وقفة وفاء للكبير قدراً.. القائد الشهيد عمر جابر عمر في الذكرى الثانية لرحيله..

بقلم: المهندس سليمان فايد دارشح
18/12/2016م

تتزاحم الكلمات على بوابة مجد تليد صنعه الرجال الأوفياء.. تلوذ بستار الحياء عبارات تروي تأريخ الرجال الشجعان الذين أوفوا بعهودهم وصدقوا في وعودهم وأخلصوا في عملهم وضحو بزهرة أعمارهم من أجل عدالة قضيتهم وحرية وكرامة شعبهم الإرتري.

القائد الشهيد عمر جابر عمر هو أحد أولئك الرجال الأوفياء الشجعان، كان –رحمه الله- قلب نابض بحرارة الإيمان، وروح وثابة في كل ميدان من ميادين النضال الوطني.. وهو أحد صناع الأحداث الوطنية في إرتريا، الذين سطروا أروع الملاحم البطولية ولم يتكلموا عن حياتهم وإنما تركوا أفعالهم ونضالاتهم وتضحياتهم لتروي تفاصيل مسيرتهم.

القائد الشهيد عمر جابر –أبو يحيى- قائد كالبدر يشع بنوره بين الكواكب، رجل عظيم حمل أمانة شعبه بكل إخلاص ووفاء وتفان حتى آخر لحظة من حياته الحافلة بالبذل والعطاء، إنه رمز اختصر المكان والزمان ونحت التحدي والكبرياء الإرتري على جدار الزمن، لم يعد لأحد ولا لقيمة من قيم الوفاء دين في عنقه فقد أوفى وأجزل العطاء والوفاء.

تمر علينا اليوم-التاسع عشر من ديسمبر 2016م- الذكرى الثانية لرحيله إلى رحمة المولى، وبهذه المناسبة نتذكر ذلك الإنسان النبيل الوفي الراقي في تفكيره وأخلاقه وتعامله.

القائد الشهيد عمر جابر اسم يتردد في كل جنبات الوطن، قائد متمرس صاحب عقلية عبقرية نادرة المثال وعطاء بلا حدود، تعتذر الكلمات وتنزوي أمام شخصية هذا القائد العظيم لعجزها عن وصف نضالاته وعطائه الثر، والذي امتد لسنوات طوال، كان فيها مشعلاً للتعاون والبذل والعطاء، وقد تتبختر احياناً – الكلمات – لتسهم في سرد بسيط من مسيرته النضالية الغنية بالكفاح.

كان – طيب الله ثراه – أحد القيادات التاريخية البارزة لجبهة التحرير الارترية وأحد مؤسسي الحركة الطلابية والشبابية الارترية، وبعد التحرير عاد بحماس شديد ضمن عدد كبير من المناضلين للمساهمة في بناء وتعمير دولة ارتريا الفتية، متجاوزين خلافات مرحلة حرب التحرير مع الجبهة الشعبية، من منطق الايمان بأن كل الفصائل الوطنية الارترية كان لها شرف المساهمة في تحرير البلاد، هذا من جانب ومن جانب آخر أيمانهم العميق بأن إعادة بناء الوطن يتطلب تضافر طاقات كل أبنائه.

إلا أن عقلية الإقصاء والاستبداد والطغيان والانفراد بالسلطة التي تحكم عقلية قادة الجبهة الشعبية ، لم تتح المجال للقائد الشهيد عمر حابر والكثيرين من أمثاله ليخدموا وطنهم، ولا سيما وأن هؤلاء المناضلين كانت تتوفر فيهم كل صفات رجال الدولة من تجربة عميقة وكفاءة علمية وإدارية عالية وثقافة واسعة وتاريخ نضالي مجيد لا يختلف فيه اثنان، بل ذهبت الطغمة الحاكمة في اسمرا إلى أبعد من ذلك عندما قامت بزج بعض هؤلاء المناضلين الشرفاء في غياهب السجون المظلمة – تحت الأرض – ولا يعرف مصيرهم إلى يومنا هذا، ومنهم من غادر الوطن مكرهاً ومضطرا، فغادر القائد الشهيد عمر جابر وطنه ارتريا مهاجرا بجسده إلى استراليا، لكن وجدانه ظل متعلقاً بوطنه وشبعه ، حيث واصل من هناك نضاله من أجل الديمقراطية والتعددية والحرية واعلاء قيمة القانون ، حيث كان له دور كبير في كشف حقيقة النظام الشمولي القاتل المستبد في إرتريا.

فضلا عن ذلك، كان القائد الشهيد عمر جابر كاتباً لامعاً معروفا ومثقفا ثوريا، وصاحب رؤية مستبصره ومنهج علمي عززه بالبحث والتنقيب حتى حق لنا أن نسميه صاحب مدرسة ارترية في التنظيم والثقافة والفكر والتاريخ، وهي مدرسة ثورية الطابع.

وسواء اتفقنا معه أو لم نتفق في جلّ ما ذهب إليه من أطروحات، فإنه يظل واحداً من الكتاب والمثقفين والمفكرين القلائل في إرتريا الذين استطاعوا أن يقدموا نموذجاً ناصعا نقيا في العطاء الفكري والسياسي والأدبي.
وهكذا ترك للأجيال تراثاً زاخرا واصدارات تنوعت أشكالاً ومواضيع تعينهم على تحقيق التغيير الديمقراطي الشامل والعميق في إرتريا.

إن الحديث عن القائد الشهيد عمر جابر، هو بمثابة الحديث عن تاريخ أمة وتجربة ثورة، حديث عن تحديات وشموخ وإرادة شعب أصيل.

نعم لقد عرفنا أبو يحيى رجلا يتقدم الرجال في أشد المواقف وأصعبها، عرفناه راية تخفق فوق كل الرايات، عرفناه أخاً نصوحاً لإخوانه المناضلين قاعدة وقيادة، عرفناه وهو يضع وطنه في حدقات عيونه يفديه بروحه وجسده، عرفناه صادقا مع نفسه ومع الأخرين، وعرفنا الحق وهو يضئ جنبات حياته، يقول كلمة الحق ولو كان السيف على رقبته،
عرفناه جندياً أميناً من جنود الوطن لا تبعده حدود ولا تمنعه الايام من تقديم كل ما هو جليل لإرتريا وابنائها أينما كانوا، عرفناه منبعاً للعطاء، طيب القلب، واسع الكرم، يشهد له الكل في داخل ارتريا وخارجها بذلك.

عرفناه مناضلا وفياً صامداً صبورا محافظاً على طبيعته لا يتغير، ثابت على المبدأ لم يتلون ولم يتبدل ولم تؤثر فيه تقلبات الأوضاع.

عرفناه هادئاً متزناً متحفزا للعطاء، رجل مسؤولية يقدر الأمور حق قدرها، عرفناه يفضل مصلحة الوطن على مصالحه الشخصية، وعرفنا كيف كان يجسد وحدة ضرورية بين السياسة والأخلاق وبين الأخلاق والعمل التنظيمي، عرفناه انساناً يعيش تفاصيل الحال الارتري ويناضل فيه بلا انقسام ولا انفصام، عرفنا أنه لم يكن ينظر إلى خصمه السياسي بمنظار الكراهية والانتقام وتقليل الشأن، بل بمنظار الحوار مع الآخر لقناعته بأن الجميع يحمل هم إرتريا.

عرفناه رجل اتفاق ووفاق وطني، عرفناه وحدوياً يسعى جاهداً لإصلاح وما أفسده الدهر والآخرون بين المناضلين الارتريين، عرفناه رمزا للتسامح والمصالحة ومدرسة للوطنية الخالصة.

الشهيد القائد عمر جابر علم من أعلام المجتمع الارتري وأسطورة وقائد صامد أشم، إنه رجل لا يعرف الكلل أو الملل، فقد أرهق نفسه وأسرته الكريمة الصابرة من أجل عزة شعبه ووطنه.

أحب شبعه وبلاده أكثر من نفسه وجعل ذاته مدرسة في النضال والأخوة والمحبة والتسامح والود والألفة، فأحبه عدد كبير من أبناء شعبه بمكوناتهم السياسية والاجتماعية والتفوا حوله، إنه نموذج فريد من نوعه وظاهرة وطنية لا مثيل لها.
كان الشهيد قائد وطني تاريخي من الطراز الأول، آمن بالديمقراطية والتجديد والعدل والمساواة والتعددية الحزبية وآمن بالنظام العام والقانون، ومارس فعلياً ذلك على أرض الواقع فبقيت مبادئه وقناعاته حية في وجدان رفاقه المناضلين الارتريين.

بالإضافة إلى ذلك كله كان الشهيد القائد عمر جابر- رحمه الله- يحظى بمكانة رفيعة ملؤها المودة والتقدير لدى العديد من المسؤولين والهيئات والمنظمات والأصدقاء في الخارج، الذين تحدثوا عنه حديث العرفان والإجلال يوم رحيله قبل عامين.
عامين مضيا على رحيلك أيها الأب والأخ والصديق والمناضل والقائد العظيم ونحن نتذكر أخلاقك العالية وطيبة قلبك الكبير وتواضعك الجم وحبك للخير.

سنتين مضتا على رحيلك عنا يا أعز الرجال ولا تزال العين تدمع والقلب يبكي ألماً وحرقة على فراقك وغيابك.
رحلت بجسدك عنا ولكن بقيت في قلوبنا حيا. بكاك الرجل الشيخ والمرأة، بكاك الطفل والشعب الأبي، عشت حرا كريماً شامخاً، ومت شهماً شجاعاً قوياً. لا نحب البكاء ولكن الدمع يتمرد على مقلنا فيغادرها ليعلن ولادة حزننا المتجدد، فينا أنت -أبو يحيى- دائم الحضور، تحتل كل المسافات في العقل والقلب والوعي والوجدان في مخزون الذاكرة ونظرات المستقبل.
سنتين مضتا على غيابك أيها القائد الشهيد والبلاد تعاني أزمة عميقة وشاملة طبعت كل أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية، أثر استمرار سيطرة نظام الهقدف الاستبدادي الدموي بالحديد والنار على مقاليد الحكم في البلاد.
في ذكرى رحيلك الثاني أيها القائد الرمز حال المعارضة الارترية سواء، وتدهور الأمور وانحراف البوصلة، إنه ظلام زحف على الوطن، وغابت أيها القائد المصالح الوطنية العليا والغيرة على الوطن لتحل محلها الاصطفافات في خنادق مبعثرة متنازعة، ولا نخفي عليك سرا أيها القائد العظيم – عمر جابر- بأن تشتت قوى المعارضة الارترية أتاح المجال ليعربد نظام الهقدف المتخلف في البلاد قتلا وخرابا ودمارا.

ورغم هذه الحالة المأساوية أود أن اطمئنك أيها القائد العظيم في سمو عليائك: أن نظام الهقدف الجائر منهار ويلفظ أنفاسه الاخيرة ولم يبقى له من وسائل البقاء، والكل ينتظر وثبة المعارضة الارترية الموحدة القوية لإسقاطه وارساله إلى مذبلة التاريخ إلى غير رجعة.

هما سنتان أيها القائد على فراقك المؤلم الذي حصل في وقت كان الوطن والشعب بحاجة إلى حكمتك ورصانتك وبصيرتك، ولكنه قضاء الله عز وجل الذي لا رد له ولا نملك إزاءه غير الصبر والاحتساب وليس لنا بعده غير الدعاء وطيب الذكرى.

التحية لشهداء الثورة الارترية الذين قدموا أرواحهم ودمائهم من أجل حرية الوطن، فاستحقوا أن تنحني لهم الهامات، لأنهم كانوا بلسما يشفي جراح الإرتريين، وها هي الأجيال نسير على دربهم ولن تترك الوطن للغربان – الهقدف- أن تعشش في أرضهم الطيبة التي قدم الشعب الارتري من أجل تحريرها قوافل الشهداء، ولو لا دماؤهم لما تحقق الاستقلال.

فسلام وألف سلام على أرواح الشهداء الأبرار وعلى روح الشهيد أبو يحيى المعطاء، وأن يجزيهم الله خيرا على ما قدموا للوطن، وأن يرحمهم برحمته الواسعة ويسكنهم فسيح جناته.

وتحية إجلال واعتزاز وتقدير لزوجة الشهيد – القائد عمر جابر – الصابرة المحتسبة الوفية المناضلة الدكتورة مليكة ياسين علي (أم يحيى) وأبناؤه البررة وأسرته الوطنية آل جابر عمر وآل ياسين علي، الذين وهبوا ارتريا أعز ما لديهم.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *