سبتمبر .. وما أشبه اليوم بالبارحة

september 1 1961

يصادف الفاتح من سبتمبر العيد ال53 لاعلان الكفاح المسلح في ارتريا بقيادة الشهيد البطل/ حامد ادريس عواتي فايدوم . هذه الثورة التي كانت تطور طبيعي لممارسات القمع والتهميش الذي تعرض اليه الشعب الارتري من جهة وخيانة نخب التجرينية للمشروع الوطني من جهة أخري ، التي تمثلت في مجموعة حزب الاندنت الداعي للانضمام لاثيوبيا التي مارست شتى أنواع الإرهاب والضغوط على الوطنيين الأحرار الذين رفضوا دعاوي الإنضمام وأكراههم بالخروج من الوطن بعد إغتيال الشهيد عبد القادر كبيري عضو الوفد الذي كان متوجهاً للأمم المتحدة مما اضطر البقية منهم للهروب خارج الوطن ، ممثلة في شخصياتنا الوطنية الاب الروحي / ابراهيم سلطان وادريس محمد آدم رئيس البرلمان الارتري الفيدرالي وعثمان صالح سبي ليأسسوا مع رفاقهم من الرعيل الأول جبهة التحرير الارترية كبرنامج سياسي وخارطة طريق تمثل طموحات الشعب الارتري ووسيلتها الكفاح المسلح والذي أختير له الشهيد / حامد ادريس عواتي قائداً لمسيرة الكفاح المسلح . وإن اختيار الشهيد / عواتي لهذه المهمة لم يات من فراغ فقد جاء مواكباً لتاريخه وبطولاته المشرفة التي عرف بها في حمايته للارض والعرض وتصديه لكل مايمس بكرامة انسان تلك المنطقة في تلك الفترة التي سبقت توليه القيادة العسكرية لمشروع جبهة التحرير الارترية.
واليوم يأتي سبتمبر كعادته والأمر يزداد في كل عام شبها بالفترة التي سبقت سبتمبر 1961م ، فما أشبه ما حدث في مرحلة الفيدرالية(1952 ـ 1962م) بما يحدث في فترة ما بعد الاستقلال(1991 ـ 2014م) فإذا كان ما حدث في الفترة الأولى حدث تحت المظلة والحماية الأثيوبية وأنتج السيطرة الكاملة لمسيحيي الكبسا على كل مفاصل الدولة واقصاء الجميع عدا تلك الفئة ، ها هو التاريخ يعيد نفسه بعد ثلاثة وخمسون عاما من ثورة الفاتح من سبتمبر 1961م وأكثر من عشرين عاما منذ الاستقلال وبعد كفاح ونضال شاق سكبت من أجله الدماء الغانية ، ها هي نفس الفئة تكرر نفس الفعل وبأسلوب أقبح من سابقه حيث يأتي هذه المرة في ظل دولة يفترض فيها أن تكون وطنية ضحى الشعب الارتري بأغلى ما يملك من أجلها ، إلا أن ذلك لم يمنع شركاء الوطن من تكرار فعلتهم السابقة وهذه المرة قد وجدوا فرصة وزمن أطول من الذي اتيح لأبائهم لأن الأمر لم يكن واضحا للضحايا كما كان سابقا ، فالآباء الذين رفضوا الاقصاء رغم تدني تعليمهم وقلة ثقافتهم كانت فطرتهم السليمة ونقاء سرائرهم هي الدليل الذي يقودهم ، لهذا أدركوا مبكرا لما ستؤول إليه الأمور فكان سبتمبر 1961م .

فبعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية و هزيمة الجيش الايطالي واحتلال بريطانيا للبلاد ، عاد عواتي إلى قريته ليمارس حياته العادية ألا انه سرعان ما دخل في صراع ضد قطاع الطرق والجيش البريطاني في المنطقة عندما قام حينها البريطانيون بحملة عسكرية لنزع سلاح المواطنين من الرعاة والمزارعين في المنطقة الغربية ، تلك البنادق التي كانوا يستخدموها في حماية ماشيتهم ومزارعهم من عصابات قطاع الطرق ” الشفتا” الذين كانوا ينهبون الماشية والمحاصيل من أهالي المنطقة، وقد تكاثرت عمليات نهبهم لممتلكات أهل المنطقة الأمر الذي دفع عواتي ورفاقه للتصدي لهم فاستطاعوا طردهم من المنطقة خائبين ، كانت مسألة نزع سلاح المواطنين من قبل البريطانيين تعني عمليا الوقوع تحت رحمة عصابات الشفتا التي عجزت سلطات الاحتلال البريطاني الحد من خطرها ، واليوم كسابقه الذي مرت عليه أكثر من خمسون عاما يعود النهب وإن اختلفت أساليبه ، فقد نهبت الأرض بالكامل وسكنها اصحاب مشروع النهب بإجراءات رسمية من الدولة وكانت نتيجة ذلك طرد السكان الأصليين ومنع من العودة من كان منهم في معسكرات اللجوء خارج الوطن ومن عاد منهم بغير رضا الحكومة تم حجزه في معسكرات لجوء داخل أرض الوطن مثل معسكر تبلدية وألبو على الحدود الارترية السودانية في أوضاع أسوء من أوضاع المعسكرات التي قدموا منها.. وها هو شعب الداخل يغادر وطنه مجبرا أفرادا وجماعات فقد تشابهت الظروف والمظالم ، فهل الشعب الأرتري على موعد مع التاريخ مرة أخرى؟ فالثلة التي أجتمعت أنذاك من أبناء أرتريا في القاهرة عام 1960م بقيادة الشهيد إدريس محمد آدم وكونت جبهة التحريرالارترية والتي كانت في سباق مع الزمن نتيجة الحصار الذي فرض على قائدها المفترض وهي مازالت في سعيها لترتيب إعلان الكفاح المسلح ، مما دفعها لاطلاق الشرارة الأولى حتى لا تخمد الشعلة وهي في مهدها ، فكان الموعد قمة جبل أدال والتاريخ الفاتح من سبتمبر من العام 1961م ليشهد أدال الشامخ تحرير شهادة ميلاد كل ارتري حر عبر بندقية الشهيد القائد حامد إدريس عواتي ورفاقه بإعلان انطلاقة الكفاح المسلح وبدء مسيرة التحدي والبحث عن حياة العزة والكرامة تحت شعار لا بديل للاستقلال التام لإرتريا فكان عواتي في ذلك اليوم كل أرتري رفض الظلم والذلة والمهانة وكان سبتمبر وطنا لكل الارتريين ، واعلاناً لميلاد ثورتهم الفتية .

وقد أثبتت الأيام على مدى رحلة الثلاثين عاما أن الفاتح من سبتمبر عام 1961م كان تعبيرا صادقا عن رغبة الشعب الارتري وشكل وجدانهم وصار أنشودتهم للحياة . لقد خلق سبتمبر من شعب ارتريا عملاقا لا يقهر وشعب تحديات لا يعرف اليأس طريقه الى قلبه فتمكن من انزال الهزيمة بالاحتلال الذي تعاون على دعمه ومساندته أقطاب الصراع الدولي ، وتمكن من كسر المعتدين واجبارهم على النزول عند رغبته في الحرية والاستقلال ، بعد منازلة قدم فيها أروع الأمثلة في الشجاعة والصمود وسقى شجرة الحرية من الدماء الزكية وفداها بمئات الآلاف من الشهداء في ملحمة أجبرت الأعداء على احترامها قبل الأصدقاء .

إلاّ إن ذلك المشروع لم يمت وأطرافه لم تيأس بعد فاستمرت محاولاته للنيل من مسيرة الثورة ومكتسباتها بين حين وآخر بوسائل ومظاهر شتى وفي مراحل مختلفة ، إلى أن آلت إليه الأمور بفعل مآمراته المستمرة فعمد إلى تزوير التاريخ وخلق بؤر لتشويه وتعميق عوامل الفرقة والكراهية بين مكونات الشعب الذي صهرته مسيرة سبتمبر ووحدت مشاعره ومصالحه بالتضحيات المشتركة . ولقد أعاد تطور الأحداث المأساوية التي ينسج خيوطها نظام اسياس افورقي الى الواجهة ذات المعايير التي استندت عليها بندقية الفاتح من ستمبر عام 1961م ونحن في الوقت الذي نحي فيه نضالات شعبنا ونقف باجلال امام تضحياته العظيمة ونشيد بصموده في مواجهة نظام الفئة الواحدة ندعو كل المخلصين من أبناء الوطن وفي مقدمتهم أبناء عواتي من الشهداء والرعيل الأول وكل الاسماء الطيبة التي نفتخر بها الى تصعيد النضال ورفع وتيرة العطاء ،

لان مايشهده الوطن اليوم من مآسي قد بدد كل التضحيات التي قدمها هذا الشعب العظيم ، وإن الاسباب التي انتفض من أجلها ما تزال قائمة وتبدل استعمار الامهرا بالتجرينية ورضعت الوطنية من ثدي الطائفية والاستهلاك الأحادي لمقدرات الوطن والمواطن وفرض احادية اللغة والثقافة والتهجير والاستيلاء على الاراضي وتحويل إنسانها الى مواطن من الدرجة الثانية.
وان الظروف التي يمر بها الوطن في الوقت الراهن مشابهة تماماً للظروف التي دعته للثورة على الامبراطور الهالك هيلاسلاسي فالتغيير الديمغرافي الممنهج ومحاولة تغييب المكونات الإرترية التي لاتتسق مع مشروع الهيمنة التجرينياوية وحرمانهم من ابسط امكانية الشراكة في اطار وطن متعدد الثقافات والاعراق ، كل هذا يدعونا لدق ناقوس الخطر ونعلن ان هذا المجتمعات معرضة للانقراض والمسح من وجه خارطة الدولة الارترية ، وان ابادة أي مجموعة من الوجود يبدأ بالطمس الثقافي وحجر وتذويب ثقافتهم في ثقافة المنتصر ومن ثم مصادرة اراضيهم وهذا مايتم الان على قدم وساق .

ونحن اليوم وبهذه المناسبة نوجه نداءنا الى ابناء المنخفضات الارترية في كل مكان وفي كل موقع الى ضرورة الالتفاف حول وثيقة العمل والمبادئ المشتركة اذ انها نتاج لتراكمات ومرارات تاريخية ، ولايمكن تجاوزها مالم تسترد المظالم والحقوق الى اهل المنخفضات وخلق شراكة حقيقية في ظل دولة مدنية تنعم بالتعايش والتداول السلمي للسلطة .
وفي ظل استمرار النهج المشابه للمستعمر من قبل النظام الارتري ستظل عوامل النضال ضد القهر قائمة ولن يستكين شعب المنخفضات مالم تنتفي الاسباب التي خرج من اجلها على الامبراطور هيلاسلاسي .
ونحن اذ نوجه خطابنا هذا لمجتمع المنخفضات وكل المهمشين في ارتريا نعي تماماً الدور الكبير الذي قام به هذا الشعب والذي اسقط اعتى امبراطور في افريقيا .
لتحمله لكافة تبعات ظروف الشظف والحرمان والمحارق ، حري به ان يستمر على نفس المنوال حتى يحقق المنال

كما نتوجه بنداءنا في ذات الوقت لأبناء المكونات الإرترية التي صودرت حقوقها بالتوحد في وجه آلة القمع والإرهاب للقضاء على الهيمنة الأحادية التي تسيدت على كل مقدرات الوطن والمواطن .
ونعاهد ارواح شهداءنا الابرار وأنفسنا بان نستمر على نفس النهج في طريق الكرامة واسترداد القيمة الانسانية المهدورة من قبل اصحاب المشروع التجرنياوي الاحادي العنصري المتغطرس الذي جيش كل امكانات الدولة الارترية لافكاره التوسعية والسطو على حقوق الشريك في الوطن باسم الوطنية الزائفة والتي افرغها من مضمونها الموضوعي ، لأن الوطن هو حالة تعاقد مابين سكانه واصحاب الارض فيه للعيش بالتراضي في ظل ادارة تتنازل فيها كل الاطراف المتراضية حول العقد الاجتماعي تنازلاً يسمح بانسياب العملية الادارية والسياسية في اطار يضمن لكل الشركاء حفظ حقوقهم الثقافية والاجتماعية والا اختل هذا التعاقد كما هو ماثل اليوم في حال الدولة الارترية القائمة. .
فسبتمبر ليس مناسبة للبكاء على الاطلال واجترار بطولات لم يجنِ منها الشعب سوى مزيداً من الدمار وفقدان المفقود اصلاً ، بل هي مناسبة لاعادة النظر في اسباب نشوء الثورة ، وما آل إليه حال الوطن وحقوق مكوناته من أستلاب . لذا فان اعادة صياغة العقد الاجتماعي بما يتناسب وحقوق كل المكونات الاجتماعية للشعب الإرتري يظل هو الحل نحو الاستقرار في ظل وطن متضخم من الغبن وتراكم الفجائع والتي ستدفع بالوطن نحو قاعٍ سحيق ان لم يتم تداركه من قبل الجميع .

ونجدد عهدنا وعزمنا على الاستمرار في النضال ضد نظام الاقصاء والتفرقة ومن يتماهى معه وإقامة البديل الوطني الذي يحفظ وطننا وكرامة شعبنا.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بتحية تقدير وعرفان لمؤسسي المشروع الوطني الارتري الكبير ومسيرة الفاتح من سبتمبر، والتحية والتقدير موصولين الى رفاق عواتي ورعيل الثورة الأول في عيدهم الثالث والخمسون.

رابطة أبناء المنخفضات الإرترية

مكتب الإعلام

….

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

تعليق واحد

  1. سبتمبر من اجل الحرية لتحقيق العزة والكرامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *