حجي جابر: لم أخرج بعد من “حالة الخرطوم”.. أحاول فهم ما جرى

 

haji Samrawit-2

rakubaحاوره محمد الفكي سليمان

صوت جديد ومغاير من بلاد الربيع الدائم إريتريا، خرج باكرا ومع ذلك يسكنه الوطن، عاش متنقلا بين عواصم عدة، ولكن مشروعه الكتابي يرتكز بالأساس على عذابات وطنه، الجوع والحروب وقصص الحب المستحيلة، في سمروايت ومرسى فاطمة، بنات أسمرا بلد الورد والصبيات الأنيقات، قصص الكفاح من أجل الاستقلال والفداء والخسارات الشخصية، إنه حجي جابر كاتب الحب والأمل..

في العادة نسأل عن البطاقة الشخصية وبما اننا نعرفك جيدا، دعنا نسألك عن جواز سفرك، وهل هو أول جواز سفر تحمله؟

هل تصدق أنه لم يخطر في بالي هذا الأمر من قبل، لكن ليكن، بالتأكيد إنه ليس أول جواز سفر أحمله. حملت جوازات سفر عدة طافت بي ولا تزال أرجاء المعمورة، وأنا أفعل ذلك بشكل يومي قدر المستطاع. يلفتني العنوان، ثم لا أشعر بنفسي إلا وقد سلّمتُ نفسي لجوازي الجديد، وتركتُ له حرية اختيار الوجهة، ومضيت منقاداً طائعاً إلى وجهة بكر، أعود منها ككل مرة مبللاً بالدهشة، وجائعاً لتكرار التجرية مع جواز سفر جديد.. الكتب يا سيدي هي جواز سفري إلى العالم، كل العالم.

عندما دخلت القنصلية الإرتيرية بجدة لأول مرة رأيت الفتيات الجميلات بدهشة، ثم كتبت عن سمراويت، ومرسى فاطمة، بما يمكن اعتباره محاولة للخروج من قالب ثقافة الجزيرة العربية؟

لستُ متأكداً من ذلك، فقد أكون خلطتُ بين هذا وذلك. من منّا يستطيع التملّص فجأة وبكل يسر من ثلاثة عقود بكل ما تحمله من حب وفرح وحزن وانكسارات؟ أظنني كتبت بالتنوع الذي أحمله، أو فلتقل بتناقضاتي التي تقتات على ضفتي البحر الأحمر بين جدة ومصوع.

سمراويت، ومرسى فاطمة كانتا توقا إلى قصة حب إرترية وأنت الذي أضاع عمره في الصحراء بعيدا عن بلاد الورد والصبيات الأنيقات كما قال هاشم كرار؟

ورود اسم هاشم كرار في سؤالك يشتت تركيزي، فلا أعرف هل أجيب على السؤال أم أتحدث عن الأديب السوداني الذي أحب. عموما دعني أدمج بين الأمرين. كنت أتوق إلى كل الذي أفقد، والفقد بالمناسبة لم يكن في ضفة دون الأخرى، فحياة الإرتريين يتقاسمها الفقد بغض النظر عن الجغرافيا. وهاشم كرار عمّق المعنى في ذهني، فهو وإن استخدم الجغرافيا في عبارته فهو كان يغوص في مساحة الروح ليس إلا، او هكذا أظن.

أعتقد انك معروف في الخرطوم أكثر من جدة التي عشت فيها؟

لم أستطع حتى اللحظة فهم الحالة التي ربطتني بالخرطوم، ثمة أمر سماوي جدل العلاقة بيننا دون عناء. هل تصدّق أيضا أنني لم أخرج بعد من “حالة الخرطوم” إذا جاز لي استخدام هذا الوصف، حيث الناس الذين لا تتطلب محبتهم أكثر من التفاتة أو أدنى، حيث الأرواح التي تُصافحك بودّ صافٍ. كتبتُ وتحدثتُ كثيراً عن الخرطوم ولا أزال، وسأظل أفعل كثيراً، ذلك لأنني أحاول فهم ما جرى، وإن كنتُ أؤمن أن الفهم آخر اهتمامات العشّاق.

أنت ابن الموانئ مصوع، وجدة وللموانئ روح مغايرة؟

ولهذا ربما لا أكاد أستقر في بقعة حتى أغادرها إلى أخرى. للموانئ ضريبتها أيضاً وها نحن نوفيها كاملة غير منقوصة. ابن الميناء قلقٌ ومعلّق من ناظريه بالبعيد، سواء أكان قادماً أو مغادراً. ابن الميناء نزق، فلا يركن إلى رتابة المدن المغلقة، وإنما تنشدّ روحه إلى التقاء الأفق بالبحر، تلك النقطة التي يهواها دون أن يكون لها وجود، وهذا ما يجعل رحلته أبدية ربما!

عرفت إريتريا عن طريق قوقل كيف كتبت عنها روايتين؟

ولهذا أقول إنني كتبتُ داخلي أكثر مما فعلتُ مع الأشياء من حولي. استخرجت الأشجار والأمطار وحجارة الطريق التي كانت ترصف وجداني وأعدت تشكيلها على الورق. فأنا في النهاية كتبتُ إريتريا التي أريد، وليس التي أعرف. رغم أن معرفتي بإريتريا تتجاوز قوقل بالتأكيد، فأنا مولود في إريتريا وقضيت فيها بعض السنوات، قبل خروجي وعدت إليها مؤخرا أكثر من مرة، وهذه المعلومات البسيطة يوفرها قوقل بالمناسبة!

إذاً، الوطن ليس كذبة قالها البعض وصدقها الآخرون والدليل أنك كتبت عن إريتريا وليس السعودية؟

ربما كتبتُ لأؤكد أنه كذبة.. من يدري. عموماً الكتابة حالة، وحالتي لحظتذاك كانت في هذا الاتجاه، ولم أبارحها ربما. نحن أقرب للكفر بأوطننا منّا للإيمان.

الاحتفاء الكبير بك مرده إلى أنك تكتب بالعربية عن وطن مجهول للعرب؟

ربما. وربما لأن إريتريا جزء من وجدان جميل غيبته ظروف غبية، وربما لأن الإصدار الأول ارتبط بجائزة، وربما لأن الإرتريين في جوع لأي فرح مهما بدا هامشيا.

أبناء الثقافة العربية غرباء في إريتريا؟

نعم. وهذا جانب من غربة أكبر تبتلع الإرتريين جميعاً، وهم يرزحون تحت وطأة الظلم والقهر والاستبداد والإقصاء والتهميش.

أنت اللامنتمي ولدت في مصوع، وعشت في جدة، وتعمل في الدوحة؟

ومررتُ بمدن بين هذه وتلك، لكني لا أوافق تماماً على وصفي باللامنتمي. كل مدينة ارتدتها أخذتْ مني وأخذتُ منها. وبهذا يكون فعل الانتماء مشتركاً. لستُ من الذين يمرّون بحياد. المدن بالذات لا يجدر بنا أن نعاملها عن بعد. إذن فأنا منتمٍ، لكن بمقدار!

التقيت عددا من الإرتريين وتحدثوا بغضب شديد وأنت تحكي عن نشيد بلادهم بسخرية. العلم، النشيد الوطني، وغيرهما من الرموز الوطنية تعني الكثير لأبناء الأوطان حديثة الاستقلال؟

لو كان اللقاء صوتياً لسمعتَ قهقهتي الممتدة من هنا وحتى ختمية، الحي الذي ولدت فيه في مصوع. لا يمكن اختصار الإرتريين في شخص سفير النظام!

الجبهة الشعبية ليست شرا مطلقا، هي من قادت الإرتريين للاستقلال؟

الجبهة الشعبية الآن شر مطلق، فهي أدخلت الإرتريين إلى الوطن من باب الاستقلال وأخرجتهم منه من باب الذل والمهانة والظلم والإقصاء والطائفية المقيتة!

الوفاء للثوار سمة أسمرا إذ لا يستطيع أحد ركوب البص قبل أن يركب معاقو حرب التحرير، ماذا عن حكايات حرب التحرير؟

الوفاء للثوار يكون عبر تحقيق أهداف الثورة وليس عبر بعض الشكليات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. الوفاء يكون عبر تحقيق الاستقلال بمعناه الحقيقي، وليس استتباعه بالحرب تلو الحرب في عبث لا ينتهي. أما عن الحكايات فإريتريا عامرة بها، ولن تسعها عشرات الأعمال المقبلة.

انتميت لإريتريا ولا تعرف شيئا عن البلاد الأم (إثيوبيا) الدولة الناهضة لحجز موقع متقدم بين أمم أفريقيا؟

وهل من تمام الانتماء لإريتريا أن يجتاز الواحد اختبارا في مادة التاريخ الإثيوبي؟ ما العلاقة بين الأمرين؟ أنا آسف للرد على سؤالك بسؤالين، لكنني بالفعل لم أصل لمغزى الربط.

ابناء الأوطان الجديدة هنالك شيء يشدهم دائما إلى الوطن الأم، ألم تفكر في هذا من قبل؟

لا أتفق مع هذه الفكرة في ما يخص إريتريا، الأوطان الجديدة تصبح بذاتها الوطن الأم، وإلا لما سعت وأصبحت أوطانا جديدة، وإريتريا لم تنفصل عن إثيوبيا لتنظر للأخيرة كوطن أم، وإنما نالت استقلالها المستحق والذي تأخر لثلاثة عقود.

هبطت من مرتفعات أسمرا إلى كرن، ثم بارنتيو، حتى تسني على الحدود السودانية، وهو ذات الطريق الذي سار عليه الآلاف من الإرتريين نحو السودان، خلافا لهجرة عائلتكم الساحلية إلى الساحل الآخر، ومع ذلك نقرأ بين سطورك أن السودانيين يستعلون على الإرتريين؟

ما أعرفه أنني كنت أكتب سطراً وأترك آخر، لذا من المؤكد أنني تركتُ بين السطور خاليا، فأي شيء قرأته هناك، لم أقم بكتابته.

عندما زرت الخرطوم مؤخرا التقيت بالكاتبة استيلا السودانية الجنوبية التي أصبحت غريبة عن الخرطوم للتو، صف لنا تلك اللحظات؟

استيلا إنسانة رائعة، جسدت بعمق حالة تشظي الهوية، وقد أبكتنا جميعا وهي تعيش حاضرها الجديد دون أن يكون لها قرار فيه، هذا العالم مليئ بأمثال استيلا، ولكن الفارق هنا أنها كاتبة وقد جعلها هذا قادرة على نقل معاناتها بروح الفنان القادرة على اختراق حجب أرواحنا والولوغ بعيدا.

غلاف رواية سمراويت صورة لامرأة يمكن أن تكون سودانية، هل بحثت في المشترك الثقافي والحضاري بين إريتريا والسودان؟

لم أحتج للبحث عن ذلك فأنا جزء من ذلك المشترك، وهو يسكن تفاصيل حياتي، ويحتل مساحة من الوعي واللاوعي لدي.

هل سنقرأ قريبا عن بطولات حروب التحرير؟ أم أنك تفضل عدم الخوض في أعمالك القادمة؟

بالعكس أنا اتحدث دوما عن ما أنوي فعله، لكنني الآن لا أزال أفكر، بالتأكيد سيكون العمل القادم عن إريتريا، فثمة مشروع أنوي المضي فيه، غير أنني لم أصل حتى الآن للشكل الذي سأخرج به فكرتي القادمة

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

تعليق واحد

  1. ابوبكر جيلاني

    انسان راءع وموهوب حجي جابر…. له قدرة انزال معاناته على الورق بحرفية لافتة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *