بقلم: الاستاذ علي جبيب
تاريخيا وواقعيا الكيان الارتري بجغرافيته الحالية ومكوناته الإجتماعية هو خيار المكون المسلم في العموم وتمسك مجتمع المنخفضات بهذه الرؤية على وجه الخصوص بينما كان المكون الكبساوي يعمل من أجل الوحدة مع إثيوبيا كخيار إستراتيجي تبنته النخب الكبساوية وبذلت جهدا من داخل قبة البرلمان الفدرالي وخارجه في حين كان ممثلي المكونات المسلمة في البرلمان يقفون ضد قرار الإنضمام ويرسمون مستقبلا زاهرا باستقلال إريتريا، وقد تعالت أصواتهم حيث قالها الشيخ عثمان هندي في مقولته المشهورة (اتقوا الله) وفي خارج البرلمان كان الزعيم إبراهيم يتحرك يمنة ويسرة حتي لا يتم التوقيع من قبل أعضاء البرلمان على القرار المشؤوم ولكن تآمر وتأثير سدنة الامبراطو هيلي سلاسي على بعض النواب، مكن فريق الاندنت من تنفيذ مخططهم في ضياع وطن وارواح بريئة من الوطنيين تصدت لهذا الأمر.
ما ذكرته من مواقف النخب الكبساوية ليس تجنيا وإنما هي مواقف تاريخية وعلى لسان بعض من نخبهم الذين كتبوا عن ذلك أمثال الدكتور تسفاظيون مدهني في رسالته المشهورة التي تداولها الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يقول (لم تكن لدي معظم النخب الكبساوية الرغبة فى إقامة كيان إسمه ارتريا وإنما العمل كان يجري لصالح الانضمام لاثيوبيا ومشروع دولة تقراي تقرنيا).
هذه المقدمة الطويلة أردت من خلالها التأكيد بأن تمسك الكيان المسلم والمنخفضاتي بوجه خاص بوحدة الوطن والعمل على هذا الأساس كانت مبادئ ثابتة على مر التاريخ النضالي من أجل الحرية والإستقلال. ولم يكن الشهيد حامد ادريس عواتي ورفاقه إستثناءا عن هذه القاعدة عندما اطلق شرارة الثورة في أدال بل كان بالفعل مشروع أمة، وقد وضع نصب عينيه هذا الإرث السوي لمجتمعه في نظرته للوطن الذي ينشده إدراكا منه بأن محاربة العدو للجغرافيا والتاريخ لن تمكنه من ابتلاع هذه الرقعة من الأرض الغالية على أبناءها.
وهذا هو النهج والارث النضالي الذي تم البناء عليه في انطلاقة جبهة التحرير الارترية بقيادة مفجرها القائد الشهيد عواتي ورفاقه الميامين وهذا ماضمن لشرارة الثورة أن تظل متقدة ومتوارثة حتي تم تحرير التراب الإرتري من الإستعمار وجحافله المدججة بالسلاح والقوات المدربة والمرتزقة من مسيحيي الكبسا الذين جابهتهم عبقرية القائد عواتي وإيمان رفاقه الميامين المتسلحين بقوة الإرادة والعزيمة وليس بالأسلحة العتيقة والمحدودة والغير صالحة.
ورغم صعوبة المرحلة ووقوف المكون الكبساوي المسيحي إلى جانب العدو لم يحيد عواتي عن مبدئه في النظر للوطن بكلياته ولم يتعامل بردود أفعال مع المكون الكبساوي الذي كان أشد ضرواة وبطشا بالثوار؛ وعلى هذه المدرسة الوطنية المتفردة أسست جبهة التحرير الارترية واستوعبت فيما بعد كل الذين كانوا في معسكر العدو من مسيحيي الكبسا بل سعت لضمهم واشراكهم في معركة تحرير البلاد.
هذ وقد استوقفتني بعد الكتابات في مواقع التواصل الاجتماعي تتمحور في أن أبناء المنخفضات وجبهة التحرير إختزلوا عواتي في محيطهم رغم أنه أكبر من أن يختزل فيهم ؛ ورغم تاكيدي أن عواتي بالفعل مشروع أمة وبحجم الوطن الذي ضحى في سبيله إلا انني لا أرى في ذلك اختزالا بل أن الإحتفاء والإحتفال من قبل أبناء المنخفضات بعواتي القائد والمؤسس والوطني الغيور وابن مجتمعه البار الذي سار على النهج والمبادئ الراسخة بضرورة وحدة الوطن وتحريره هو احتفاء بزعيم وطني إلا إذا كان الاحتفاء به يضير المحتجين على هذا الاحتفاء !!! وإن كان هناك من اختزال يجب أن يعادى فهو مايمارسه نظام الهيمنة والإقصاء القومي بانكاره لثمرة نضالات عواتي ورفاقه وكل الشهداء الذين سقطوا من أجل الحرية والاستقلال ووحدة الوطن وحرية مواطنيه من أبناء مكونات التعدد الإرتري . بل ان الادهي والأمر هو أن يتم التطاول على الرموز والوطنيين الشرفاء وذلك بالتنكر للمبادئ التي أسس عليها العمل الوطني عندما كان سواهم عبدة الطاغوت ودعاة للانضمام للوطن الام والدعوة لانشاء دولة تقراي تقرنيا؛ ووصل بهم الصلف والغرور أن يرموا ويسقطوا تاريخهم وارثهم في السلب والنهب (الشفتة) على الشريف ناصر المظلومين، عواتي.
إلى الذين لم تروق لهم احتفالات سبتمبر وعواتي وتصاعد وتيرتها لدى الغالب من الشرفاء؛ ان عواتي رمز وطني وان وما نقوم به ليس ردا للجميل فحسب بل تأكيدا بأن المبادئ التي استشهد من اجلها مازالت باقية وحتما ستنتصر وسوف تعيد للوطن عزته وللمواطن كرامته وتحفظ للشهداء الشرفاء تاريخهم ومكانتهم وتقتص من كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الوطن وسيادته وتاريخه ورموزه .وكل سنة وسبتمبر وعواتي نبراس نهتدي به إلى طريق العزة والكرامة.
علي جبيب
آللهم انصرهم