بوادينا: المقتنيات الشخصية والمطبخ في حياة القرية (8-9)

tigre village

بوادينا : عادات وتقاليد .. أفراح وأتراح .. منها الصامد ومنها المقاوم ومنها ما إندثر

المقتنيات الشخصية والمطبخ في حياة القرية (8-9)

الحسين علي كرار

أول ما يتبادر إلي الذهن في مايقتنيه الشخص الزي الشخصي (الملابس) وهو السروال والعرّاقي والصديري والتوب والعمة لكبار السن والأعيان والعرسان، (ويعرف بالسماديت) والسروال عند الشباب يزين في أسفله حيث توضع فيه (عينان) بلون أسود عند القدمين ويزين بخيوط ملونة، وكذلك يكون التفنن في خياطة الصديرية ذات اللون الأسود المحبوب ، ((صديرية – طلام – وسروال – عيدباي ،  أجولاي)) ،  ثم (العصا) التي يعتبرالذهاب بدونها يعيب رجل القرية وهي تعتبر من علامات الرجولة ويحملها الشخص منذ طفولته – وهي أنواع (حرط) ويحملها الرجل في يده وهي خفيفة وعملية  ، و(حلقين) وهي تدل للعظمة تحمل في المناسبات ويحملها الوجهاء وتزين وتنقش وعند البعض يطلى مقبضها  بالفضة  وهو بشكل الدال وتعلق في اليد  ، ويشبهون بها الجميلات في الغزل ، و(سّنفاي) وهو يشبه رسم الراء حاد الأطراف ومن شكله معروف للدفاع عن النفس ، وكذلك الـ (كش)، وهو مستقيم ولكنه ثقيل الرأس ، وتعتبر العصا من أضعف أدوات الدفاع عن النفس عند القروي وقد قال المغني عنها قد يكون القائل ود أمير أو أضيفت على أغانيه ( إمبل قلب – وكونات – مورا – وقبأ – طواريي ، مورا – وقبأ – طواري) يعني (بدون الدرع والرمح أصبحت العصا سلاحي)  وتؤخذ العصا القوية من شجرة الأبنوس ،ولكن معظمها يؤخذ من الشجرالمعروف باسم (أوحي – شجر يؤكل ثماره) وهناك شجر لا تستقيم العصا المأخوذة منه مهما كان وهي المأخوذة من شجر (الكلمت) ويطلقون على الشخص المعووج (مورا – كلمتاي) ، ومن وظائفها الأخرى  يتوكأ عليها القروي بوضع رجله اليسرى على ركبته اليمنى وهو يتحدث معك واقفا مسترخيا جسده ، ويضعها فوق كتفيه ليضع فوقها يديه في مشاويره البسيطة وهذا كذلك للإسترخاء ، ويرفعها إلى الأعلى في أفراحه ورقصه ، فهي تعبر عن الحال ، في نشاطه وكسله ، أفراحه وأحزانه ، دفاعه وهجومه ، فهي بالنسبة له الرفيق الذي لا يفارقه ، ثم يأتي سلاح (الحديد) الذي تتقدمه السكين (جردت)، وهي أنواع وتستعمل للدفاع والذبح وبقية الخدمات وشكلها كرسم الراء ، و(سوطل) وهو ذو إنحناءات وكذلك يستخدم للدفاع وبقية الأغراض و(وهناق) مستقيم ويشبه شكل رأسه كمقبض عصا الحلقين (شكل الدال) ، وهذه السكاكين توضع في بيت من الجلد وتخيط في حزام جلد يسمى (هباب) يربط في خاصرة القروي وتكون السكين في الجهة اليمنى من الخصر لسهولة تناولها باليد اليمنى ، وهناك نوع آخر من الجردت يعلق في اليد وهي قصيرة ومستقيمة ،  ثم الفأس والقدب ،  ويستخدمان غالبا في الرعي، وقطع الأشجار والحطب ، وهما كذلك أداتان للدفاع ، ثم الحربة (الكونات) والسيف وهما قد يحملان مع الـ (قلب) أو من دونها ، والقلب وهو الدرع المعمول من جلد فرس البحر أوجلد الفيل وهو جلد قوي لا يخترقه السيف أو الرمح ، و(السيف) له مكانة كبيرة عند القرية يتوارثه الأبناء ويتفاخرون به وهو دائما من نصيب الإبن الأكبر وتتقاتل العائلات بسببه في الإرث ، ويزينون رأسه وذيله ومقابض العلاق بالفضة ، ويصان في مغمده وهو بيت الجلد المزين بالنقش واللون الأحمر ويفتخرون بان حديده من النوع الأصلي  ويدهن قبل أن يدخل في المغمد بنخاع المواشي لكي لا يصدأ ، وهناك شنطة الرجل المصنوعة من الجلد وهو الـ (مسود) و يوضع فيه المال والبن والسكر والملابس وكل ما يخص حاجات الرجل الشخصية ويقفل بالطبلة ، مثل الصندوق ولا أحد يتجرأ لفتحه مع أن ذلك سهل  ، وهناك (البلمات) وهي قطعة من جلد الغنم مدبوغة كاملة بأقدامها الأربعة فتربط الأقدام الأمامية منها مع الخلفية ، وتعلق في الكتف كأنها شنطة ويسهل تناول الأشياء منها ، ويستعملها عادة الرعاة والمسافرون ، ويوضع فيها تموين السفر وهو إما (دبليب) (تكوشم) وهو عصيدة قوية تطبخ على الصاج ويحشر داخلها كمية من السمسم المعجون المطعم كإدام عند الأكل وهو لا ينشف من الداخل بل من الخارج تغطيه قشرة تزاح عند الأكل ، وكذلك (البوشيب) وهو عصيد مطحون يطعّم وينشّف وهو كالبرغل والسميد، وهو كذلك يصنع كزاد للمسافرين والحجاج فالكمية القليلة المطحونة منه تكفي لأشباع أفراد ، فيأخذون منه حسب الحاجة وحسب العدد ، ثم يضيفون عليه الماء الساخن  ليكون وجبة السفر الجاهزة والساخنة دون تعب ، والمسافر رفيقه الجمل فيستخدم الحوية للتحميل أو الكور للركوب  ولهما في صناعتهما المختصون في النشر وخاصة الكور الذي يتفننون في شكله وحجمه ، وتوضع وسائد في أطرافهما الداخلية لحماية ظهر الجمل فتكون من القش الناعم في الحوية ، و تكون في الكور من الجلد المحشو بشعر القعود ، وهو يدل على مكانة الراكب ، وهو زينة الركوب للعرسان ، فهو مزين وله مقعد مريح وفراشه الفروالأسود  وتزين خلفية الجمل والمقدمة عند وضع الأقدام بالمصنوعات الجلدية وتتدلى (الدبيريت ) المصنوعة من الجلد والمزينة بالسكسك إلى الأسفل ، ولون (الحسال) الزمام الذي يقود به الجمل أسود مصنوع من الصوف ، وكذلك حزام الربط الذي يمر بصدر الجمل عريض ومصنوع من الصوف الأسود كذلك ، وفي اليد يحمل الكرباج،  و(الأحذية) أنواع (كركب) مصنوعة من الجلد ومخيطة بالأطراف ، وتصبغ باللون الأحمر والسير المحيط بها عريض ، ويلبسها الوجهاء والعرسان عند الزواج فهي للوقار ، أما (الحجاف) مصنوع من الجلد ولكنه غير مخيط الأطراف فيحدث صوت عند المشي (شحاك شحاك شحاك ) وهو السائد ، ومشكلته في الأمطار يتحول إلى قطعة قماش ، و(القومو) مصنوع من البلاستيك وهو غير مرغوب لأنه يسبب السخانة في الأقدام وهو للخفة يلبسه الرعاة  ، وكل هذه الأحذية فيها خرقتان إثنتان عند الأصابع الأمامية تسمى (قدامت) وإثنتان في الوسط تسمى (شمبركيت) ويحيطهما سير يسمى (سراك – شراك) من الأعقاب من الخلف إلى نهاية أصابع الأقدام. أما المرأة فحذائها (الكركب) المخيط ولكن سير الجلد غير محيط بكل الحذاء ، فقط قاصر من الوسط من الشمبركيت إلى القدامت ، لأنها لا تحتاج إلى المشي الطويل ، وهناك للمرأة كذلك (قرقاب) وهو مصنوع من نوع خفيف من خشب الأشجار توضع قطعة جلد عريضة في مقدمته مثبّته بالمسامير على الخشب عند الأصابع ، ويزين بالنقوش ويصبغ بالألوان ، وملابس المرأة (الفوطة والطرحة والثوب) ، وهي نوعان عادي وحرير ، فالعادي يلبس في الحياة العادية اليومية والحرير يلبس في المناسبات (خاني) ( والرطو) (وثوب الحرير) ، وملابس الحرير لا تلبسه المرأة إلا في سن معين أي ما قبل الإنجاب أما بعده فهو ليس من لبس الوقار، والحرير له خصوصية في الزواج فهو ملابس العرسان ويقدم في الشيلة وثوب الحرير يكون لونه أبيض وهناك الفوطة الحمراء وهي من الحرير كذلك وتسمي (فور) ، وتتزين الفتيات (بالسكسك) في عضلات اليد بأنواع وبألوان مختلفة الأبيض والأسود والأحمر والأخضر ، ويسمى الحبل الواحد (قران) والمجموعة أقرنت ، وفي الرسغ فوق الكوع تزين بالأكمام و بألوان مختلفة كذلك، وتتزين في العنق والصدر بالخرز بألوانه المختلفة ، وما يربط في العنق يسمى (حناقت) سواء كان من الذهب أو الخرز ، وتعتبر(السوميت) اللؤلؤة في الصدر وتلبس مع الذهب في العنق وفي الصدر وفوق الهامة مع القريط ، وفي الأنف يكون (الفاي) وهو من الذهب فلا مكان للفضة ولا النيكل ولا النحاس ، وفوق الرأس توضع أنواع من شبك السكسك منها بالعرض ومنها بالطول ، أما المتزوجات فتوضع (الحلقت) في وسط الرأس وهي عبارة عن كورة محشوة بالعطور الناشفة وهي من الذهب تحيط بها دائرة تسمى (تي لكيت) فيها القريط والفومات بالأطراف وهما كذلك من الذهب، و(مخدة) المرأة من الجلد وتحشى بنوع من البودرة العطرة والزكية تسمى (فروش) وتؤخذ من جذور شجرة الشاف والذي يسمى (طحت) ، و محفظتها الشخصية تسمى (كبيتت) تصنع من السعف الملون وتضع فيها حاجاتها الشخصية من مرآة وكحل وعطر وبخور . ومخدة الرجل (متأرس) مصنوع من الخشب وله قاعدة طويلة أسفله عريض ويكون رأسه كذلك عريض تكفي مساحته حجم رأس الرجل .

11885388_1618394255077156_1114331468055112680_n والمطبخ مهم في حياة القرية وله أدواته ، فهناك أدوات طحن وهناك أدوات طبخ ، فأدوات الطحن هي (المطحن والمدت والموقريت والسفال) ، فيطحن الذرة على المطحن ، التي تصنع من قطعة حجر كبيرة وطويلة وتعمل المرأة في تسويتها عن طريق ضربها بحجر صغير, يسمى (موقريت) فهي للنشر والتسنين فتجعلها متساوية دون إعوجاج لكي يمر المطحون بسهولة وتكون (المدت) وهي حجر صغيرطويل وعريض وبعرض المطحن تقبضه المرأة بيديها وتطحن به الذرة بتمريره من فوق المطحن ، ويمر الطحن بثلاثة مراحل ، يتحول الذرة إلى جريش ويعجن ويوضع في الشمس للتخمير، ثم يطحن الجريش في المرحلة الثانية ثم يعاد الطحن للنعومة وهي المرحلة الثالثة وتسمى (لميط) ، (والسفال) وهو قطعة من البرش يكون أسفل المطحن وهو الواقي من التراب ، فالطحن في القرية يكون للوجبة الواحدة ، ثلاثة مرات ، الطحن الأول للذرة ، والثاني للجريش والثالث للتنعيم ، وهناك أدوات الطبخ (الأتافئ) وهي الأحجار الثلاثة التي تشد عليها (العقوت – الجرة ) أو(الريكاب) المصنوعين من الفخار أو الحديد ، القدر والصاج ، وهناك (القلع) وهو كبير الحجم يسيخدم في المناسبات و(الموكش) العواص  الذي يحرك به الطعام أثناء الطبخ ، ومصنوع من الخشب ورأسه غليظ ومقبضه طويل ، و(المعالق) هي من قواقع البحر وشكلها خرطومي لا تستعمل إلا عند الحاجة ، والمرأة التي لا تجيد الطبخ ضربوا بها المثل (أكلت – طراييت – بعلتا – تإكي – إباّ) (العصيدة غير المستوية فلتهلك بها من خبزتها) وهو مثل نسائي للعمل فاقد الجودة ، والفطير من العصيدة والقراصة يكون ملاحهما السمن واللبن فقط ، ويخفظ الحليب للتخمير في ( الكوكلتـ) وهي مصنوعة من القرعة ويعمل لها غطاء من السعف ، أو(الهوت) وهو السعن من جلد الغنم أو (الدوان) المصنوعة من الفخار ، وهذه الأدوات هي ثلاجة القرية لتخزين الحليب ، ومتى خرج الحليب من العمور في هذه الأدوات فهو للتخمير ، لأن الحليب لا يمكث في وعاء العمور طويلا إذ يتغير طعمه ، وتنظف هذه المواعين بالغسيل وتدخن (وهو عبارة عن التعقيم والتنكيه) كلما فرغت ثم يصب فيها الحليب من جديد. وأنواع الطعام هي العصيدة والقراصة والشربي (المديدة) وهذا الأخير غالبا هو طعام للمرضى والنفساء وتوضع فيه نكهات أوعرضيب لفتح الشهية ، وعند البعض يكون للعشاء ولكنه فطير، ولا يوجد في القرية إدام مثل البطاطس والعدس فالملاح هو الحليب أو المديدة بالسمن أو الويكة أو ما يطلق عليه سخينة البصل بالماء الساخن أو المرق إذا كان لحم ، وهناك نادرا ما يستخدم ما يسمى (ماء قرر) وهو عندما تخرج المرأة العصيدة من العقوت تصب فيها ماء وتعيدها في النار ليصبح الماء محروقا بقشر فضلات العصيدة المحروق في القعر ، فيصب فوق العصيدة ويصب فوقه السمن وهو عمل مختصر تستعمله المرأة إذا كانت منهكه وتعبانة ، وكذلك البليلة لا تكون إلا في المناسبات ولكن في مثل هذه الظروف فهي بمثابة الأرز لإمرأة القرية فهي لا تحتاج إلى طحن فتقدمها وجبة غذاء كاملة لأسرتها.

وأخيرا هذه هي الحلقة الثامنة ما قبل الأخيرة ، فالحلقة الأخير تخص ما يجمع القرية والمدينة من الود والوصال ومن التباهي والإفتخار ، وكيف طغت المدنية الزاحفة على القرية ، لذا أقول أن ما كتبته عن العادات والتقاليد عن البادية حتما ليس كله ، ولكني كتبت ما أعرفه وما إستطعت الوصول إليه من جمع المعلومات، فعذرا للذي لم أصله ، ولكن معظم عادات البادية متشابهة في الجذور وإن إختلفت في الفروع والموقع واللهجات والتسميات  ، إن البادية اليوم أصبحت بنصف تراثها وعاداتها وتقاليدها بفعل تأثير المدنية الحديثة ، فيجب على المقتدرين أن يكتبوا عن هذا التراث الإنساني الذي إندثر بعضه وبعضه في طريق الإندثار ولكن القيم الحقيقية منها الدينية والإنسانية والتقاليد والعادات والأعراف الصحيحة والحسنة تعتبرعمق ثقافي غريق يمثل ضمير الأمة وبه تعيش وبه تحيى فهي غير قابلة للإندثار، ومن الصعب أن تجمع معلومات من أناس لست بقرب منهم وتفصل المسافة بينك وبينهم ، وإنني أشكر كل من وفر لي وزوّدني بمعلومة في كتابة هذا التراث ، فمن الطرائف أن أذكر إنني كنت أتصل بمسنين ومسنات أعرفهم في السودان لإضافة معلومة أوتصحيحها  ممن أعتقد فيهم المساعدة ،  فحدث أن أشكلت عليّ معلومة ، ما هو الفرق بين (سراكت) (وحناقت) ( أروي – حناقتيي – كوكت – سراكتيي) وهي وردت على ألسنة الأطفال في ألعابهم ، فإتصلت بإحدي مناضلات جبهة التحرير الأرترية كانت في الميدان عسى تعرف الفرق لتكن المعلومة صحيحة ، و((لكنها إنفجرت بالضحك من السؤال وقالت أنا كنت في الميدان في التمريض فأسئلوني عن ذلك ولا أعرف العادات والتراث)) وأسعفتني بعد ذلك إحداهن من ساكني المعسكرات ، لهذا أقول كتبت ما أعرفه وما استطعت الوصول إليه ، فاكررعذري للذي لم أستطع الوصول إليه ، وشكري لكل من قرأ ومن علق ، فمن أثنى حفّز ومن أضاف أثرى، ومن إنتقد قوّم.

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *