الدعوة الى العقد الاجتماعي.. ضرورة تفرضها حقائق الواقع

أبو عثمان

ظلت نظرية العقد الاجتماعي تتطور وتتبلور مع تقدم وتطور الانسان وزيادة احتياجاته ونموها وتوسعها في كل الجوانب الحياتية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والامنية وغيرها، بغرض ايجاد اساس لبناء دولة قادرة على إدارة التنوع والتباين والتقاسم العادل للثروات، وتداول السلطة وارساء ثقافة التعايش في ظل الاحترام المتبادل  بين أطراف التعدد على اختلافها، وضمان المصالح وتبادل المنافع والاغراض.

ان العقد الاجتماعي لمجموعة من المكونات البشرية القاطنة في رقعة جغرافية معينة كان ولازال وسيبقى ضرورة تقتضيه الحاجة الى بناء دولة حكم القانون، ولا يمكن الاستغناء عنه كأساس لها، خاصة في بلد يذخر  بالتعدد مثل ما هو الحال في ارتريا.

ومما يزيد من أهميته وجود الصراعات الاقتصادية والثقافية والدينية، والصراعات الاستراتيجية المعقدة لأطراف التعدد التي تتقاطع مع مصالح القوة الخارجية بما لديها من قدرات وامكانات مادية وعلمية ولوجستية تفوق مئات المرات ما تملكه الشعوب النامية.

وان مايشهده عالم اليوم من توجه الى التفاهمات والتحالفات والتكتلات على مستوى اقطار ودول  لمواجهة الكثير من الازمات والتحديات بصورة مشتركة، يمثل أحد اشكال التعاقد والإتفاق  لتحقيق المزيد من النمو والتقدم والاستقرار لدولها، ومن النماذج الناجحة  لذلك الاتحاد الأوربي الذى جمع معظم دول اوروبا  فأصبحت  مجتمعة قوة سياسية واقتصادية يحسب لها الف حساب في الميزان العالمي.

 لذلك  فإن ابرام العقد الاجتماعي بين المكونات الإرترية يظل اولوية  قصوى تفرضها معطيات المرحلة والحالة التي وصلت اليها تطورات ازمة الوطن الإرتري ومآسي انسانه،  والتي فاقت الوصف والاحتمال. حيث ان العقد الاجتماعي يضمن المصالح والحقوق المشتركة، وانه لا يصب في مصلحة جهة معينة  دون الاخرى، بل إن المستفيد من ذلك في المحصلة النهائية هو الانسان الإرتري الذى  يواجه كل عوامل الفناء.

عليه أرى أن المطلوب من كل شرفاء الامة الإرترية العمل على احداث التفاهمات والتقاربات واجراء المصالحات بين النخب والمجتمعات، وبناء جسور التواصل والحوار والبحث عن المشتركات واحترام التمايز، واعادة الثقة بين الصفوة التي يجب ان تتصدر العمل العام واعادة ثقة المجتمع في أبنائه لتصحيح ما افسده الدهر وما تركته التجارب السابقة من مرارات ورواسب في بنية وجسد مكونات الوطن .

 ان الدعوة الى التعاقد والتوافق على المشتركات، وقبول الاخر وتبادل الاحترام، ووضع اسس للتعايش والتعاون والشراكة العادلة بين جميع مكونات الوطن، والاعتراف بالتنوع وادارته بحكمة ولمصلحة الجميع، ووضع الضمانات لعدم التغول على الحقوق الجماعية والفردية، هي واجب ونداء من ضمير وطني  يحس بالألم والحسرة  على ما آلت اليه اوضاع الوطن الإرتري وانسانه،  وصرخة استغاثة هي بمثابة دق ناقوس الخطر واشارة انذار لكل إرتري حر، قبل أن تستفحل حالة الضياع التي نعاني منها ونصحو على سراب وطن.

ليس المطلوب هو تأييد الجهة التي تقدمت بالمبادرة، وهى رابطة أبناء المنخفضات الإرترية، ولكن المطلوب هو تأييد ودعم الفكرة وتطويرها لتصبح ملكاً للجميع ،لأنها  تلبى تطلعات الشعب والوطن الإرتري الجريح، باعتبارها الاساس الذى يجب ان يبنى عليه الوطن الحلم الذي يضمن الحقوق والمصالح ويسع الجميع بكل تنوعهم الثقافي والعرقي والديني. انها دعوة للعمل المشترك ورص الصفوف واحداث التوافقات والمصالحات لامتلاك عناصر القوة الواعية والمدركة والقادرة على الفعل والمواجهة.

وإن زوال نظام اسياس وزمرته ليس غاية في حد ذاتها بل وسيلة لانهاء معاناة الشعب الإرتري الذي انخدع بادعاءاته قبل انجاز الاستقلال، ليجد نفسه مرة أخرى فريسة لنظام هيمنة بغيضة اذاق الشعب الأمرين، الإقصاء والتهميش والإذلال، ومرارة الهروب واللجوء الجماعي المهين. وحتى لاتتكرر فصول المأساة مرة أخرى علينا التأسيس لمرحلة مابعد انتهاء نظام الهيمنة القومية، باجراء الحوارات اللازمة لابرام تعاقد اجتماعي جديد تجمع عليه كافة مكونات الشعب الإرتري ليكون الاساس المتين الذي يبنى عليه استقرار هذا الوطن ومستقبله من أجل عزة وكرامة إنسانه:

:

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *