حقوق الإنسان في إرتريا .. بين مطرقة النظام وسندان المجتمع الدولي

 بقلم أبو رامي

منذ أن نالت إرتريا استقلالها من أثيوبيا وهى تعاني من إجهاض لحقوق الإنسان في كافة مناحي الحياة .. حيث حرية التعبير معدومة، وليس هناك تداول سلمي للسلطة، أو منابر للتعبير عن الرأي .. وحتى الدستور الذي صاغه النظام بيديه رغم عدم حصوله على الإجماع الوطني، تم ايقاف العمل به، ما جعل الدولة تحكم وتدار من غير دستور وبلا قانون.

 لذا نجد ان مقاليد حكم البلاد ترزح  تحت  هيمنة الحزب الواحد، في غياب تام للحياة السياسية التي ينعدم فيها وجود أحزاب سياسية أخرى غير حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة .. وحتى هذا الحزب هو اسم فقط حيث أن معظم قياداته في السجون لأنهم طالبوا بإقامة الدستور وإتاحة الحريات .. وأصبح المسيطر علي الحزب شخص واحد متمثل في شخص الرئيس هو الآمر والناهي .. يمثل السلطة التشريعية حيث لا برلمان يدير عمل الدولة .. ويمثل السلطة التنفيذية حيث جرد الوزراء من صلاحياتهم وجعلهم كومبارس يصفقون لسياساته ويطبلون لهفواته خوفا وطمعا ..

فأصبح الرئيس هو من يقرر في مصير الدولة لوحده، يعلن الحروب أحيانا ويجنح للسلم أحيانا دون الرجوع لأي مؤسسية في الحزب او الحكومة .. دكتاتورية مطلقة في التحكم والسيطرة على كل مفاصل الدولة .. كما ان حرية التعبير مصادرة بشكل مطلق فالإعلام مملوك للدولة بشكل تام .. فليس هناك غير صحيفة واحدة وإذاعة وحيدة وتلفزيون أوحد هو الناطق الرسمي باسم الدولة .

وفي ظل هذا النظام التسلطي الماسك بزمام كل الأمور في يده نجد أن حالة حقوق الانسان في  أسوء حالاتها، حيث الحد من حركة المواطنين في التنقل، وعدم السماح لأي مواطن بالسفر إلا وفق شروط معينة وتصريح خاص من الأجهزة الأمنية. كما لا يسمح له بالتملك .. اضافة لمشروع  الخدمة الوطنية الغير محددة الأجل، التي تبدأ من سن 18 سنة وتستمر مدى الحياة ..

 هذا هو وضع الإنسان الإرتري في المجمل العام حيث يشمل هذا الوضع الأشخاص العاديين الذين يريدون أن يعيشوا مثل باقي البشر حياة عادية، يعملون ويدرسون ويسافرون  ..

 أما المصيبة الكبرى فتكمن فيمن يتجرأ ويعبر عن رأيه او يحتج عن سوء الأوضاع وبالكلام فقط وليس بالفعل .. هنا تأتي الفاجعة بأن يتم اختطافه ليلا وعن طريق جهات غير معروفة، يتم اختطافه وسط صراخ أبنائه وعويل زوجته عن طريق أشخاص ملثمين مجهولي الهوية، وبذلك يتم الاختفاء القسري الذي يستمر سنوات وسنوات .. حيث ان آلاف الضحايا ضمن عداد المفقودين،  الذين لا يعرف مصيرهم  أأموات هم أم أحياء ..

وعندما يسأل أهالي المغيبين قسرا الجهات الحكومية الأمنية يتم النفي القاطع بأنهم ليس لهم صلة بقريب او بعيد بهذه الأحداث .. بينما أن المتعارف عليه في كافة أنحاء الدنيا أن الدول لها جهات أمنية اعتبارية لها الحق في استدعاء الأشخاص واعتقالهم ومحاكمتهم، إلا في إرتريا فإن الوضع استثناء حيث تنكر الدولة أي علاقة لها بأي اعتقال  ..

أما الواقع الداخلي المأزوم، فقد جعل الشباب يفر بجلده من هذا الجحيم، فشهدت إرتريا أعلى موجة هجرة في تاريخها لم تشهدها حتي في عهد الاستعمار الأثيوبي .. فمنهم من مات في الصحاري، ومن غرق في البحار، ومن أصبح تحت رحمة تجار البشر يتاجرون به حيا او يبيعونه كأعضاء بشر لبشر آخرين .. حتى أصبح عدد اللاجئين الإرتريين الأعلى نسبة في العالم بعد السوريين.

أن ما يحدث في ارتريا لأمر محزن يند له جبين الإنسانية، فبعد حرب استمرت ثلاثين عاما من الكفاح المسلح المرير والتضحيات العظيمة التي قدمها هذا الشعب المكافح الصامد من أجل الحرية والكرامة والعزة، أصبح الآن مشردا لاجئا يهيم على وجهه رخيصا في سوق تجارة البشر .. لانعدام أبسط شروط الحياة وسبل العيش في وطنه، الذي أصبح مملوكا بالكامل لهيمنة الطغمة الحاكمة ..

والادهى والأمر، وما ساق للتذكير بهذا الواقع الانساني المزرى هو ما حدث مؤخرا في ٢٨ من شهر يناير موعد انعقاد جلسة المراجعة الدورية لحالة حقوق الإنسان في ارتريا تحت قبة مجلس حقوق الانسان في جنيف، حيث ان النتيجة كانت صادمة للشعب الإرتري أولا وللمجتمع الحر وما أرساه من قيم نبيلة ثانيا، حيث أن ٧١ دولة من أصل ٨٠ أشادت وأثنت على تحسن حالة حقوق الانسان الإرتري ووقفت مع التقرير الذي تقدم به ممثل النظام !!! مما يعتبر صفعة قوية  في وجه الإنسانية، وضربة قاصمة لمبدأ حقوق الانسان!!

فالنظام الإرتري الذي ضرب عرض الحائط ورفض الانصياع لكل التوصيات التي رفعت له من المجلس طيلة ٦ سنوات من عمل المقررة الخاصة بحقوق الإنسان  شيلا كيتاروث، يتم مكافأته أولا بالحصول على عضوية المجلس، والآن يتم التقاضي عن كل ما ارتكبه من انتهاكات سافرة بحق الانسان الإرتري من خلال هذا الموقف المشين الذي يجعل سجل النظام الإرتري أبيضا، ويبرأ ساحته من كل ما قام ويقوم به بحق الانسان الإرتري، ما يعتبر تأسيسا لمرحلة جديدة تقوم على أنقاض مبدأ الحقوق مفاده بأن الجناة يمكن لهم أن ينجو ببساطة من فعلتهم!! ما يعني بأننا امام تحول كبير يعتبر تراجعا خطيرا أمام ما حققته البشرية من تقدم في إرساء قيم ومبادئ إنسانية سامية عززت من مبدأ حق الانسان بشكل شامل من خلال الاعلان العالمي لحقوق الانسان ..

لأن ما حدث يعتبر ببساطة  السماح للمصالح والمنافع السياسية للدول أن تعلو فوق قيمة حق الانسان؛ وهذا ما يفقد المفوضية السامية لحقوق الانسان، تلك الهيئة التي شكلها العالم للحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته وحقه في الحياة الحرة، مصداقيتها في صون هذه الحقوق  .. 

والتأكيد بما لا يدع مجالا للشك بأن المنظمة الدولية تكيل بمكيالين، واحد للدول المتقدمة التي لها ثقل ووزن وقوة وسطوة ومال ..  وآخر للدول التي لاحول لها ولا قوة .. فهذه الدول الإنسان فيها رخيص والحرية عنده رفاهية .

وبهذا الحال فإننا  لا نستغرب ان يستمر هذا التراجع لأنهاء عمل المفوضة الخاصة التي تم تعيينها في يونيو من العام المنصرم لمراقبة حقوق الانسان في ارتريا، مادام أن حالة الحقوق قد تحسنت  بشهادة دول المجلس، ما يعني عدم جدوى وجود مقرر خاص!!!

وهذا هو قدر الشعب الإرتري فمنذ بواكير  ثورته التحررية وهو يعاني من تجاهل المجتمع الدولي لنضالاته برغم عدالة قضيته والظلم الذي وقع عليه بضم إرتريا  قسرا لإثيوبيا أمام صمت وتواطؤ المجتمع الدولي ..

وها نحن اليوم أمام هذا الموقف المنحاز للجلاد من قبل هيئة حقوق الانسان، نرى السيناريو يتكرر مرة أخرى بترك الضحايا يواجهون قدرهم  أمام آلة القمع والتنكيل في بلد تحول الى سجن كبير تكتظ زنازينه بآلاف المعتقلين من كل ألوان الطيف الإرتري على اختلاف توجهاتهم من قدامى المناضلين ومعلمين وسياسيين ورجال دين وصحافيين، معلنين براءة زمة النظام من كل ما اقترفت يداه من ظلم وتنكيل بالإنسان الإرتري ..

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *