بقلم ابراهيم كبوشي
ان الكثير من الجدل والصراعات التى تحدث في الدول حول الانتماء البشري بالاعتماد على بعد الجغرافيا الطارئ على حساب البعد البشرى الأكثر ثباتا، مرده التعريف الكلاسيكي لنشأة مفهوم الدولة القومية، والذي يعود تاريخه الى ولادة الدولة القومية على أنقاض الأنظمة الإقطاعية والملكية في أوروبا. ذلك المفهوم الذي ربط بين نشأة الدولة القومية على أساس المشيئة المشتركة ووحدة اللغة والتاريخ المشترك، بمعنى ان حدود الدولة قائم أساسًا على عوامل الوحدة والاندماج بين مكونها البشري.
أما التاسيس للدولة الكولونيالية (الدولة الوطنية) مع نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان على أساس الجغرافيا وليس الاندماج البشري النسبي، ولذلك ان الحديث عن مشكلات الدولة الكولونيالية والبحث عن معالجات لمشكلاتها يجب ان تختلف عن المعالجات في الدولة القومية التي تأسست في ظروف مختلفة.
من هنا يمكن التمييز بين الدولة القومية والدولة الوطنية حيث ان لكل من المفهومين دلالات مختلفة، فالاول اساسه العنصر البشري والآخر يعتمد على الجغرافيا.
إذا كانت الدولة الوطنية تحكمها عوامل الجغرافيا علينا النظر بشكل مختلف لطبيعة التحديات التي تعتري مسيرة سلامها وأمنها واستقرارها وعيشها المشترك، باعتبار ان مكونها البشري متعدد ثقافيا ولغويا واثنيا ودينيا واجتماعيًا.
من هنا تأتى أهمية الأسس والقواعد التي تنظم العيش المشترك فى ظل الدولة الوطنية ذات الخلفية القانونية فى تعريف جذور مفهوم الدولة القائم على الركائز الثلاثة ( الأرض – السكان – السلطة التى تنظم حياة هذا المجتمع على تلك الأرض)، حيث ان هذا المثلث يحتاج الى تناغم وتداخل وتفاعل خلاق، واي خلل فى أحد أضلاعه سيؤثر سلبًا على بقية أضلاع المثلث.
بما ان عنصري الارض والسكان عاملان يتسمان بالثبات النسبي وبالتالي الاستقرار، فان الإشكالية والتحدي الكبير نجده دائما فى البعد الذي يتعلق بالسلطة التى تنظم حياة واستقرار مجتمع الدولة على ارضه بسلام واستقرار وتقدم.
من هنا لابد من التاسيس لحوار مجتمعى شامل، في هذه الدول ذات الطبيعة الوطنية الموروثة من المستعمر، يحدد الأسس للعيش المشترك على أساس من التوافق على تحقيق مصالح مجموع مكونات الوطن، على أن يؤسس هذا المؤتمر الوطنى الجامع لعقد اجتماعي يحفظ ويقر بمبدأ الوحدة فى إطار احترام التنوع والتعدد بكل اشكاله، وحصول مكونات هذا التعدد على حقها العادل فى السلطة والثروة. بهذا المدخل فقط يمكن لنا ان نحافظ على مشروع دولنا الوطنية بعيدا عن معالجة مشكلاتها بمنظور الدولة القومية المختلف شكلا ومضمونا عن الدولة الوطنية الكولونيالية، وارتريا خير مثال لهذه المعالجات الخاطئة التي تنطلق من مفهوم الدولة القومية، خاصة في جانب الوحدة الوطينة، حيث يرى البعض توحيدها قسرا تحت هيمنة قومية واحدة كما هو حال النظام والبعض الاخر يتعامل معها وكأنها دولة اوروبية يمكن حل مشاكلها ببناء دولة المواطنة عبر الديموقراطية اللبرالية.