مع المناضل حامد أبوبكر اسماعيل..
أجرى الحوار: الأستاذ علي جبيب
وككل ثورات التحرر الوطني، لم تكن الثورة الإرترية استثناءً، فهناك أبطالا نصبت لهم مشانق النسيان والتهميش وهم أحياء.. أبطال خذلهم التاريخ، وادارت لهم الشعوب ظهر المجن، بعد ان أفنوا زهرة شبابهم في نصرة قضاياها العادلة، فمنهم من سقط شهيدا في ساحات الشرف مخضبا بدمائه الطاهرة، ومنهم من تاه في دروب الحياة الوعرة لا يلوي على شيء سوى الأسى والندامة وحسرة على عمر تبخر، وأحلام وئدت في مهدها فباتت أثرا بعد عين..
مجلة “الناقوس” تخصص هذه المساحة لتوثيق شهادات أحد هؤلاء الأبطال المنسيون ممن عاصروا مراحل توهج جبهة التحرير الإرترية وحتى خروجها من الساحة..
ضيفنا اليوم هو احد هؤلاء (الجنود المجهولين).. الذي خص مجلتنا “الناقوس” ليروي لنا منعطفات النضال الوطني وخبايا الثورة – الانشقاقات والتصدعات التي أصابت جسد ثورة تحرر وطني كانت ايقونة ورمز، ثم بادت في طرفة عين لتصيب أحلام أمة في مقتل..
ضيفنا صاحب صولات وجولات في ميادين الشرف، مقاتلا وقائدا متمرسا، خاض معظم معارك التحرير مع الجبهة، والتحق بساحة الشرف في سن مبكرة وتدرج في صفوفها على مدى سنوات، درس العلوم العسكرية في الكلية العسكرية في بغداد تخصص أسلحة ثقيلة..
أنه المناضل حامد أبوبكر إسماعيل مدفعجي الثورة الأول بلا منازع..
ينسب له الفضل في تأهيل زملائه المقاتلين على استخدام الأسلحة الثقيلة بمختلف أنواعها وتفرعاتها وأحجامها المختلفة وحتى مداها.
فإلى نص الحوار: –
من هو حامد أبوبكر.. النشأة والميلاد؟
– أسمي حامد أبوبكر إسماعيل.
من مواليد (حلحل 1949)، أما النشأة موزعة بين بارنتو وأغردات بحكم عمل والدي الذي كان ضابط شرطة دائم التنقل، أكملت التعليم الابتدائي وجزء من المتوسط في مدينة بارنتو.
وهنا أود ذكر حدثين مهمين في حياتي، الاول كان مشاهدتي للقائد حامد عواتي برفقة والدي في بارنتو التي اتاها قادما من أسمرا في طريقه إلى هيكوتا..
ما الذي لفت انتباهك في القائد عواتي في هذا السن المبكر من عمرك؟
– كان دافعي الفضول، خصوصا وأن القائد عواتي شخصية ذائعة الصيت في منطقة بركا لمواقفه البطولية في مواجهة ودحر قطاع الطرق “الشفتا” وأيضا لتمرده على السلطة الاستعمارية، كما أن زملاء والدي من أفراد الشرطة كانوا يلقبونني بحامد عواتي، وعلمت فيما بعد من الوالد أن عواتي حدثه عن حزمة الإغراءات والمغريات التي وعدته بها السلطة الإثيوبية، وكيف انه رفض محاولات المستعمر الأثيوبي لاستمالته، ولم يمكث بعد ذلك اللقاء كثيرا، حيث أعلن الكفاح المسلح.
وما الحدث الاخر الذي اثر في حياتك في تلك الفترة ولامس الحس الوطني لديك؟
– الحدث الثاني، كان حضور الشهيد عمر إزاز من السودان، وكانت تربطه صلة قرابة بالوالد، ومكث في ضيافة الوالد مدة أسبوع كما اذكر، وكان في مهمة حشد المواطنين لنصرة الثورة، إلا انه لم يمكث كثيرا في المدينة، حيث طلب منه الوالد المغادرة فورا بعد أن نمى إلى علمه بأنه مراقب من قبل العدو، وربما يتم اعتقاله في أي لحظة.
حدثنا عن مراحل الدراسة وإلى اي مرحلة وصلت قبل التحاقك بالثورة؟
– بعد أن أكملت الصف السادس والسابع في بارنتو، امتحنت للمرحلة الثانوية من مدرسة أغردات المتوسطة، واذكر هنا حدث كبير شهدته مدرسة أغردات، لقد نظمنا نحن الطلبة مظاهرة ضخمة وكانت مطالبنا تتمحور حول تحسين أوضاع التعليم، واستحداث مدرسة ثانوية، وقد استجابت السلطات لبعض المطالب عدا المدرسة الثانوية، وأذكر هنا تضامن مدارس كرن وأسمرا مع مطالبنا، وكنا نمثل وقتها الدفعة الأولى التي امتحنت للثانوية من أغردات وحققت نسبة نجاح عالية، ولعدم وجود مدرسة ثانوية في أغردات انتقلت كل الدفعة إلى مدينة كرن.
من تذكر من زملاء الدراسة في ذلك الوقت؟
– أذكر من دفعتي المرحوم محمد نور سعيد علي (رسام تشكيلي) والاخ عبدالله محمد إدريس (شاكوكي) الكادر القيادي بالاتحاد العام لعمال ارتريا، وقد التحقت أنا بدراسة الصف الأول الثانوي في المدرسة الانجيلية في اسمرا، الا انه لم يطيب لي المقام وعدت للالتحاق بثانوية كرن.
وسط هذه الاحداث المتلاحقة، أين كانت نقطة التحول في حياتك والتي قررت إثرها الإلحاق بالثورة؟
– في العام 1967 طبقت اثيوبيا سياسة الارض المحروقة، حيث ابادت واحرقت معظم القري في الريف الارتري، وهذا الفعل البربري اثار حفيظة الشعب وكان دافعا ومحفزا للشعب لمقاومة المستعمر، والتحقت اعدادا كبيرة من الشباب بالميدان، وبدوري التحقت بالجبهة مع مجموعة من أبناء مدينة كرن، أذكر منهم الشهيد عثمان زرؤم، وادريس قريش متعه الله بالصحة والعافية، وكنا ضمن من التحقوا بالمنطقة الثانية، الا انه لم يتم استيعابي حينها ضمن الوحدات العسكرية لصغر سني وتم تحويلي إلي السودان.
أين كانت وجهتك في السودان، وكم من مدة مكثت هناك؟
– مكثت في السودان فترة ليست بالطويلة، تنقلت خلالها بين كسلا وبورتسودان، ومن ثم عدت إلي الميدان عقب معركة أدوبحا. وقد انطلقت من بورتسودان مع مجموعة من الشباب، اذكر منهم الشهيد محمد سعيد “سكاب” والاخ محمود جمجام أطال الله في عمره، إلى جانب أربعة شبان من أبناء رورا حباب، توجهنا اولا إلى قرورة ومنها إلي رورا حباب، ومن ثم الي هبرو وبالصدفة التقينا بقيادات المناطق الثلاثة التي كانت تعقد اجتماع الوحدة الثلاثية (المنطقة الخامسة والثالثة والرابعة) وذلك بعد الانتهاء من خلط الوحدات وانتخاب القيادة برئاسة الشهيد محمد أحمد عبده، عقبها توجهت مع قيادات المناطق عمرو واسياس وغيرهم باتجاه مواقع المنطقة الثانية لإبلاغ الوحدات بنتيجة الاجتماعات ودعوتهم للانضمام للوحدة، ومن هناك رافقنا القادة الي المنطقة الثانية ، وكان لقاء القيادة مع قيادة المنطقة الثانية التي كان يراسها الشهيد محمد عمر آدم وكان فحوى اللقاء كما اسلفت طلب الانضمام طوعا، وإذا كان لديهم وجهة نظر أخري فالخيار متروك لهم.
وماذا كان رد قيادة المنطقة الثانية على طلب دعوة الانضمام للوحدة؟
– قيادة المنطقة الثانية أكدت على ضرورة الوحدة، ولكن عبر آلية يتم الاتفاق عليها والأخذ بها وهي عقد مؤتمر عسكري شامل وليس عبر الانضمام المباشر دون وضع الترتيبات.
وفي هذه الفترة انتشرت قوات الوحدة الثلاثية في المنطقة الثانية وأظهرت بعض الاستفزازات للمقاتلين والجماهير، لذا اضطرت قيادة المنطقة الثانية للتواصل مع الشهيد محمد أحمد عبده باعتباره القائد لتلك القوات وطلبوا منه سحب الجيوش من المنطقة حتى لا يحدث احتكاكات تؤزم الوضع، وبالفعل تم سحب القوات باتجاه سمهر.
في هذه الأثناء هل كان هناك تواصل وتنسيق بين قيادة المنطقة الثانية والأولى بشأن الوحدة؟
– نعم كان التواصل والتنسيق قائم بين قيادة المنطقة الثانية بقيادة محمد عمر آدم ونائبه يسن محمد علي وشخصي (سكرتير القيادة)، بشأن الوحدة مع المناطق التي اعلنت وحدتها، وتم الاتفاق على إرسال لجنة برئاسة المناضل عبدالله ديغول على ان يتم الخلط عبر مؤتمر عسكري عبر الخطوات التالية: أولا: خلط الجيش ثانيا: اختيار لجنة تحضيرية للإعداد للمؤتمر الوطني الأول، ثالثا: انتخاب قيادة من المؤتمرين باستثناء قيادات المناطق.
وهل وافقت قيادة الوحدة الثلاثية على هذه الشروط؟
– نعم لقد وافقت على اشتراطات قيادة الوحدتين الأولى والثانية، وبناء عليه عقد مؤتمر “أدوبحا” العسكري، وتمت الوحدة باختيار قيادة عامة مؤقتة من (38) عضوا برئاسة الشهيد محمد أحمد عبده، النقطة المهمة التي كانت مثار نقاش حاد بين المؤتمرين هي إبعاد قيادات المناطق من الترشح للقيادة وقد حسم القرار بالتصويت.
وهل تم برنامج دمج الجيوش بسلاسة أم كانت هناك عقبات تعترض سبيله؟
– عملية الدمج تمت عبر ثلاثة مراحل، فبعد ان انفض المؤتمر وباشرت القيادة مهامها، تم اختياري ضمن سرية الإمداد للجيش والتي شكلت من المناطق الخمسة باختيار 15 مقاتلا من كل منطقة، وكان قائدنا المناضل صالح فرج. باشرنا المرحلة الأولى من الخلط في “طحرا” والمرحلة الثانية في “سبر” والثالثة في “رورا ماريا”، وبعد اكتمال الخلط اصبح الجيش تحت إمرة القيادة العامة التي قامت بتوزيعه على كافة المناطق، هذا التطور قوبل بترحاب كبير من جماهير الداخل والخارج، وكان رد الفعل التحاق أعداد كبيرة من المقاتلين الذين كانوا قد جمدوا نشاطهم في الأرياف وفي السودان.
برأيك هل وظفت القيادة العامة التدفقات الشبابية التوظيف السليم؟
– هذا الزخم الذي أحدثه تدفق الشباب إلى الميدان لم يستثمر من القيادة العامة حديثة التكوين بالطريقة المثلى، لعدة أسباب منها ما يتعلق بالإمكانات المادية ومحدودية فكر القادة العسكري والإداري، بالإضافة إلى إرهاصات عدم الرضا التي ظهرت أثناء المؤتمر فيما يخص إبعاد قيادات المناطق، وعدم التجانس بين القيادة، وهو ما تجسد في انشقاق مجموعة آدم صالح وتوجهها إلي منصورة وأيضا مجموعة أسياس التي اتجهت إلي حماسين، وأيضا محمد علي عمرو الذي أعلن تأسيس قوات التحرير الشعبية واتجه إلى سمهر. ومجموعة أخري أيضا انشقت باسم رورا حباب واتجهت إلي القاش.
ما المشاكل التي كان لها تأثير سلبي على مسيرة الثورة نتيجة التصدع الذي أصاب جسد الثورة؟
– كان نتاج هذا التصدع الذي اصاب جسد الجبهة انسحاب أعداد كبيرة من الشباب الذي التحقوا بالثورة بعد الوحدة، وعودتهم إلى قراهم أو المهجر في السودان. وهذا ما شجع أثيوبيا على حشد قوات كبيرة وفتح جبهات قتال في كل من “جنقرين” و”حلحل واستطاعت دخول “حلحل”، أما قواتنا فقد انسحبت باتجاه فانا.
كيف تم اختيارك للدورة العسكرية في العراق؟
– كنا معسكرين في منطقة “فانا” وتلقيت رسالة من القيادة بأنه تم اختياري ضمن المناضلين لتلقي دورة عسكرية لمدة عامين في العراق، فتوجهت إلى كسلا، ومنها إلي الخرطوم، وكان ذلك عام 1970 ثم سافرنا إلى بغداد وكانت دفعتنا تتكون من 24 دارسا، والتحقنا مباشرة بالكلية العسكرية في بغداد تلقينا خلالها العلوم العسكرية في مختلف المجالات لمدة عامين وتخرجنا في العام 1972.