من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ” الفصل الرابع (2)

sumud

الفصل الرابع :معاناة الشعب الإرتري منذ الحرب العالمية الثانية (2)

مأساة الشعب الإرتري بعد الاستقلال

الأمر لم يعد يقتصر على الماضي بل كل الدلائل تشير بأن المخطط المحلي تجاوز المخطط الخارجي بمراحل ويستهدف مستقبلا إفراغ البلاد من المواطنين غير المرغوب فيهم بدوافع ثقافية واقتصادية وديمغرافية ، لأن رؤوس النظام وهم من الهضبة الإرترية  يظنون بأن الهضبة الإرترية ستضيق بأهلها خلال الأعوام القادمة لذا يقومون بتهجير سكان المنخفضات الإرترية بشتى الوسائل المدروسة وغير المدروسة لإحلال الآخرين بديارهم كما يمنعون حتى الآن إعادة توطين اللاجئين بقراهم وتعويض المتضررين .

بعد (24) عاما من هزيمة إثيوبيا نجد أضرارًا جسيمة في كل مكان من إرتريا وعلى كل الأصعدة وكأن المبتغى من الاستقلال كان الوصول إلى الوضع الحالي.

حرج أمريكي متزايد من تصرفات النظام الإرتري

الحرج الأمريكي الظاهر من تصرفات النظام الإرتري بدا يتصاعد بعد الحرب الإرترية الإثيوبية الأخيرة 1998 – 2000 م بعد ما تأكد صعوبة التعامل مع المجموعة الحاكمة بأسمرا وبعد ما تبين انتهاكاتهم الممنهجة لحقوق الانسان وعدم اكتراثهم بالمعاهدات الدولية والقانون الدولي . وبالمقابل يتهم النظام الإرتري أمريكا لوقوفها مع الطرف الإثيوبي وتحريض إثيوبيا للاستمرار في الاحتفاظ بمثلث بادمي وفرض حالة اللاحرب واللاسلم.

حالة اللاحرب واللاسلم هذه انهكت النظام الإرتري وهو بدوره حمل أثقاله واحتياجاته على ظهر الشعب الإرتري الفقير والمغلوب على أمره وذلك بفرض الضرائب الباهظة والعمل بالسخرة وتجنيد الشباب لمدة غير محدودة حتى بدأ الشباب بالهرب إلى خارج البلاد بأعداد كبيرة يوميا وتعريض حياة الآلاف منهم للموت .

انتهاكات حقوق الانسان بإرتريا بعد الاستقلال

الأرقام أدناه تمثل جانبا من انتهاكات حقوق الإنسان الإرتري خلال العقدين الماضيين بحسب ما جاء في تقرير موثوق:

  • عدد السجناء السياسيين العسكريين والمدنيين منذ دخول الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا أسمرا في 1991 م إلى الآن أكثر من 10,000 مواطن ومواطنة دون محاكمات وليس معلومًا بالضبط كم عدد الذين قضوا إما قتلا أو تجويعاً أو تعذيباً في المعتقلات وكم الذين أطلق سراحهم بعد سنوات دون أن يعرفوا أسباب اعتقالهم ، وكم عدد الباقين الآن في السجون بسبب السرية العالية التي ينتهجها النظام. أحيانا يبلّغ النظام عن الوفيات بعد سنوات طويلة من الوفاة وبعد إلحاح ذوي المعتقل أما الذين قتلوا غيلة وغدراً في رابعة النهار أسماؤهم موثقة .
  • وجود أكثر من (23) سجناً سرياً على طول البلاد وعرضها منها (11) سجنا عسكرياً كلها لا تنطبق عليها أدنى الشروط الإنسانية والصحية ولا تلتزم بالقوانين التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تنص على احترام كرامة السجين.
  • إغلاق المؤسسات الصحفية المستقلة واعتقال أكثر من 29 صحفيا وصحفية لم بفرج عن أحداً منهم حتى الآن ، مات (5) منهم بالسجن حسب ما جاء ضمن تقرير لجنة من الداخلية البريطانية.
  • إرتريا تحتل ذيل القائمة في التصنيف الدولي للحريات الصحفية – إذ تحتل الرقم (175) من أصل (181) دولة من دول العالم حسب ما جاء في تقرير مراسلون بلا حدود.
  • التجنيد الإجباري لطلاب المدارس والخدمة الإلزامية غير محدودة المدة الأمر الذي فتح الباب واسعاَ لهروب الشباب خارج البلاد.
  • عدم احترام إرتريا الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها وعددها (9) اتفاقيات .
  • إرتريا تحتل المرتبة قبل النهائية في تصديراللاجئين بالنسبة لعدد سكانها.
  • عدد اللاجئين قارب نصف تعداد الشعب الإرتري.

النظام الإرتري يسير من سيء إلى أسوء

مما تقدم يلاحظ أن وضع حقوق الإنسان في إرتريا كارثي بكل ما تعنيه الكلمة لذا لا غرابة أن يخرج الإرتريين في مظاهرات في اماكن اغترابهم هم حول العالم لحث المجتمع الدولي للتدخل وإنقاذ شعبهم وذويهم .

هناك أصوات تطالب بوضع إرتريا تحت وصاية الأمم المتحدة لفترة عشرة سنين لحين النظر في وضعها النهائي وهي فكرة أمريكية – بريطانية قديمة طرحت في 1946م ثم صرف النظر عنها . صعوبة هذه الفكرة تكمن في عدم تجاوب النظام مع أي ترتيب دولي لصالح للشعب الإرتري.

إذا استمر الوضع  هكذا في التدهور يخشى العديد من الإرتريين أن يدخل الإرهاب الدولي بلادهم ، وكذلك يُخشى من أعمال قتل خطيرة في حال غزت إثيوبيا إرتريا من جديد ونصبت حكومة عميلة (دمية) خارج إرادة الشعب الإرتري.

من خلال المظاهرات السلمية المستمرة والتظلمات المرفوعة إلى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الدولية يؤكد الإرتريين ليل نهار بأنهم مسالمين ولا يريدون أن تنجر بلادهم إلى أتون حرب أهلية أو أن تكون مسرحا للإرهاب الدولي كما لا يريدون أن تحكمهم إثيوبيا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولكن لا يريدون أيضا أن يستمر الوضع المأساوي لبلادهم كما هو لأجل غير مسمى ويتطلعون إلى مساعدة من المجتمع الدولي لوقف  المآسي  لكي لا يتطور إلى ما هو أخطر قبل فوات الأوان .

هيئة الامم المتحدة تراقب الوضع الإرتري عن كثب

قدمت هيئة الأمم المتحدة الكثير من الدعم المادي والفني للحكومة الإرترية عبر منظماتها المختلفة في العشرة سنوات الأولى من الاستقلال ، غير أن أهم دعم من هيئة الأمم كان  الإشراف على الاستفتاء وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1312) في 31/7/2000م القاضي بإنشاء بعثة الأمم المتحدة في إرتريا وإثيوبيا (أنمي) وكان يمثل أعلى درجة من الدعم والمؤازرة من قبل الأمم المتحدة لأن الاستفتاء اثبت قانونية الاستقلال وقرار مجلس الأمن الدولي حافظ على ما تبقى من أرض إرتريا وسيادتها الوطنية.

غير إن ما أثار شكوك هيئة الامم كان تدفق اللاجئين من الشباب باتجاه إثيوبيا والسودان دون وجود حرب أهلية أو خارجية ملفتة للنظر الأمر الذي فسر وجود إجراءات قاسية على فئة من الشعب وخاصة فئة الشباب. كما أن تدخل النظام الإرتري في شئون دول الجوار سلبا وشن حروب على بعضها والعديد من التصرفات غير الدبلوماسية بات ينظر إليها بارتياب حتى وصل الأمر إلى حظر دولي ووضعت البلاد تحت دائرة الرقابة السياسية غير المعلنة وإن لم تكتشف بعد مخرجات تلك الرقابة.

في آخر زيارة له للصومال صرح أمين عام الأمم المتحدة عن إرتريا قائلا ما معناه ” سوف لن يترك الشعب الإرتري هكذا تنتهك حقوقه  إلى ما لا نهاية” ذلك التصريح توج فيما بعد بتسمية خبيرة أممية لإعداد تقرير عن وضع حقوق الانسان وتقصي الحقائق عام  2014م. ولم يسمح النظام للخبيرة الأممية دخول  إرتريا وخرج التقرير عام 2015م  لصالح الشعب الإرتري المقهور كما كان متوقعا.

الدول الأوروبية والنظام الإرتري

بالرغم عن إدانة الاتحاد الأوروبي ممارسات النظام ضد الصحفيين في فترة من الفترات إلا أن بعض الدول الأوروبية ربما تنظر إلى النظام كأفضل السيئين لذلك يبدو إن الدعم المالي والسياسي للنظام لم يتوقف بعد وإن قل كثيراً مما كان عليه سابقا. عشرات الآلاف من اللاجئين ومئات الغرقى في البحر المتوسط لم يحرك ساكناً لمنع بعض الدول الأوروبية من تقديم المساعدات والاتصالات السياسية مع النظام الإرتري. الأمر يبدو كأن الأوروبيين لم يضمنوا بعد البديل المناسب والمقبول والذي يحافظ على مصالحهم أو ينسجم مع توجهاتهم في المنطقة إذا أزيل النظام الحالي، أو ربما لديهم خطط استراتيجية طويلة المدى عن المنطقة تحول دون اتخاذ إجراءات تفضي إلى إزالة النظام. لو هذه الفرضية صحيحة الأوروبيين بهذا يمنعون  ترسيخ العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان المطالب بها دول العالم الثالث ليل نهار.

نخب الهضبة الإرترية المؤيدة والمعارضة للنظام الإرتري

لو كانت المجموعة التي حكمت إرتريا طول الفترة الماضية جماعة معتدلة ربما لتجاوزت إرتريا خطر الفشل المحدق ولكن هذا لم يحصل. النخبة المسيحية الحاكمة والمؤيدة للنظام فيهم إلى الآن أناس عقولهم لا تتسع لمفهوم الوطن المحتضن كل المكونات الوطنية بالتساوي وفيهم إلى الآن من يجد وجدانه مع إثيوبيا بشكل أو أخر. وقد كتب أكاديمي معروف من الهضبة عن حلمه لرؤية إرتريا تعود إلى أمها إثيوبيا من جديد .

التكوينات المعارضة التي نقرأ عنها في المهجر والتي يغلب عليها العنصر المسيحي للأسف الشديد لم يتحدثوا  بجدية عن تصحيح ما أفسده النظام الديكتاتوري من أضرار على النطاق الوطني وعن إعادة الحقوق المتمثلة في الاراضي الزراعية إلى أصحابها وتعويض المتضررين وإعادة اللاجئين وإشاعة الحرية السياسية والثقافية للجميع بل يتحدثون عن إزاحة الديكتاتور فقط  والبدء في تعلم الديمقراطية من جديد حتى لا يفقدوا ما تحقق للهضبة  من مكاسب خلال العقدين الماضيين. إذا لم تتغير عقلية الاستحواذ هذه في الداخل والخارج فإن مصاعب المسلمين الإرتريين مرشحة للاستمرار في ظل عدم وجود كتلة اسلامية قوية وقيادة حكيمة .

إن التربية والتكوين الثقافي المنغلق الذي عاش فيه شعب منطقة الهضبة الإرترية قرونا أنتج سابقا  “الوثيقة الطائفية نحن وأهدافنا ” وهي وثيقة بكائية تقطر نفسا طائفيا وقصد بها تعبئة غير وطنية وظلها حاضر إلى الآن والدليل بعد سيطرتهم على البلاد بشرعية ثورية حددوا الإطار الفكري لأنفسهم (حادي هزبي حادي لبي) مبيتين العيش في إرتريا لوحدهم، واعتبروا غيرهم من المكونات الأخرى دخلاء على البلاد عليهم الرحيل ولو بالتدريج الممل ودون الجهر واعتبروا من لا يزاحمهم في السلطة والثروة الشحيحة مغفلين نافعين مسخرين لخدمتهم بالسخرة والدليل (الخدمة العسكرية المجانية غير محددة المدة واستغلال الشباب بالسخرة في أعمال حكومية وخاصة ) ، وطبقوا مبدأ “قاتل أو مقتول ” على كل من خالفهم الرأي وطالب بشرعية دستورية ( الدليل الاغتيالات الغامضة والسجون السرية المنتشرة في الفيافي والصحاري والإخفاء القسري بالعشرات والتعذيب والقتل تجويعاً في السجون والاعتقالات الليلية).

سكان المنخفضات الإرترية والنظام الإرترية

المؤسف جدّا إن سكان المنخفضات الإرترية بالرغم عن تنازلاتهم المستمرة وتضحياتهم الجسيمة من أجل وطن يعيشون فيه مع سكان الهضبة الإرترية والمكونات الأخرى لم يجدوا على مدى أكثر من سبعة عقود نخبة معتدلة من الهضبة مستعدة للعيش المشترك معهم في ظل شرعية دستورية ديمقراطية تحترم خصوصيات وثقافات كل المكونات الإرترية فضلا عن إخفاق الفصائل والتنظيمات والأحزاب المحسوبة على المنخفضات الإرترية لإقامة تحالف قوي بينهم وتوحيد كلمتهم وإيجاد توازن من مركز قوة . أسباب هذا الإخفاق كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا.

إلى الآن يؤمل من كافة التنظيمات المعارضة التحالف وتوقيع ميثاق شرف والمعاهدة على قضايا الوحدة الوطنية الإرترية وحقوق الإنسان وإعادة الأرض والثقافة الثنائية وحق العودة والدولة المدنية التوافقية ديمقراطيا وهي قضايا رئيسية جامعة لا يرفضها أي إرتري وطني حر، ثم التوجه إلى المجتمع الدولي والمطالبة بتحقيق هذه المطالب من خلال قنوات قانونية وإن تعذر عبر مظاهرات سلمية لأجل هذه القضايا المحددة والمدروسة سلفا ويجب أن تكون الوسائل السلمية خيار رقم واحد لحساسية التركيبة السكانية الإرترية.

المراجع :

“إرتريا خلال عقدين (1991 إلى 2011م) ” التقرير الشامل رقم (1)  صفحة 49 إلى 57 – بتصرف . إصدار مركز دراسات القرن الإفريقي : تاريخ الإصدار 2013 م .لطلب التقرير كاملا يمكنكم الاتصال بمركز دراسات القرن الإفريقي بريد إليكتروني horn2000@hotmail.com

..

..

..

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *