كلمة المكتب التنفيذي لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية ضمن فعاليات المهرجان الثقافي السنوي الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كافة المرسلين عليهم السلام.

الحضور الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التحية والشكر والتقدير لأعضاء الرابطة وللحضور الكريم ولمتابعي المهرجان عبر الأثير.

التحية والإجلال لشهدائنا الأبرار وللكوكبة الأخيرة من المناضلين الأحرار الذين نالوا شرف الشهادة بلحاقهم بركب الشهداء السابقين خلال هذا العام.

تحية إجلال وتقدير خاص للشهيد رعيل أول سليمان آدم سليمان الذي كان بمثابة الأب الروحي للرابطة حيث كان سباقا في مواقفه المؤيدة منذ لحظة الانطلاقة وخلال المسيرة حتى وافته المنية، ولم يبخل في تقديم النصح والمؤازرة، واستمر في مواقفه الداعمة بثبات ودون تردد الى جانبها وخاصة في أصعب وأحلك الظروف التي مرّت بها.

لقد ولدت الرابطة من رحم هذا المجتمع بعد مخاض عسير، لكنها ولدت راشدة وانطلقت للعمل بأسس ورؤية واضحة عبّرت بصدق عن معاناة وآمال وتطلعات المجتمع، مستنبطة الدروس والعبر من تجربته وتراثه وتأريخه النضالي الحافل بالبطولات ومستلهمة العزيمة والإيمان والصمود من تاريخ شهدائه الأبطال، قاطعة العهد على نفسها للسير على دربهم وفاءً بالعهد ومواصلة لاستكمال نضالاتهم في سبيل تحقيق الحرية والعزة والحياة الكريمة التي ضحوا بأرواحهم الغالية في سبيلها من اجل ان ينعم ويعيش  إنسان هذا المجتمع والشعب الإرتري بشكل عام في وطن حر تسود فيه قيم العدالة والمساواة وحكم القانون. وطن يسع الجميع ولا مكان فيه للتسلط والهيمنة والإقصاء والظلم والحرمان من أي جهة وضد أي جهة.

عبّرت الرابطة عن كل هذه المعاني بجلاء ووضوح رؤية وجرأة في التعبير وتحديد وتوصيف المشكلة وتسميتها بمسمياتها الحقيقية في وثيقتها المعلنة في 29 مارس 2014م الأمر الذي اكسبها التأييد والالتفاف الجماهيري الواسع من جهة، كما عرّضها لهجمة عدائية غير مسبوقة ومحاولات تشويش وتشويه أحاطت بها من كل صوب وحدب منذ نعومة أظفارها، وبعض الحملات مازالت مستمرة حتى الآن للنيل منها وحرفها عن أهدافها وإجهاضها في مهدها.

لكن رغم كل الصعاب والعراقيل، فإن الرابطة بصمود أعضائها وتأييد وتعاطف مجتمعها قد حققت الكثير في سبيل لم شمل المجتمع خلال عمرها الوجيز حتى الآن معتمدة بدرجة أساسية على إمكانياتها الذاتية المادية والبشرية وصوابيه ووضوح رؤيتها وأسسها النظرية وفعالية وسائلها وبرامجها وخطط عملها المعتمدة معززة بقدراتها القيادية على تنفيذ ذلك على أرض الواقع. حيث تمكنت خلال الفترة السابقة من حشد وتأطير عدد مقدر من أبناء المجتمع في فروع عديدة تجاوزت الثلاثين في كافة بقاع العالم المختلفة التي تعتبر مراكز انطلاق للعمل من اجل تحقيق الغايات المنشودة مما أهلها لتصبح رقما معتبرا في ساحة المعارضة حجما وتأثيرا. ومن اهم الإنجازات المشهودة لها خلال الفترة المنصرمة من عمرها، عقد مؤتمرها التأسيسي والذي مثلت مخرجاته نقلة نوعية مهمة في مسيرتها النضالية ساهمت في تعزيز وترسيخ تجربة المؤسسية في العمل بتطوير لوائح وأسس ووسائل وبرامج عمل متقدمة في إطار خطة عمل استراتيجية شاملة للمراحل القادمة، وقد انبثقت عنه قيادة شابة وكفؤة منتخبة ديمقراطيا وقادرة على تحمل مسؤوليات وأعباء العمل في المرحلة القادمة.

تميزت الرابطة منذ بدايتها بالتشخيص الصائب للمشكلة الأساسية التي يعاني منها المجتمع والمتمثلة في الوهن وفقدان الثقة الناتج من حالات الانقسام والتناحر المتراكمة التي سادت صفوفه لزمن طويل، حيث تمكنت من التغلغل الى مفاصله الحيوية لتنهك قوته وتشل قدرته في الفعل والتأثير الإيجابي على مجرى الأحداث، الأمر الذي حال دون  تبوئه لمسؤولياته والقيام بدوره التاريخي المبادر دوما في الدفاع عن الحريات والحقوق الخاصة به وبالوطن عموما، حيث كانت مسألة استنهاضه من حالة الضعف وبناء قوته الذاتية واستعادة ثقته بنفسه ضرورية وتتطلب الدعوة والسعي للم شمل كافة أطرافه كشرط أساسي لتمكينه من لعب دوره المجتمعي والوطني كما ينبغي وكما كان مشهوداً له في السابق والوقوف الى جانب كل المكونات المضطهدة ليساعد في تصحيح التوازن المختل حاليا في موازين القوة وفي المعادلة الوطنية المائلة لمصلحة قوى الهيمنة القومية الى نصابها الصحيح والطبيعي وذلك على أساس الاعتراف بالتعدد الوطني وضمان الحقوق المتساوية بما فيها حق المشاركة العادلة في السلطة والثروة لكل مكونات الوطن ليستقيم امر هذا البلد ولضمان استقراره واستمرار وجوده ككيان متماسك يسع كل مكوناته الاجتماعية.

ومن المفارقات الغريبة ان العدو قد أدرك قبل الصديق حقيقة أهداف الرابطة من حيث مدى الخطورة التي تشكلها على مصالحه المتمثلة في ضمان استمرار مشروع الهيمنة القومية لفرض سيطرته على مقدرات الوطن على حساب المكونات الوطنية الأخرى، ولذا نجده يعمل بجد وبوعي وبكل ما أوتي من قوة مستخدما كل الوسائل التي بحوزته للحيلولة دون نجاح مشروع الرابطة المناهض لطموحاته. ومن الطبيعي ان نتفهم هذا الموقف والدوافع المعادية من قبل النظام ضد الرابطة ولكن ما نجده غير طبيعي وغير منطقي ويصعب فهمه هو ان تقف بعض القوى المحسوبة بطبيعتها ضمن الذين يفترض ان لا تتعارض مصالحهم  الخاصة كمكونات أو مصالحهم الوطنية العامة مع خط وأهداف الرابطة وان يكونوا معها في خندق واحد  لمحاربة قوى الهيمنة القومية والتسلط التي يمثلها النظام ومن يدورون في فلكه، وعليه فإننا لا نجد لهؤلاء أي مبرر منطقي يفسر مواقفهم المناوئة ومن المؤسف ان نجد بعض ممن ينتمون الى مكونات الشعب الإرتري المهمشة في موقف يتعارض مع مصالحهم الاستراتيجية ويصب في خدمة مصالح العدو وزبانيته.

ورغم المواقف المعادية والحملات الجائرة، ضد الرابطة وأهدافها عبر جميع المراحل، إلا ان قيادة الرابطة لم ترد بالمثل رغم قدرتها على الرد كحق للدفاع عن النفس تكفله لها كل الشرائع وبما تملكه من إمكانيات تمكنها من رد الصاع صاعين، ولكن آثرنا عدم فعل ذلك، الأمر الذي يستغربه الكثيرون من أصدقائنا وحتى بعض أعضاء الرابطة ولكننا اتخذنا هذا الموقف المبدئي للأسباب والقناعات التالية:

  • ان عدونا الأساسي يتمثل في نهج قوى الهيمنة القومية المتمثلة في النظام الطائفي الديكتاتوري وكل من يتماهى مع أهدافه. وبالرغم من ان هؤلاء قد وضعوا أنفسهم في موقف يخدم أهداف العدو بمعاداتهم للرابطة، إلا إننا نعتبر انهم بطبيعة تكوينهم ينتمون لمجتمعنا أو بعض المكونات المهمشة الأخرى وبالتالي هم ليسوا خصوماً نظرا للخلفيات الاجتماعية التي ينتمون إليها، ولتجنب الانعكاسات السالبة للمجابهات من هذا النوع على أهدافنا، نحاول ان لا نجاريهم في هذا المسار.
  • كما ان مجاراتهم في الرد ورد الفعل المعاكس ليست من أولوياتنا، إضافة لأنها سوف تلهينا وتشغلنا عن التركيز والعمل لتحقيق أهدافنا، وهذا ما يسعى اليه ويستهدفه العدو من خلال ما يقوم به من تحريض ودعم وإذكاء النشاطات المعادية للرابطة لجرنا الى مستنقع ومتاهات الصراعات البينية لإلهائنا وحرفنا عن أهدافنا وعن مسار العمل الجاد وتحقيقه.
  • وبما ان هدف لم شمل مجتمعنا يتطلب التحلي بالصبر والحلم وتحمل الرأي المخالف لخلق بيئة مؤاتيه تساعد على التقارب ورأب الصدع الناتج عن الانقسامات وتأثيراتها السلبية ولتجنيب المجتمع التعرض لأي إحباطات جديدة جراء صراعات واهية حول خلافات مفتعلة يراد إقحامنا فيها كطرف للتشكيك في دورنا ومصداقيتنا مما يجعلنا نتعامل معها بحذر وكياسة فائقة لتفويت الفرصة على العدو بالسمو عن سفاسف الأمور والارتفاع لمستوى المسؤولية والهدف الكبير للم الشمل المراد تحقيقه.
  • وأخيراً، لثقتنا الكبيرة في أنفسنا ومجتمعنا وإيماننا بصحة ومشروعية أهدافنا ونهج وسلوك عملنا اليومي لتحقيق ذلك، واعتقادنا الجازم بزيف الادعاءات وحملات التشويش والتشويه التي لا يمكن ان تصمد أمام حقائق الواقع وقوة الحق مع الزمن، نرى لزاماً علينا ضرورة تبنى سياسة النأي عن الانجرار في عمليات الردود المباشرة وردود الأفعال وعدم الدخول في المتاهات والحلقات المفرغة للصراعات البينية.

ان التطورات الأخيرة المتمثلة في الحملات الجائرة والمسعورة التي تشنها مجموعات وأفراد من الكبسا تنكر فيها حق الشراكة الوطنية والتأريخ والدور النضالي  بشكل سافر، بل تهدد وجود المكونات المسلمة في إرتريا بشكل عام والمنخفضات بشكل خاص والتي تتزامن مع إشهار النظام لسياساته الاستيطانية بشكل علني ورسمي في الآونة الأخيرة متحديا الجميع، خلافا لما دأب عليه في السابق حيث جرى تطبيق نفس السياسة في الخفاء وبعيدا عن الأضواء، تجلى في التحول المفاجئ الذي شهدناه في إقامة المستوطنات الجديدة التي اعلن عنها جهارا في مناطق عدة من المنخفضات لتكشف بذلك وبشكل سافر ما كنا نشير اليه عن طبيعة وجوهر الصراع المتمثل في عقلية وممارسة الهيمنة القومية للنخب المسيحية في الكبسا التي لم تكن جديدة، بل كانت معتمدة وسارية منذ أربعينيات القرن الماضي وكانت تطل برأسها من حين لآخر في كل مراحل النضال الوطني ولكن برزت بشكل ملحوظ  في عهد ما بعد الاستقلال والى يومنا هذا.

نحن في الرابطة لا نعتبر الأحداث الأخيرة جديدة ومفاجئة وليست وليدة صدفة أو ظاهرة غريبة على الساحة، بل هي تجلي للصراع القديم بوجه جديد وبشكل سافر وغير معهود ولكن يظل جوهرها ثابتا يتمثل في فرض الهيمنة القومية لنخب التجرينية على الآخر ولهذا لم نفاجأ بها على عكس الكثيرين.

وكما يقال رب ضارة نافعة، ان هذه الأحداث أكدت صوابيه رؤيتنا ودقة تحديدنا لطبيعة الصراع في إرتريا منذ انطلاقة الرابطة في ان جوهر الصراع في إرتريا يتمثل في صراع لفرض الإرادات عبر ممارسة الهيمنة القومية بكافة أشكالها المختلفة على الجميع من قبل نخب الكبسا بما يخدم مصالح مكونها عبر الاستئثار بالسلطة والثروة وعلى كل مقدرات الوطن على حساب مصالح وحقوق بقية مكونات التعدد الوطني وهكذا كان الحال ولايزال.

ان تجربة نظام الهيمنة القومية الحاكم قد أكدت ذلك وبشكل قاطع خلال 25 عاما عبر سياساته وممارساته العملية على الأرض، وما الحملات والتصريحات الجديدة لعناصر وقوى التطرف إلا استمرار على ذلك النهج ولو بشكل مستفز يكشف حقيقة نواياهم وأهدافهم العنصرية الدفينة بوضوح عبر ادعاءاتهم الباطلة بأنهم أصحاب التأريخ والنضال والحق الشرعي في حكم إرتريا وملكية أرضها والآخرين هامشيين يجب ان لا يكون لهم أي دور فعّال في الوطن. ولكن رغم جلاء الصورة بما لا يترك مجالا للشك عن نويا قوى الهيمنة والتسلط ، لا زلنا نجد البعض يحاول ان يخفف من وطأة الحدث أو يقلل من شأنه باعتبار ان هؤلاء لا يمثلون عقلاء الكبسا وانهم قلة نشاز من بين قومهم والبعض يستمر في التمادي في محاولات دغدغة العواطف حول التمسك بالأطروحات الوطنية المبهمة رغم كل ذلك للخروج من الأزمة بل والبعض الآخر يذهب ليجد لهم أعذار ومبررات عدة تصريحا كانت أم إيحاءً ومن ضمنهم من يرى ان ما يحدث هو رد فعل للاستفزاز الذي شكله طرح المبادرة وقيام الرابطة ليحمل بذلك الرابطة وزر ومسؤولية بروز هذه الظواهر الأخيرة المتطرفة من نخب الكبسا.

إننا في الرابطة نرى بأن الحل والمخرج الصحيح هو في مواجهة قوى الهيمنة والتسلط القومي الكبساوي بوضوح في الرؤية وثبات في المواقف المبدئية الموحدة والسعي الجاد لإقامة تحالف لكافة قوى المكونات المهمشة ومن ضمنها مكونات المنخفضات وقواها المختلفة على أساس الاعتراف المتبادل بالتعددية القائمة للشعب الإرتري والإقرار المتبادل بالحقوق الخاصة لكل مكون وبالحقوق الوطنية المشتركة والمتساوية بين الجميع متمثلة في التقاسم العادل للثروة والسلطة والاتفاق لاعتماد نظام حكم لا مركزي دستوري في إرتريا مبني على أرضية التوصل لتوافق حول عقد اجتماعي جديد يؤكد ويقوم على الثوابت والمشتركات الوطنية وضمان المصالح والحقوق والحريات بشكل متساو للجميع. ولنا رؤية متكاملة في هذا الصدد نطرحها عبر هذا المنبر للجميع ونسعى في بلورتها عبر الدعوة لإجراء حوارات مستمرة مع كل الأطراف ذات المصلحة في الوطن لإثرائها والوصول الى عقد اجتماعي يتوافق عليه الجميع ويعتمد كأساس للحكم المستقبلي في إرتريا.

في الختام أكرر شكري وتقديري باسم الرابطة للحضور وللمتابعين.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والذل والعار والهزيمة لقوى الهيمنة والتسلط القومي المتمثلة في النظام ومن يدور في فلكه.

عاش كفاح شعبنا ومجتمعنا من اجل الحرية والرفاهية والكرامة الإنسانية في وطن يسع الجميع.

المكتب التنفيذي لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية.

لندن، في 2/4/2017م

 

شاهد أيضاً

البيان الختامي لاجتماع الجمعية العمومية لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية 22 أبريل و 6 مايو 2023 م

انعقد اجتماع الجمعية العمومية (المؤتمر) الثاني لرابطة ابناء المنخفضات الارترية تحت شعار (نحو التوافق على …

تقرير أخباري عن ندوة رابطة أبناء المنخفضات الإرترية -استراليا-ملبورن

أقامت رابطة أبناء المنخفضات الارترية – فرع استراليا مساء السبت الموافق 11/02/2023م بالقاعة الرئيسية في …

الأمسية الثقافية لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية-أستراليا – فرع أدلايد

أقام فرع الرابطة بمدينة أدلايد بتاريخ 28 يناير 2023 أمسية تراثية ثقافية، حيث تم عرض …

تعليق واحد

  1. نظرة ثاقبة ورؤية واضحة لطبيعة الصراع ؛ هذا ماسيفضي لتحديد العلاج اللازم . وفقكم الله والى الأمام دوما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *