سعدية تسفو فدائية من جيل آخر!
نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب “نضالات المرأة الارترية”
البطلة سعدية تسفو!
والجندي المجهول وراء التخطيط للعملية!
ودور سليمان موسى حاج!
ودور جنرال زرئي ماريا!
ومن هو علي بخيت؟ ولماذا تم استهدافه؟
قبل التحاقه بجبهة التحرير الإرترية عام 1967م، كان علي بخيت يعمل مشرفا على العمال (كوبر الو) في البساتين
في كرن وضواحيها، وعند التحاقه بالثورة تم توزيعه مقاتلاً في السرية التي كان يقودها الشهيد عثمان صالح..
ولم يمض وقتا طويلا حتى إدعى على بخيت المرض فسمح له بأن يقضي بعض الوقت في منزل أحد النشطاء في منطقة جنقرين، تلى ذلك أنه ذهب الى منطقة “باشري” ليقضي ليلة مع أحد نشطاء الجبهة، وفي اليوم التالي سلم علي بخيت نفسه للعدو الاثيوبي..
استسلام علي بخيت للعدو ترتب عليه عواقب وخيمة على نشاط الثورة في كرن وضواحيها.. ذلك لأن علي بخيت كان يملك معلومات واسعة عن النشطاء داخل مدينة كرن وضواحيها والذين كانوا يدعمون الجبهة، ذلك أن استسلامه كان يشكل خطورة على أرواحهم، وهذا بدوره سوف ينعكس سلبا على نشاطات الثورة في المدينة. لهذا فإن هذا الوضع قد خلق حالة من الخوف والهلع وسط أبناء مدينة كرن خاصة النشطاء منهم والداعمين للثورة.
وكما كان متوقعا.. وفي اليوم التالي لدخوله مدينة كرن قاد علي بخيت أفراد من الجيش الاثيوبي إلى “باشري” للقبض على أحد نشطاء الجبهة ويدعى ادريس، والغريب في الأمر كان ذلك الشخص نفسه هو الذي آوى علي بخيت قبل استسلامه للعدو، ولكن لحسن الحظ كان ادريس على علم مسبق بنوايا علي بخيت، فهرب من القرية قبل وصول جيش العدو، في هذه الاثناء قام الجيش الاثيوبي بإحراق منزله انتقاما.
وبعد أيام قليلة كرر علي بخيت نفس العملية حيث عمل كدليل للجيش الاثيوبي حيث توجه بهم إلى البساتين في منطقة (فلفل) وتم اغتيال أحد نشطاء الثورة الذي كان يعمل في البستان.
ولم يتوقف علي بخيت عن القيام بأنشطته المعادية للثورة.. وكان واضحا أنه كان قد عقد العزم على إلحاق أكبر ضرر بالثورة والثوار وكل من يتعاطف معها، وبكل ما يستطيع بالتعاون التام مع العدو في تحقيق ذلك.
وقد أذاق نشطاء الجبهة الأمرين، حيث كان يتهددهم أينما رآهم “انت جبهجي!”
وكان يتحرش بالفتيات في العلن دون وازع أو حياء!
وفي شهر مايو من عام 1968م ذهب علي بخيت إلى منطقة “سبر” عن طريق عدردي ليدل قوات الكوماندوس على موقع خاص بالجبهة به مخازن للأسلحة وعيادة خاصة. ولكن ولحسن الحظ كان المناضل حامد نور ازوز على علم بتحركات العدو فقام الثوار بالاحتياطات اللازمة، وإلا لحدثت كارثة بالثوار في تلك المنطقة، وقد استشهد أحد المناضلين في المعركة التي دارت بين الجبهة والعدو الاثيوبي في تلك المنطقة، كما قام العدو الاثيوبي بإعدام بعض نشطاء الثورة ومن بينهم الشهيد جيواي واسماعيل ابراكا. واستولى العدو على المخزن وبعض المستندات الهامة جداً والتي كانت تحتوي على قوائم بأسماء النشطاء في مدينة كرن وضواحيها، وعلى مبلغ قدره 15000 بر إثيوبي. ويذكر بأن المناضل سليمان موسى حاج (عليه رحمة الله) كان قد حضر الى تلك المنطقة من الخرطوم بغرض تنشيط العمل الثوري قبل هذه العملية بفترة وجيزة. وكان استيلاء العدو على تلك المستندات قد خلق حالة من الرعب والانزعاج وسط النشطاء في مدينة كرن. لذلك هرع قائد المنطقة الشهيد عمر ازاز إلى منطقة (سبر) للوقوف على الحدث الخطير. والذي كان من ورائه علي بخيت..
وبما أن المناضل سليمان موسى حاج كان على دراية تامة بالنشاط السياسي داخل مدينة كرن وايضا بعضوية الجبهة في المنطقة بصفة عامة، لذلك فقد قام المناضل سليمان باستدعاء أحد النشطاء داخل مدينة كرن وهو المناضل محمود بوئمنت الذي حضر إلى (سبر)…وكان محمود يقوم بدور حلقة الوصل بين قيادة الثورة الارترية والجنرال الارتري زرئي ماريام، وطلب سليمان من محمود أن يطلب من الجنرال زرئي ماريام التدخل والعمل على إنقاذ أرواح النشطاء لأن أسمائهم الآن في حوزة العدو، وسوف يتم القبض عليهم في أي لحظة وهذا سوف يسبب متاعب جمة لمسيرة العمل الثوري، وسوف يؤدي إلى جفاف منابع الإمداد المادي والمعنوي للثورة، فذهب محمود بوئمنت الى مكتب زرئي ماريام في اسمرا. وقد تم تأكيد هذه المعلومات من قبل المناضل سليمان موسى حاج وأيضا أبوبكر حسن أسقدوم…
لم يتأخر جنرال زرئي ماريام عن الذهاب الى كرن ومباشرة طلب من محافظ المدينة تسليمه المستندات التي تم الاستيلاء عليها من الثورة، ثم طلب من المرحوم عبدالله سيد ترجمة المستندات من العربية الى التجرينية. ثم قام الجنرال بإحراق المستندات التي كانت تحوي أسماء النشطاء، بينما أرسل بقية المستندات مع المبلغ المذكور الى “اسرات كاسا” حاكم اقليم ارتريا.
وهكذا أصبح علي بخيت يشكل مصدر خطر كبير على الثورة، كما تسبب في اغتيال الناظر محمد نور عقر بتهمة أنه متعاون مع الجبهة.
وهنا كان لزاما على الثورة أن توقف على بخيت عند حده، فأصدرت قرار عقوبة التصفية في حق الخائن علي بخيت، وقد أوكلت مهمة وكيفية التنفيذ الى المناضل عثمان زرؤم، الذي كلف بدوره المناضل علي جمع فكاك بتقديم خطة كاملة لكيفية التخلص من علي بخيت.
خلفية عن المناضلة سعدية تسفو:
ولدت سعدية تسفو في عد حشل.. والدها تسفو نصور.. ووالدتها.. اسرار عاشرا….
اصبحت سعدية نشطة في الجبهة منذ عام 1965م
وكانت تعمل في نقل مستندات ومعلومات من وإلى كرن.. لصالح الثورة…
وكان الناشط السياسي علي جمع فكاك هو من اختار سعدية لمهمة استدراج علي بخيت، وكان علي جمع فكاك هو العقل المدبر والمنسق داخل المدينة، وكانت سعدية تتمتع بالجرأة والتفاني، إضافة إلى أنها كانت جميلة وعلي بخيت كان ضعيف أمام الحسناوات.
في أحد الأيام كانت سعدية في طريقها إلى بيتها وهي تحمل قفة (زنبيل) سلمه إياها علي جمع فكاك وكان يحتوي على أدوية كانت مكلفة بأن تنقلها نفس المساء إلى مواقع الثوار في جنقرين، وعندما وصلت سعدية الى جيرافيوري في طريقها إلى منزلها استوقفها علي بخيت وسلم عليها بحرارة وطلب منها ان تذهب معه إلى منزله، طبعا كان علي بخيت يحمل السلاح والناس تخاف منه لأنه لو قال عليك انك (جبهجي) تكون حياتك في خطر.
فقالت له سعدية: “ما في مانع بس نخليها ليوم ثاني أنا الآن راجعة البيت من السوق ومعاي خضار لازم أوديه البيت أمي منتظراني لكي تطبخ.”
في هذه اللحظة تذكرت سعدية الناشطات في الثورة مثل أختها (سنيت) وصديقاتها (زهرة تيدروس، زينب محمد علي، أرهيت رمضان) اللواتي هربن إلى السودان بعد أن ضاقت بهن الدنيا بسبب مضايقات علي بخيت، قالت له نخليها ليوم آخر اليوم في بيتنا ضيوف.
قال لها: ولا عايزه تهربي إلى السودان مثل صاحباتك؟
ردت عليه سعدية: “لو كنت عايزه أمشي السودان.. كان مشيت من زمان ما كان منعني أحد”، وعندما طلب أن يحمل لها القفة لم تترد سعدية حتى لا يشك فيها.
وبعدما اقتربوا من منزلها قالت له خلاص أرجع وصلت البيت.
طيب يا سعدية نتقابل متين؟
نتقابل بكره الساعة 6 مساء في جيرافيوري..
وفي المساء ذهبت إلى جنقرين لايصال الأدوية للجبهة بعد أن قالت لأمها أنها ذاهبة للقوايلا…”الحفلة”
في اليوم الثاني قابلت سعدية علي جمع فكاك وقدمت له تقريرا عن مهمتها في نقل الأدوية إلى الثورة…ثم شرحت له بأنها نجت بأعجوبة من علي بخيت لأنها كانت تحمل الأدوية عندما استوقفها في جيرافيوري، وللفكاك منه خدعته بموعد كاذب لليوم الثاني.
سألها علي جمع فكاك وهل لك نية لمقابلته اليوم؟
ردت عليه هل أنت جاد؟ كيف أقابل علي بخيت العميل؟ ما صدقت انفكيت منه!
هنا طرح علي جمع فكاك على سعدية مهمة استدراج علي بخيت إلى مكان ما حيث ينتظره الفدائيون للتخلص منه، وشرح لها الخطة، وعليه كان لزاما عليها أن تقابل علي بخيت في جيرافيوري في الموعد المحدد وفعلا التقت به وكالعادة كان يحمل السلاح، ووعدته بأنها سوف تأتي إليه بعد يومين في نفس المكان. استمر اللقاء بينهما وفي كل مرة كان يطلب منها الذهاب معه الى منزله كانت ترد عليه لازم يكون ارتباطنا ارتباط أزلي، ولكن أولاً يجب أن نبني الثقة بيننا ونتعرف على بعضنا البعض أكثر، وهكذا استمر التواصل بينهما لبعض الوقت، والغرض كان لإعطاء علي جمع فكاك ورفاقه الفرصة الكافية لإعداد الخطة لتصفية علي بخيت.
من جانب آخر كان أبناء كرن غير راضين على ظهور سعدية مع الخائن علي بخيت.
وأخير حان يوم تنفيذ العملية…
قالت سعدية لعلي بخيت اليوم حتذهب معي الى (قزا باندا) لنبيت معا في منزل عمتي (منزل اسماعيل ادريس) وأكدت له بأن البيت هذه الايام شاغراً والمفتاح بحوزتها، وعندما وصلوا منزل عمتها كانت الساعة العاشرة ليلا، فقامت سعدية بإضاءة الشمعة وقالت له تفضل استريح على السرير بس خلي سلاحك جنب الباب بعيد عن السرير، ثم استأذنت منه لتخرج بحجة أنها تريد الاستحمام وخرجت من البيت ومعها الجردل، ولكنها ذهبت خلف البيت حيث كان الفدائي في انتظار إشارة منها.
قالت له جاهز؟
قال نعم أنا جاهز..
وعندما عادت إلى البيت كان علي بخيت ينتظرها في السرير وبسرعة قامت سعدية بخطف سلاحه وخرجت به وفي تلك اللحظة اقتحم الفدائي المنزل وقام بتفريغ رصاص بندقيته على علي بخيت الذي فارق الحياة فورا.
بعد العملية أسرع كل من سعدية والفدائي نحو لالمبا ومن هناك الى افجروق ثم جنقرين ثم ليبنا، قبل ان يلتقوا برفاقهم…الذين كانوا في انتظارهما.
وهكذا تم اغلاق ملف علي بخيت شهر ديسمبر عام 1968م مرة وإلى الأبد، وتنفس شعب كرن الصعداء على اثر تلك العملية.
قامت السلطات الاثيوبية على اثرها بإعدام والد المناضلة سعدية تسفو في شهر مارس عام 1969م
رحمهم الله جميعا…
المصدر: كتاب (نضال المرأة الارترية) – ترجمة الأستاذ ابراهيم حاج