من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ” الفصل الأول (1)

sumud2

الفصل الأول

 الإفتراء على الهويات يؤدي إلى كوارث إنسانية (1)

 

من خصائص الهوية

ماذا تعني كلمة هوية ؟ وما هي الهوية؟

هوية  بضم الهاء وكسر الواو وشد الياء مشتقة من الضمير ” هو للتذكير أو هي للتأنيث “

جاء في قاموس المعاني ما يلي : هوية الإنسان هي حقيقته المطلقة وصفاته الجوهرية كبطاقة الهوية مثلا التي تحمل اسم الشخص وتاريخ ميلاده وعمله ومكان إقامته في بلده  الخ.. والهوية في الفلسفة هي حقيقة الشخص أو الشيء الذي يميزه عن غيره .وهي إحساس الفرد بنفسه وفرديته وحفاظه على تكامله وقيمه وسلوكياته وأفكاره في مختلف المواقف.وهي مجموعة الخصائص التي يَعرف الإنسان بموجبها كعلاقته بالجماعة التي ينتمي إليها وتلك التي يتميز عنها.

وفي قاموس ويكي بيديا جاء إن الهوية هي المواصفات الشخصية التي يتميز بها الشخص .

فإذا أخذنا مثلا الهوية الشخصية لشخص ما – نذكر  اسمه وعمره وحالته الاجتماعية ( أعزب أم متزوج ) ومهنته ومكان ولادته ومكان عمله الخ … وإذا طلب منا هويته السكنية أو الإقليمية  نضيف على القائمة أعلاه –  محل سكناه وإقليمه .

و إذا طلب منا هويته القبلية أو الاثنية  نضيف على القائمة أعلاه –  قبيلته أومجموعته الإثنية.

وإذا طلب منا هويته الدينية أو الطائفية نضيف على القائمة أعلاه –  ديانته أو طائفته.

وإذا طلب منا هويته الثقافية أو اللغوية نضيف على القائمة أعلاه –  الثقافة التي ينتمي إليها واللغة التي يتواصل بها مع الآخرين كتابة وقراءة.

وإذا طلب منا هويته الوطنية نضيف على القائمة أعلاه اسم دولته وهي الهوية الوطنية التي تنتهي إليها تسلسل طبقات الهوية .

والهوية السياسة تقوم على الدولة والأرض والسلطة القانونية – وغياب واحداً منهم يخلق أزمة في الهوية السياسية بمعنى آخر إذا لم يعترف شخص ما بالسلطة القانونية هذا لا يلغي هوياته الأخرى، ولكن يشير إلى عدم إطمأنانه للحالة القائمة في وطنه وعدم توافقه مع رؤية الذين يعترفون بالسلطة القانونية القائمة .

وترتبط بالهوية الوطنية مجموعة من الخصائص المشتركة بين أفراد الوطن الواحد – كتشابه الملبس و المأكل – والأدوات الشعبية – والمسكن  والسحنات – واللكنات ، وإن تحدثوا بلغة عالمية كالعربية مثلا – وغالباً يتشابه أهل الهوية الوطنية الواحدة في طرق الحياة ووسائل العمل – والعلاقات الاجتماعية المتعلقة باالروابط الأسرية ، وترتبط هذه الخصائص الأخيرة بالهوية المكانية .

وللهوية الوطنية تأثير أبعد من ذلك كالنصرة للوطن – والفداء والتضحية من أجل الوطن – وحب الوطن   وحماية حمى الوطن – والقيم الأخلاقية المشتركة – والمحافظة على المثل العليا المتبعة في المجتمع وثقافة الاحترام المتبادل المتعارف عليها  – ودواعي الهموم المشتركة عن الوطن  – وقيم أخرى مشتركة كالأفراح المشتركة المتعلقة بالوطن كالفوز في الألعاب الرياضية ونيل الكؤوس الرياضية العالمية على سبيل المثال، والأحزان المشتركة كموت زعيم وطني أو كوارث جماعية الخ …

جاء في تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) عن الهوية الثقافية ما يلي :

الهوية الثقافية تتطلب عدد من العناصر منها:

  • وجود تراث روحي يشعر كل فرد أنه جزء منه ومكون له في نفس الوقت
  • إنتماء إلى الثقافة التي بشعر فيها الفرد بوجوده ضمن إطارها، والتوحد معها والمشاركة فيها .
  • وجود شخصية اجتماعية محددة تربط أفراد الأمة بعضهم ببعض كاللغة والعادات والتقاليد .

إذن هنا نلاحظ ثلاث مفردات رئيسية مرتبطة بالهوية الثقافية هما التراث والإنتماء والشخصية ( بمعنى الخصوصية).

يقول جورج لارين ” إن تشكيل الهويات الثقافية يفترض مسبقاً تعريف الذات الثقافية ويتضمن تمييزا عن القيم وطرق الحياة عند الآخرين… والهوية الثقافية لها علاقة دقيقة بمسألة الهوية الشخصية بمعنيين هما :

  • أن الثقافة هي إحدى المحددات الرئيسية للهوية الشخصية.
  • تتسم الثقافة دائماً بالاختلاف أوالتنوع في طرق الحياة(كتاب الأيديولوجيا والهوية الثقافية – ترجمة فريال حسن )

 وأشار تقرير التنمية  البشرية الصادر عن الأمم المتحدة في 2004 م ” إن السياسات التي تعترف بالهوية الثقافية وتشجع التعددية لا تسبب التجزأة والنزاع والتنمية الضعيفة أو أنظمة حكم استبدادية وإن مثل هذه السياسات قادرة على الاستمرارية وهي ضرورية أيضاً لأن قمع المجموعات ذات الهوية الثقافية المحددة هو الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى التوتر ” . وذكر أيضاً ” إن الأفراد يستطيعون حمل هويات متعددة مكملة بعضها لبعض(عرقية ولغوية ودينية )وإنهم ينتمون بالفعل إلى هذه الهويات المتعددة . (إنتهى)

تحول الهويات: الهويات كونها مرتبطة بالإنسان لا تعتبر حالة جامدة. كلها قابلة للتغيير والتشكل من جديد وإن اختلفت سرعة تشكلها من هوية لإخرى . بعض الهويات تتغير ببطئ غير محسوس وبعضها تتغير في لحظات. الشخص الذي يتحول إلى دين جديد ينال هويته الدينية الجديدة فور الإعلان عن دينه الجديد . والشخص الذي ينتقل إلى بيئة ثقافية مختلفة عن ثقافته الأصلية قد يستغرق زمناً حتى يتقمص هويته الثقافية الجديدة ، وقد يموت قبل أن يتخلص من ثقافته الأصلية كلياً،  ولكن ذلك لم يحدث بالنسبة لهويته الوطنية الجديدة، اذ يتحول إليها فور استلام شهادة جنسيتة من وطنه الجديد. والهوية المكانية (العنوان) يتغير إذا تحول الشخص للسكن إلى مكان آخر .

وعندما تتغير الهويات الثقافية والحضارية بعد مرور آلاف السنين من الصعب إعادتها إلى أصلها ، بل قد يتحول الأحفاد إلى أعداء هوية اسلافهم أو مقاومين لها في بلدهم، على سبيل المثال أحفاد العرب اليمنيين الذين قدمو إلى ما يعرف اليوم بإرتريا وشمال إثيوبيا يقاومون في عصرنا هذا الثقافة العربية ويعتبرونها دخيلة عليهم وخطرًا على هويتهم الثقافية والدينية بعد ما أخذ أسلافهم الثقافة الأكسومية المسيحية التي تفرعت أصلا من الحضارة العربية القديمة التابعة لجنوب الجزيرة العربية وامتزجت بالثقافات الإفريقية، بينما أحفاد البجة والقبائل النيلية غير العربية أصلا يدافعون اليوم عن الثقافة العربية في ارتريا ويريدون توطينها من جديد بعد أن اكتسب أجدادهم الثقافة العربية من خلال الهوية الدينية والتجانس الثقافي خلال حقب زمنية طويلة .

رموز الهوية الوطنية : للهوية الوطنية رموز منها : النشيد الوطني – الشعار الوطني – الأعياد الوطنية – العملة الوطنية – العلم الوطني – الدولة – اللغة الوطنية – السلطة القانونية – الدستور الوطني وأرض معروفة المعالم والحدود .

معظم الرموز الوطنية أحادية إلا بعضها كالنشيد الوطني الذي قد ينشد بأكثر من لغة، واللغة الوطنية قد تكون ثنائية أو ثلاثية بالتراضي كما في كثير من دول العالم.

مهددات الهوية الوطنية : إذا ظهر خلل أو أزمة سياسية جراء تعارض مصالح الأطراف المكونة للوطن الواحد، ولم تحل هذه التناقضات بالحوار والتفاهم تحت إدارة السلطة القانونية القائمة أوبتعديل القانون المسبب لهذه التناقضات ، يلجأ كل طرف إلى وسائله الخاصة ليحقق ما يريد وقد يتطور هذا إلى العنف وتكون أدوات التنفيذ الهويات (دون الوطنية) – كالهوية الطائفية (كما حدث في  لبنان ) والهوية القبلية (كما حدث في الصومال) والهوية الإثنية (كما حدث رواندا ) والهوية الدينية (كما حدث في  البوسنة والهرسك ) و(تيمور الشرقية ) والهوية القومية (كما حدث في  يوغوسلافيا).

وقد يتم فك ارتباط  الهويات القومية المشكّلة للهوية الوطنية الواحدة دون إراقة دماء (كما حدث في الاتحاد السوفييتي) . وقد يتم فك الارتباط الهوية الوطنية وتحويلها ‘لى هويتين وطنيتين أو أكثر بعد إراقة دماء وتدخل دولي وضغط من قوة عظمى كما حدث في السودان.

ولدينا مثال في قبرص بالنسبة للأحوال التي يشطر فيها رمزين  من رموز الهوية الوطنية (كالأرض) و(الدولة) إلى الأطراف المتصارعة لنجد حالة سياسية معقدة، حيث تعيش الدولة منقسمة إلى شطرين بسبب عدم التوافق السياسي والثقافي بين المكونات.

ويحدث ميلاد هوية وطنية جديدة بتوحيد أو إعادة توحيد هويتان وطنيتان أو أكثر جراء توافق سياسي داعم للتوافق الثقافي والحضاري القائم  كما  حدث في (المانيا واليمن) – وقد يكون هذا الميلاد أو إعادة توحيد الهوية الوطنية الواحدة بعد انتصار عسكري كما حدث في(فيتنام) . وقد تنشطر هوية وطنية واحدة إلى اثنتين او اكثر بسبب الحروب أوالتناقض الفكري والأيديولوجي كما حدث في (كوريا) و(الصين).

وربما تبتلع دولة لأخرى بغرض محو هويتها الوطنية بسبب أطماع توسعية جيوسياسية كما حدث بين إثيوبيا وأرتريا في القرن الماضي وقد يحدث ذلك بمساعدة مكون من مكونات الدولة المعتدى عليها بدوافع ثقافية ودينية مثلا (الكوماندوس من أبناء المرتفعات الإرترية) ودعم قوة دولية متحالفة (أمريكأ) .

وأغرب هوية وطنية في عالمنا المعاصر هي التي شكلت من خلال جمع شتات قوم بني يهودا من شتى أنحاء العالم وإسكانهم في منطقة معينة وطرد سكانها الأصليين وتكوين دولة مصطنعة فوق أرض مغتصبة بدعاوي تاريخية غير منطقية كما فعل بأرض فلسطين.

والهوية الوطنية يجب أن تظل فوق كل الهويات الأخرى وتأثيرها على مكونات الوطن يجب أن يكون أقوى من تأثير الهويات الأخرى (دون الوطنية ) ليعيش الوطن في حالة من التعايش السلمي بين المكونات، ولا يتأتى ذلك إلا بالتوافق السياسي المدعوم بالسلطة القانونية والدستور الوطني المتفق عليه على أساس من المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات دون النظر إلى هوياتهم الأخرى ( غير الهوية الوطنية.)

المهدد الأكبرلوجود الوطن ككيان موحد يكمن في محاولة ترقية هوية من الهويات دون الوطنية ( كالهوية الاثنية أو العرقية أو الثقافية أو القبلية ) إلى هوية وطنية في بلاد متعدد طبقات الهويات، دون حوار أودون توافق سياسي مدعوم بسلطة قانونية معترف بها من قبل جميع الاطراف المعنية. في هذه الحالة تبدأ حالة عدم الاستقرار السياسي …وقد تتحول إلى حرب أهلية وتتسبب في هلاك الأرواح وتدني الحالة الاقتصادية أو نزوح جماعي ولجوء أو مجاعات ومآسي إنسانية للطرف الأضعف كما هو الحال في مناطق كثيرة من أفريقيا. ومن النتائج السلبية لمثل هذه الحالات بروز دولة إثنوقراطية أو قومية متطرفة .

من هذا الفهم أدعو جميع الإرتريين (وكل فردٍ فيهم دفع ثمناُ باهظاً للإستقلال عن إثيوبيا) العمل على إقامة دولة وطنية الهوية على أنقاض الدولة الإثنوقراطية المتطرفة القائمة في أرتريا وإزالة الدكتاتورية الرهيبة، كما أدعو أن يكون الخيار الأول لتحقيق ذلك الحوار السياسي المدعوم بالضغط الدبلوماسي  والإعلام الناجح والمقاطعة السياسية وحصار الديكتاتورية، لأن من تجارب الآخرين يتضح بأن الحلول العسكرية غير مضمونة العواقب في بلاد على شاكلة إرتريا .

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *