وهل أكملت المهمة في المدة المحددة بخمسة عشر يوما؟
– تم تجهيز مجموعة الهاون في المدة المحددة، وكانت نتائجها ممتازة بكل المقاييس، ثم دخلنا معركة تسني والنتائج كانت مبشرة للغاية. وخلال شهر استولت قواتنا على مدينة تسني، وكان للمدفعية دور كبيرا في حسم المعركة، وكان تحرير تسني فرحة كبيرة للجنود والشعب وحافز للمضي قدما في تحرير باقي المدن المحتلة،
وكانت المعركة الثانية معركة بارنتو الأولى والتي فشلت لسبب بسيط ألا وهو أن مدينة أغردات كانت غير محاصرة، مما مكن العدو بدفع تعزيزات كبيرة منها باتجاه بارنتو مما اضطرنا للانسحاب باتجاه فورتو.
هذه الأحداث تزامنت مع ظهور عناصر “الفالول”، كيف تعاملتم معهم؟
– بعد معركة بارنتو طلبت إذن للذهاب إلى السودان، وبعد حصولي على الموافقة عرجت في طريقي إلى حمرت كلبوي، وقبل التحرك الى كسلا حضر محمود حسب وتسفاي تخلي وطلبا مني الصعود معهم و نزلت أنا في تكرريت، فيما واصلا طريقهما، وكانت وقتها في تكرريت سرية عمنا ديناي (فك الله أسره)، وعندما وصلت المعسكر وجدت تحركات مريبة وغريبة من الجنود المسيحيين من أبناء كبسا بكامل أسلحتهم وهم في حالة استنفار، فاستفسرت من عمنا ملكين مسؤول الإمداد عن الوضع المريب وحالة الاستنفار تلك، فقال لي ألا تعلم بان الفالول في دنكاليا اغتالوا المناضل عبدالقادر رمضان وقد شكل الخبر صدمة كبيرة لا زالت تلازمني .
وفي تلك اللحظة لم أكن احمل سلاحا فذهبت وتسلحت، وبعدها حاء عبدالله ادريس مر بالقرب منا، ولحق به أحمد ناصر وتوتيل وملأكي، وظلوا طوال الليل يحاجوا الجنود المتمردون لكي يسلموا اسلحتهم ولم يتم التجاوب وبعد لحظات بدأ إطلاق نار كثيف، حيث تشتت شملهم واصبحوا بين قتيل وفار وأسير.
في خضم هذه الاحداث.. كيف تم التحضير لمعركة أغردات؟
– في اليوم التالي جاء حسب وقال لنا سنهاجم مدينة أغردات، وسألته عن عدد قواتنا، وقلت له كيف ندخل معركة بهذا العدد القليل، فقال لنا نحن نتفاوض حاليا مع قوات التحرير الشعبية للمشاركة في المعركة، ولهذا احضرت المدفعية من فورتو، بعدها انطلقت معركة تحرير أغردات بمشاركة قوات التحرير وبعد شهر واحد تم تحرير أغردات من يد العدو.
وماذا عن مدينة بارنتو؟
– بعد تحرير أغردات توجهنا من جديد إلى مدينة بارنتو التي تم تحصينها اكثر من ذي قبل بفضل القوات الكبيرة التي احتشدت هناك، وقد استولت على جميع الدفاعات التي اخليناها بعد انسحابنا منها في المعركة السابقة، مما شكل صعوبة في خوض المعركة من جديد، واستمر الأمر خمسة أشهر في التخطيط والمشاورات، وفي هذه الأثناء دبت الخلافات بين أعضاء اللجنة التنفيذية بخصوص مشاركة قوات التحرير، ومن ثم تقرر عدم إشراك قوات التحرير الشعبية في المعركة، وإشراك الجبهة الشعبية بدلا عنها.
بعدها بدانا معركة بارنتو وتمكنا من احتلال اهم الدفاعات (دفاع دوتا) و وصلت قوات من الجبهة الشعبية بقيادة ابراهيم عافه ونائبه بطروس سلمون، ومن فورهم دخلوا من الجهة الشرقية والتي تعد الأسهل، فيما دخلنا نحن من الغرب وباقي الاتجاهات، وكانت الجبهة الشرقية الأقرب للمدينة لهذا تمكنت الجبهة الشعبية من دخول المدينة، ومن هناك يحاولوا الصعود لقلعة فورتو، أما نحن فكنا نخوض القتال في المنطقة الأصعب والابعد عن المدينة لذا تأخرنا بالدخول للمدينة، وهنا تغير ميزان القوى لصالح العدو الذي تمكن من تشتيت قوات الجبهة الشعبية وبذلك فشلت المعركة .
هذه المعارك المتتالية تزامنت مع الاجتياح الأثيوبي الكبير عبر مدينة أم حجر؟
– بالضبط.. عقب معركة بارنتو علمنا بتقدم القوات الاثيوبية باتجاه ام حجر، لهذا انسحبنا من بارنتو وتوجهنا الى أم حجر لصد الاجتياح الأثيوبي هناك.
وفي ام حجر صعدنا الجبل والدفاعات كانت جيدة جدا وبدأنا المعركة، وكانت المعركة تسير لصالحنا، ولكن سلم ثلاثة من عناصر الكوماندوس الذين كانوا معنا للعدو وكشفوا لهم مواقعنا وخططنا، وبالإضافة إلى هذا الاختراق ساهمت الدبابات الكورية والمقاتلات اليمنية الجنوبية في انسحابنا من الجبل، وكانت اخر معركة خفضناها معهم في قلوج، وبعدها تجاوزنا الجيش الاثيوبي من الجهة اليمنى ودخلوا مدينة تسني، فيما عادت قواتنا إلى فورتو وبذلك سيطرت أثيوبيا على كافة المدن المحررة.
بعد تلك الانتكاسات، كيف تصرفت قيادة الجبهة؟
– اجتمعت اللجنة التنفيذية وخرجت بقرارات صائبة منها:
أولا: نقل مقرات القيادات إلى “اراق” وهذا امر في غاية الأهمية، لأن وجودها في “بركا” كان خطأ خصوصا بالوضعية التي كانت عليها حيث كان لكل عضو تنفيذي معسكر خاص به .
ثانيا: تصفية الجبهة الشعبية وعدم الدخول في مواجهات عسكرية مع العدو الأثيوبي، إلى جانب التفاوض مع قوات التحرير الشعبية باعتبارها تنظيم وطني ليس له برنامج سياسي مخالف كما في حالة الجبهة الشعبية التي كان همها الأول تصفية الجبهة.
وماذا كانت الخطوة التالية بعد اجتماع التنفيذية؟
– قبلنا قرارات اللجنة التنفيذية، وبدأنا بتوزيع المهام، وتم تسليمي كتيبة مهمتها تعبيد الطرق وتجهيز المعسكرات في منطقة الساحل، وبالفعل بدأنا في تعبيد الطرق لربطها “بمرافيت”، وعند وصولنا “محاز ماي رزا” علمنا باندلاع معارك كبيرة باتجاه الحدود السودانية، وعندما أتى المناضل محمود حسب سألناه عن حقيقة المعركة فقال لنا ضربنا قوات التحرير، فقلنا له كيف يمكن حدوث هذا ونحن قررنا بالأمس عدم مهاجمة قوات التحرير وعبر تنفيذيتنا، فقال: كان هناك اجتماع ثان اتخذ فيه هذا القرار. ونحن تحت الصدمة صعدنا جبل “حشكب” وواصلنا في تعبيد الطريق، ونحن منهمكين في عملنا فوجئنا بقوات الجبهة الشعبية وهي منسحبة من مدينة كرن بعد ان خسرت نحو ثمانين بالمائة من قواها.
هل دارت اشتباكات بين الجبهة وقوات الجبهة الشعبية المنسحبة من مدينة كرن؟
– لا.. هم وصلوا معسكر “أراق” التابع للجبهة وطلبوا من المقاتلين المرور عبر المعسكر، ولم يكن في المعسكر عدد كبير، وكان قائد المعسكر المناضل عبدالله ناصر الذي أتصل بدوره بتوتيل وابلغه بالأمر، وكان رد توتيل السماح لهم بالعبور، وفي اليوم الثاني لم تأت قوات الشعبية للعبور، بل أحتلوا المعسكر بعد أن كشفوا الموقع في اليوم السابق..
وكيف تصرفت قيادة الجبهة حيال هذا العدوان؟
– حضر المناضل عبدالله ناصر إلى “حشكب” وبلغني ان الشعبية ضربت قواتنا واحتلت المعسكر، فسلمته سرية دعم، وعندما علمت الشعبية بوجود قوات للجبهة في المنطقة قادمة من بركة، أتصلوا بتوتيل وقالوا له نحن لسنا بصدد مواجهتكم خذوا جنودكم الأسرى.
وطلب توتيل من عبدالله ناصر استلام الجنود والمعسكر، وأن يسمح لهم بتعبيد طريق خلف معسكر الجبهة.
في هذا الأثناء وصلتني رسالة من الشهيد عبدالله إدريس للحضور إلى بورتسودان، وكان لديهم أسلحة لاستلامها، ولكن بعد حضوري لم يتم تكليفي بأي شيء وفي نفس الوقت وصلتني رسالة بخبر وفاة الوالد، فتوجهت إلى حلحل لأعزي أهلي، ومن ثم توجهت للسودان.
دخولك السودان تزامن مع انسحاب قوات الجبهة نتيجة عدوان الشعبية – وياني، هل تخلفت في السودان ام عدت ادراجك للميدان؟
– في كسلا قابلت حسين خليفة وطلب مني العودة للميدان، وقتها كانت قوات الجبهة منسحبة من دنكاليا ومن مناطق كثيرة، فعدت مع حسين إلى فورتو ووجدت توتيل هناك، وأول ما شاهدني قال يجب اعتقال هذا الشخص، فقلت له لماذا تعتقلني وانا القادم لأقاتل وأموت، فتدخل بيننا إبراهيم محمد علي وطلب مني الذهاب الي اتجاه تسني واستلام سرية، ذهبت هناك واستلمت سرية الأخ يوسف محمد موسى، وكان معظم المقاتلين مجندين خدمة إلزامية وليس لهم إلمام باستخدام السلاح أو القتال، فدربتهم لفترة، وعندما بدأت المعارك استدعوني إلى فورتو وطلبوا مني الالتحاق بجبهة القتال، اخذت سريتي وذهبنا إلى “بركا”، وفي الطريق وجدت جنود ينسحبون ويقولون لي اين تذهب والجبهة خلفك في “كيرو”، لم اعير كلامهم أي اهتمام، وطلبت من عناصر الأمن عدم ادخال اي جندي في وحدتنا، وبالفعل بعد المغرب وصلنا “بركا” ووجدنا دفاع شكلنا فيه، وأرسلنا في الصباح استطلاع اتجاه “كركبت”، عادت وحدة الاستطلاع واخبرتني أنه لا يوجد أي وحدات وأن البلد خاوية حتى من الطيور.
بعد فترة سمعنا دوي معركة بجهة “كيرو”، وكان معنا الشهيد هنقلا وكانت معنا سرية “أبد ” اضافة لسرية اخرى لا استحضر اسم قائدها. تحركنا وفاجأنا الجبهة الشعبية من الخلف وبدأوا في الانسحاب ففتحنا لهم طريق للانسحاب إلى “بركا” ونحن خلفهم، وشكلنا دفاعات والجيش المنسحب عاد وشكل معنا، وفي اليوم الثاني هاجمتنا الجبهة الشعبية لتثبت وجودها، تصدينا لهم وطاردناهم، وبلغنا القيادة بأننا سندخل خلفهم “كركبت”، فرفضت القيادة دخولنا “كركبت” ونفذنا الأوامر.
انسحبت الجبهة الشعبية وبعد مرور يومين طلبوا حوارا، تسائلنا نحن كجنود كيف ندخل في حوار ونحن منتصرون؟،وصل وفدهم في اليوم الثاني بقيادة عبدالله جابر ودخل في حوار مع القيادة، ولا نعلم ماذا دار بينهم وعلى ماذا اتفقوا، المهم الجبهة جمدت لمدة عام، وبعد مرور عام جهزت الجبهة الشعبية نفسها وحشدت، ووجهت لقواتنا ضربة قاضية وجدنا إثرها أنفسنا على الحدود السودانية.!!
كلمة اخيرة.. علمنا بأن قائد حامية تسني طلب مقابلتك وكان مبهورا بدقة تصويباتك.. ما صحة هذه المعلومة؟
– علمت بطلب قائد الحامية مقابلتي بعد انتهاء المعركة بانتصارنا، ولكنني لم اقابله لأسباب خاصة.
شكراً المناضل حامد أبوبكر على تلك المعلومات الوافية حول فترة تعتبر من اهم الفترات التي عاشتها ثورتنا الارترية بقيادة (جبهة التحرير الارترية) من انتصارات وانكسارات. ونحن بدورنا في مجلة الناقوس اذ نشكر له تلبية دعوتنا لهذا اللقاء نؤكد لقرائنا بان كافة المعلومات هي على مسئولية الضيف المناضل حامد أبوبكر. ونستودعكم الى لقاء قادم بمشيئة الله.