضه ويخوضه الشعب الإرتري.
إذا كان هكذا الإعلام الإرتري في فترة حق تقرير المصير، ماذا عن اعلامنا في الوقت الحاضر؟ لماذا لا يكون لنا إعلام بالمستوى الذي نطمح إليه؟ ما هي المشكلة والمعوقات؟ هل لأننا نفتقر لكادر إعلامي يقوم بهذه المهمة؟
أرجو ألا يفهم من هذا الكلام أننا لا نملك إعلام، بالعكس لدينا إعلام ولدينا كادر إعلامي مؤهل إلا أننا لا نملك استراتيجية إعلامية تخدم القضية الوطنية وشعب يتعرض لمعاناة شديدة في الداخل والخارج، افتقارنا لإستراتيجية إعلامية جعل قضيتنا مهمشة ليس لها أصدقاء ولا متعاطفين من قبل الرأي العام العالمي.
خلاصة القول، إن تجربتنا الإعلامية خلال مسيرتها الطويلة أثبتت أن الإنسان الإرتري قادر أن يخلق إعلام قوي يتصدى للنظام الديكتاتوري ويفضح سياساته القمعية وأن شعبنا يدرك ويعي تماماً أن عملية تطوير إعلامنا يحتاج لتضافر الجميع وعلى رأسهم الكادر الإعلامي لدى قوى المقاومة مدنية كانت أم سياسية.