مقابلة مع الأستاذة آمنة فكاك، مسئولة الشئون الإنسانية برابطة أبناء المنخفضات الإرترية ـ  الجزء الثاني

حاورها عبر الأثير محمود عمر أفندي
  1. الأستاذة آمنه أنت من المشاركات في العديد من الأعمال التي تهتم بقضايا حقوق الإنسان، والمرأة على وجه الخصوص، وسبق أن شاركت في عدة فعاليات في كل من فيينا ولاهاي وغيرها. ما هي انطباعات المشاركين في هذه الفعاليات فيما يتعلق بوضع الإنسان الإرتري؟

المشاركة الفعالة في كل المحافل مهمة جدا، سواء كانت مشاركة محلية أو إقليمية أو دولية لأنها فرصة لإسماع صوتنا وإرسال رسالتنا السامية في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتعريف المجتمع الدولي بقضيتنا، وبما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان الإرتري، فمثل هذه المحافل تمكننا  من خلق شبكات عمل مشتركة مع كافة الجهات المختصة الدولية منها والمحلية، وبالفعل كان لهذه المشاركات الأثر الكبير في توضيح وشرح المظالم التي لحقت بالإنسان الإرتري خاصة  تلك التي لحقت بمجتمعنا في المنخفضات  الإرترية من تهجير واستيلاء على الأرض وتوطين آخرين مكانهم، وهو ما لم يكن  مطروقا  في مثل هذه المحافل من قبل.

  1. شاركت الرابطة بعدد من العضوات وأنت واحدة منهن في مؤتمر اليوم العالمي للمرأة في لاهاي الذي عقد في عام 2018م وكان لكن الدور المشهود، هلا عدت بنا إلى الوراء لما قدمتن في فعاليات تلك المناسبة؟

اتحاد المرأة المنخفضاتية كان أحد الاتحادات التي شاركت وساهمت باقتدار في إنجاح مؤتمر المرأة في لاهاي في مارس 2018م، وتمكنا من خلال مساهماتنا الفاعلة من تصحيح المفاهيم أو الفكرة الخاطئة عنا والتي كانت مشوشة لدى الاتحادات النسوية الأخرى. واشتمل البرنامج على ثلاث بنود:  (أ) تقديم رسالة للمحكمة الجنائية الدولية. (ب) القيام بمظاهرات حاشدة من وسط مدينة لاهاي وحتى مقر المحكمة الجنائية الدولية. (ت) إقامة ورشة عمل للاتحادات النسوية.

وقد شكّل المؤتمر لجنة تنسيقية بهدف تأطير النساء الإرتريات المتواجدات في المهجر ومساعدتهن في تنشيط اتحاداتهن وخلق شبكة عمل مشترك مع كل الجهات والهيئات الداعمة لحقوق الإنسان.

وعقدت اللجنة بعد عام وثلاثة أشهر مؤتمرا سنويا في فرانكفورت، من مخرجاته تكوين ائتلاف لاتحادات المرأة الإرترية، واتحاد المرأة المنخفضاتية عضو ناشط في هذا الائتلاف.

  1. يتبادر إلى أذهان بعض النشطاء بأن هناك من يدعم الرابطة مادياً فيما تقوم به من أنشطة وفعاليات، ما هي المصادر التي تعتمد عليها الرابطة؟

إن العمل بشفافية وإعلان مصادر الدخل والدعم، هو أحد أهم العناصر التي تكسب المنظمات المصداقية، وتبعا لذلك النجاح في كسب ثقة أعضائها وتحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها، وهذا ما تفعله الرابطة والتي تعتمد في ميزانيتها حتى الآن على مساهمات وتبرعات أعضائها الذين أرسوا مبدأ الاعتماد على الذات، وأعادوا الثقة للمجتمع في نفسه من خلال بذل الكثير عن طيب خاطر وقناعة، أما إذا كان الاعتقاد أو الشك من دون أي دليل فإنه لا يعدو أن يكون مجرد حديث يلقى جزافا ويصب في خانة التشويه.

  1. العمل المعارض الإرتري يشوبه ركود في مختلف مجالات العمل السياسي والمدني بشكل عام لم يشهده من قبل، لكن البعض يرى إن دور الرابطة يعتبر أفضل بكثير في الحراك الدائر على مستوى الشأن المحلي أو الإقليمي؟

إن المنظمات المدنية تتسم دوما بالحراك والدينامية لأن مطامحها ليست سلطوية، بل هي تعمل للدفاع عن مصالح قواها الاجتماعية في مختلف مناحيها السياسية والثقافية والاقتصادية. لذلك تجد الرابطة دوما في حراك مستمر على كل المستويات التي تشمل مجالات اهتمامها وأهدافها، مشاركة في الفعاليات الوطنية وفي المحافل المحلية والإقليمية والدولية، خاصة الحقوقية منها. هذا إضافة لنشاطها في إطار عضويتها ومجتمعها لبث الوعي الجمعي بالحقوق والمصالح، وإحياء تراث وثقافة المجتمع من خلال المهرجانات الثقافية العديدة التي قامت بها منذ انطلاقتها في 29 مارس 2014.

لكن أكيد هناك أسباب موضوعية خارجية ومحلية لحالة الركود، لكن ما يميز المنظمات المدنية القدرة على التجديد المستمر من خلال التقييم لتحديد نقاط القوة والبناء عليها، وتلافي نقاط الضعف، لدفع عجلة العمل للأمام بشكل مضطرد لا يقبل السكون.

  1. كيف تبررين تراجع أو عزوف المرأة الإرترية، خاصة المرأة المنخفضاتية التي انحصر دورها في قضايا اجتماعية بعيدة عن الأعمال السياسية مقارنة بدورها العظيم في فترة الكفاح المسلح؟

أولا يجب تصحيح المفاهيم، حيث لم يعد من الصحيح طرح قضية المرأة كقضية منفصلة عن الجنس الآخر وعن قضايا المجتمع، وكما لم يعد مقبولا حل إشكالية المرأة في المجتمع ضمن إطار من الاهتمامات والاحتياجات أو الطموحات الفردية للمرأة، أو من خلال النظرية النسوية المنعزلة، لأن هذه نظرة أحادية الجانب، حيث لابد من معالجة قضايا المرأة ودورها في المجتمع من منظور حضاري إنساني شامل يهدف إلى تصحيح مفاهيم المجتمع ونهضته بشكل شامل، وأن لا تكون  الخصوصية التي تتميز بها  المرأة حجر عثرة أمام تطورها، بل جزء من حركة المجتمع ونموه، وهذا ما يتطلب منا إعادة النظر في تنسيق المفاهيم والقيم الثقافية والاقتصادية والسياسية السائدة في المجتمع. وهذا لا يعني بالتأكيد تجاهل الجذور والأصول المجتمعية الراسخة.

وكما ذكرت فإن التاريخ يشهد للمرأة الإرترية بدورها الاجتماعي والسياسي الثوري ونضالها ضد المستعمر، حيث لم تعرف الاستسلام والخنوع أو الاستياء من الأوضاع رغم صعوبتها. أما بعد استقلال البلاد فإن السياسات التي استخدمت ضد المرأة المناضلة كانت مجحفة، حيث تم تسريح المناضلات دون تأهيلهن في كيفية تعزيز دورهن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتم حصر دور النساء في الاتحاد الوطني للمرأة الإرترية الجهة الوحيدة التي يمكن للمرأة أن تشارك من خلالها في المجالات السياسية، شريطة أن تقدم بصكوك الطاعة والولاء للحزب الحاكم.

وهناك أسباب أخرى عديدة أدت لتراجع دورها لحد كبير، منها غياب دور المنظمات المدنية والحقوقية وعدم وجود اتحادات مستقلة، إضافة لعامل نقص التعليم الذي كان له دور كبير في الحد من قدراتها، وكذلك الخدمة الوطنية والعسكرية طويلة الأمد، والزواج المبكر وتحمل مسؤولية الأسرة لغياب الزوج أو الأب في دوامة الخدمة، أو السجن القسري الذي غيّب الكثيرين من أبناء الوطن دون وجه حق.

كذلك آفة الفقر ودخول البلد في حروب مع دول الجوار، إضافة الى هجرة الشباب والكوادر المؤهلة. كل هذه الأسباب وغيرها من غياب نظام الحكم الراشد الذي يتيح الفرص المتساوية للمشاركة العادلة في قسمة السلطة والثروة لكافة مكونات الشعب الإرتري، كانت وراء تدهور دور مجتمعنا عامة والمرأة بصفة خاصة .

  1. الاختلاف في وجهات النظر في ساحة العمل المعارض الإرتري صاحبه الكثير من اللغط، بدلا من أن يكون عامل ثراء للعمل المعارض، خاصة بين التنظيمات ومنظمات المجتمع المدني، والرابطة واجهت الكثير منه منذ تأسيسها،  ماذا تقولين في هذا النوع السالب من الصراع؟ 

الاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي ولكن المؤسف هو الخلط بين الاختلاف في وجهات النظر وحقائق الواقع، وإن عدم إدراك الفارق بينهما هو سبب الحالة السالبة التي يعاني منها العمل المعارض عموما، في حين أن إدراك الفارق بين الاثنين (الحقيقة واختلاف وجهة النظر) يجعلنا نكتشف من يتعمد إثارة الجدل حول حقائق مجردة، خصوصا إن إدراك الحقيقة أمر موضوعي بطبيعته ويمكن التأكد منه بالعودة إلى المنطلقات النظرية التي تنطلق منها كل جهة. وهذا ما كان يستدعيه واقع الحال في معرفة الحقائق بدلا من كيل الاتهامات العديدة التي وجهت للرابطة، وذلك بالرجوع إلى وثيقتها لمعرفة طرحها وجدواه دون محاكمتها والحكم عليها وفق الأمزجة الخاصة أو نتيجة لاختلاف مصالح البعض مع طرحها، أو القياس على أطروحات أخرى مشابهة لمجرد الاسم (المنخفضات)!

 وبصفة عامة فإن هذه هي معضلة الصراع الإرتري الذي مازال يعاني من عدم الاعتراف بالتعدد وقبول الآخر المختلف، وإن حالة فقدان البوصلة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه مردها الافتراضات الخاطئة التي تتنافى مع طبيعة البشر المفطور على التنوع والتعدد، فبدلا من السعي للتوافق حول كيفية إدارته، يتم التماشى مع سياسة نظام الهيمنة القومية في ممارسة الإقصاء المتبادل بين المكونات المتعددة. عليه فإن هذا بالتأكيد لن يقودنا لتحقيق حلم الوطن المنشود الذي يحقق العدالة والمساواة وبناء دولة القانون التي تسع الجميع.

نقلا عن مجلة الناقوس الثقافية العدد السادس

شاهد أيضاً

مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا.. أعده / الأستاذ محمود أفندي تغوص بك عزيزي …

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *