تعقيب على مقالات د. عبد الله جمع

1-1
 _

في تقديرنا ان مقالات الدكتور عبد الله في نقد مشروع رابطة المنخفضات الإرترية التي نشرت على صفحات المواقع الألكترونية تباعاً جديرة بالمراجعة و الرد ليس لاهمية خاصة…. بل على أقل تقدير للأشارة و تبيان ما تحمل في طياتها من تناقضات كثيرة و استنتاجات خاطئة لا تستند على قراءة الواقع الإرتري قراءة واقعية ، إضافة لما تحمل بين سطورها من نوايا غير حميدة عكس التظاهر بابداء الحرص على نجاح الفكرة و محاولات الايحاء بذلك بتقديم النصح والتنبيه من مغبة الوقوع في المطبات التي افترضها ، في الوقت الذي يؤكد و بجلاء على معارضته الجذرية ووقوفه ضد الفكرة ، بل لم يتورع عن اظهار معاداته السافرة لروح و فكرة المشروع من خلال تماديه في نعته بأبشع النعوت مجافياً حق الإختلاف الذي يفترض أن لايخيف ولايصادر حق أحداً في الإفصاح عن آرائه وأفكاره ، بقدر ما يمهد ويؤسس لخلق مناخ صحي يفتح آفاق الحوار البناء من خلال التلاقح الفكرى الذي يفضي لبلوغ الحلول المرجوّة خاصة في ظل الأزمة التي نعيشها ، كما أشار لذلك الأستاذ/ علي عافة في معرض رده على ما ذهب إليه الدكتور التي تناولها بأسهاب و اشبعها تفنيدا و تحليلا بشكل شافٍ و كافٍ يتطابق كليا مع رؤيتنا مما لا يستدعي تكرار ما اورده مرة اخرى .

 

اولا: يبدو ان الكاتب اغفل او تغافل ان شعار و هدف الرابطة الأساسي هو النضال ضد الهيمنة والإقصاء و الأضطهاد بكافة انواعه ويدعو لبناء حكم دولة القانون و العدالة القائم على اساس اعتراف و قبول التعدد بكافة انواعه و تجلياته لدى المكونات الأرترية مما يعني ان الرابطة تناضل ضد الهيمنة و الأقصاء بشكل عام و مبدئي ايً كان مصدرها وبالتالي لا يمكن ان تسمح أو تعمل لتكريس ممارسة هيمنة او تسلط أي من مكوناتها على الأخر ، كما أوحي لذلك الدكتور عبد الله واراد التاكيد على ذلك بالتدليل بما يجري في جنوب السودان ، وبهذه المناسبة فإن هذا الأيحاء هو الأخطر من نوعه في جميع ما كتب ضد الفكرة حتى الان . اذ ينطلق من فرضية خاطئة تنذر بحتمية حدوث هيمنة مكون كبير من مكونات المجتمع على بقية المكونات الصغيرة داخل مجتمع المنخفضات ، و الهدف من هذا الطرح هو بذر روح الشك و عدم الثقة فيما بين مكونات أبناء المنخفضات والنيل من وحدته الداخلية ليسهل ضرب هدف مشروع لملمة شمل اطراف المجتمع في الصميم – لاندري لمصلحة من يتم ذلك ؟ . فالمقارنة الصحيحة هي ان ما حصل في جنوب السودان شبيه بما حصل في ارتريا هو نتاج لهيمنة مكون على حساب الأطراف الأخرى ، حيث إن التهميش في ارتريا كان بعد مرحلة نضال مشترك لطرد المستعمر الخارجي ( اثيوبيا) و استقلال البلاد ، لتمارس السلطة القائمة الظلم والإضطهاد بدرجات فاقت مرارات المعاناة التي خلفها المستعمر ، وهذا ماحدث أيضاً بعد استقلال جنوب السودان لتعاني مكوناته من هيمنة الدينكا، والآن يدرس جنوب السودان عدة خيارات لايجاد المعالجات للخروج من أزمته من بينها تبني الحل الفيدرالي كنظام يضمن التوزيع العادل للثروة و السلطة و عدم تكرار هيمنة طرف من مكوناته على الآخرين . فالدعوة لتقاسم السلطة والثروة لا يمكن ان تؤدي الى التفتيت او الاقتتال كما يشيرالدكتور ، فإقراره بالمظالم الحادثة من هيمنة وتهميش واضطهاد يستدعي إقتراح الحلول ، لكن ماذهب إليه يدعو ضمنيا الى دولة “حادي هزبي حادي لبي “.

فالحل الذي تطالب به الرابطة وتناضل من اجله للم شمل اطراف المجتمع بجميع مكوناته للتوحد و النضال الفعال معا ضد الهيمنة و الإقصاء و استرداد الحقوق الخاصة و العامة ، عبر رؤيتها في معالجة ظاهرة الإقصاء المستشري في عموم تجربتنا النضالية حتى اللحظة سواء أن كان نتيجة لفقدان عامل الثقة أو بقصد الهيمنة المبيّتة التي انتجت نظام الحكم الطائفي ، وذلك من خلال الإقرار بالتعدد الذي يعني الإعتراف بالحقوق الثقافية والإجتماعية والسياسية لكل المكونات الإرترية بما يضمن حقها في المشاركة العادلة في السلطة والثروة في إطار الدولة المستقبلية ، فقد كان حريٌّ بالدكتور أن يقدم تصوره لحل هذه الإشكالية لأن أسلوب الترهيب و الإفزاع يكرس للظاهرة ولا يعالجها إضافة لأنه يشرع للهيمنة القائمة .

ثانيا: دعوة الدكتور للتحذير من العواقب الوخيمة المترتبة في حالة خوض النضال من اجل الحقوق وبسط العدالة كما تدعو اليها الرابطة فيه إغفال تام لمشروعية الدفاع عن الذات و الحقوق و يدعو الى الإذعان والقبول بالأمر الواقع . فالقائد الشهيد حامد عواتي عندما اطلق شرارة الكفاح المسلح لم يسعى لاقناع المكونات الإرترية بعدالة الحقوق التي انطلق من أجلها ، كما لم يفعل الشيخ ابراهيم سلطان ذلك عندما دعا الى تكوين الرابطة الاسلامية التي اقتصرت عضويتها على المسلمين فقط وحشدت الشعب على ذلك الأساس مطالبة بالاستقلال الامر الذي اجبر الجزء الأساسي من الكتلة الاستقلالية ( الشق الثاني من المكون الكبساوي الذي كان يطالب بإقامة تقراي تيقرينية) بالانحياز الى خيار الاستقلال . وتجدر الإشارة هنا الى ان الدكتور لم يتطرق الى هذه الجزئية المقابلة لمشروع الشيخ علي راداي و التي كانت تتبناها قوى الكبسة الداعمة للوحدة مع امتدادها عبر الحدود. ويشير الدكتور لذلك وكأنهم دعاة استقلال من الأساس وان الشيخ علي راداي هو الذي دعا الى التقسيم . كما أن مقارنته لمشروع الشيخ علي راداي بمشروع الرابطة لم تكن موفقة، فإضافة الى ما ذكره الاستاذ علي عافة، فان هناك اختلافا جوهرياً بين المشروعين لم يتطرق له الدكتور عبد الله، وهو ان مشروع الشيخ علي راداي كان قد طرح في فترة تقرير مصير ارتريا حيث كانت جميع الخيارات مطروحة ومتاحة في حالة التوافق حولها، وأهمها:

  • الاستقلال التام كما طرحته الرابطة الاسلامية
  • حزب الوحدة الذي مثل جل مسيحيي الكبسة بقيادة الكنيسة الأرثوذكسية مع قلة من المسلمين الذي طالب بالأنضمام الغير مشروط الى بلد الأم اثيوبيا
  • إقامة دولة تجراي تيجرينية التي طرحها مسيحيو أكلي قزاي ومعهم ولداب ولد ماريام في البدء والتي انضمت الى المطالبة بالأستقلال مع الرابطة لتكون بذلك كتلة الاستقلال لاحقا
  • تقسيم ارتريا بحيث تتبع المرتفعات وإقليم العفر الى اثيوبيا في حين تلتحق المنخفضات بالسودان سواء بإقامة دولة البجا المستقلة او جزء ضمن السودان الكبير.
  • الحزب الداعم لعودة حكم ايطاليا
  • حزب تمديد الأنتداب البريطاني لفترة اطول

وكان الاتحاد الفيدرالي نتيجة توافقية لكل هذه الخيارات و التي تطابقت ايضا مع مصالح الدول الكبرى وحليفتهم اثيوبيا التي اعتبرت ذلك مرحلة تمهيدية لتحقيق مشروع الانضمام الذي تم لاحقا بالغاء الإتحاد الفيدرالي من طرف واحد خلاف ما كان يتضمنه الدستور الفيدرالي وضمنته هيئة الامم المتحدة. اما طرح رابطة المنخفضات فهو طرح في إطار ارتريا المستقلة يدعو الى اقامة دولة القانون و بسط العدالة المتمثل في توزيع عادل للسلطة والثروة على مختلف المستويات والمكونات دون إقصاء وتهميش لأي منها . ما يعني بطلان محاولات الإيهام التي رمى إليها من خلال هذه المقارنات الغير منصفه لإلصاق تهمة التقسيم بمشروع الرابطة .

 

ثالثا : يحاول الدكتور عبد الله ضمنيا في مقاله تبرئة مسيحيى كبسا من المؤامرة ضد الاستقلال حيث يصف الامر برمته كمؤامرة من الاستعمار الخارجي بمساعدة الكنيسة ، وهذا ما يحاول الهقدفيون ومسيحيوا كبسا إضفائه لتبرير موقف مطالبة اسلافهم بالإنضمام المخزي لاثيوبيا و ما ترتب عليه من مظالم وانتهاكات بحق بقية المكونات الإرترية .

 

رابعا : إن هجوم الدكتور عبد الله على قوى المعارضة للنظام حاليا ووصفها بالضعف و التشتت نسبة لبعدها و عدم قدرتها على التأثيرعلى مجرى الأحداث ، دون طرح البديل أيضاً ، هو دعوة اخرى للاستسلام للامر الواقع ( سواء كان ذلك بعلم او بدونه ) لأن شأن الدعاوى القائمة على هذه الشاكلة لا تساعد على استمرار العمل القائم و ايجاد البدائل الناجعة لتفعيله ، لأنها تفتقد للموضوعية وتغفل مراحل تطور تجارب الشعوب التي تولد من رحم المعاناة و تراكم التجارب .

 

خامسا: نعتبر انه كان غير موفقا في مقارناته بالأوضاع في افريقيا الوسطى ودار فور وجنوب السودان التي لا يتسع المجال لمناقشتها في هذا التعقيب تفاديا للإطالة و الإختلاف و عدم تطابق الظروف التأريخية و المجتمعية بينها و بين مجتمعنا بل نعتبرها فزاعة او تابو من النوع الدارج استعماله من المعارضين و ايضا من النظام للتخويف من المطالبات المشروعة في استرداد الحقوق بالتلويح والتهويل للمخاطر الكارثية المحدقة لثنيهم عن المطالبة بالحقوق المشروعة بأي شكل من الأشكال .

 

سادساً : إن المبدأ الأساسي الذي تنطلق منه الرابطة هو النضال من أجل إقرار واسترجاع الحقوق المفترى عليها للمجتمع الذي تنتمي إليه وبقية المكونات الإرترية ، بل تأكد في كل نص من نصوص الوثيقة بأن هزيمة مشروع الهيمنة لايمكن له أن يتأتي إلا من خلال العمل المشترك بين مكونات التعدد ، ولم تشر تلميحاً أو ضمنأ بما يوحي بأن رؤيتها للحل تستبعد أي من المكونات الأخرى ناهيك عن المكونات التي يجمع بينها أكثر من قاسم مشترك ثقافة ومصير ، فالقول بأن طرح الرابطة هو إجتزاء وعزل لمسلمي المرتفعات عن إخوتهم هو دعوة أخرى من الدكتور لاستعداء المشروع هدف من خلاله لزعزعة الثقة بين أصحاب المصلحة المشتركة في هزيمة النظام الطائفي الإقصائي الذي يستهدفها جميعاً .

 

سابعاً : جنوح مقالاته بالتشريع للقبول بالأمر الواقع ، بدءً بوصم تجارب المنتميين للثقافة الإسلامية في فترة تقرير المصير وأبان الكفاح المسلح بالعشوائية والتخبط – كأن مبعث هذا الأمر مرده موروث جيني تصعب معه محاولات اجتراح الحلول التي تبحث عن الدوافع والأسباب ، مروراً بالحكم على تجربة المعارضة الإرترية ومناصريها واعتبارهم عقبة أمام التغيير الديموقراطي – وقد يكون محقا في هذا لكن الأمر بحاجة لأكثر من رصد الظواهر التي مرت بها عموم التجربة النضالية واعتبار ذلك أسباباً يمكن الإستدلال بها لاصدار احكام نهائية .

كمانختلف جداً مع منطلقاته في تفسير ظهور الحركات القومية التي لم يذهب فيها لأبعد من الشكل الظاهري معللا ذلك بضمور المشروع الوطني الممثل في التنظيمات التي سماها بالتقليدية كأنه أراد بذلك أن يبعد عنها صفة التكوين الإجتماعي لمتسبيها عكس واقع الحال .

فالطرح الذي تقدمت به الرابطة هو اجتهاد للبحث عن حلول للواقع المتردي الذي نتفق معك في توصيفه لكننا لا نرتهن لليأس بتوصيف الحالة دون تقديم الدواء . أما استنتاجك في ربط الرابطة بظهور الحركات القومية بهدف النيل من الإثنين بضرب المشروعية الحقوقية التي ينطلقان منها ، فهو رؤية قاصرة للمشروع الوطني بافراغه من محتواه الذي يرتكز على الحفاظ على مصالح المكونات وحقها في المشاركة العادلة . علماً بأن مشروع الرابطة لا يمثل حالة إثنية بعينها كما لا يمثل حالة جهوية مثل ما يدعى ، رغم إيماننا بعدالة مطالبها المشروعة – فهي جريمة لا ننكرها وشرف لا ندعيه – بل إن طرحها هو طرح مناهض لعموم واقع الهيمنة والتجني الواقع على قطاع كبير وواسع جداً من المكونات الإرترية التي تقطن الإقليم المعني الذي يمثل جلّ فسيفساء المجتمع الإرتري لاستنهاضه للدفاع عن حقوقه ومصالحه ، لإن غيابه عن أداء دوره الوطني بفاعلية هو ما أدى لاختلال ميزان الصراع لصالح قوى الهيمنة . وإذا كان هناك من تماهٍ مع الجلاد فهو ما ركنت إليه قراءاتك وتحليلك للواقع في انكار التعدد الذي يبنى عليه النظام فلسفته الإقصائية .

 

ثامناً : إن طرح الرابطة واضح وبيّن ولا يعيبه الشكل الذي يعبر به عن نفسه من خلال الكيان المدني الذي ارتضته الرابطة لنفسها ، وهذا شأن آخر لا نريد الخوض في جدال فيه لأننا أشرنا إليه في أكثر من موقع في أدبياتنا ، حيث لا يمكن الفصل بين الحقوق المدنية والسياسية حتى في المجتمعات والدول المستقرة . ونتفق معك في أن الحكم على نجاعة الطرح من عدمه مرهون باستجابة المجتمع ، ولا يمتلك أحداً حق الرفض بحج ومبررات فردية كل ما تخشاه هو إنتقال الحريق إلى الحطام .

رابطة أبناء المنخفضات الإرترية

مكتب الإعلام

 

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

2 تعليقان

  1. حسنا فعلت الرابطة عندما ارادت تبيان الحقائق والرد الوافي الشافى والذى اتسم بالموضوعية والمنطق , حيث يجب اتباع هكذا اسلوب مع المختلفين مع طرح الرابطه, دون السماح بتمرير الكثير من المغالطات والتى تعمل على تضليل المتلقى بقصد او دونه, ومن الطبيعى ان يختلف البعض فيما يراه لا يتماشى وفكره او طرحه على ان يتم احترام هذا الاختلاف كسنة كونية وسمة لتوالد الافكار والاطروحات, فلا يمكن ان يكون البعض صورة طبق الاصل للاخر والذى قد يراه لا يعبر عنه فى الكثير من القضايا .

  2. الردود بالكتابة مهم ولكن الأهم الرد بالفعل على أرض الواقع — الشعب الارتري سئم من الوعود والتنظير — الشعب يريد عمل — الشعب يريد قوة تتحرك في وسطه — الشعب يريد إعلام يستطيع الدخول إلى منازله و يوعي ويحرض الصغير والكبير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *