الحسين علي كرار
من الضعف أن يتمني شخص أن يموت خصمه بمرض بل يحبذ أن يموت عدوه علي يده لينتقم منه ، كما قال الأستاذ أشواك في مقاله ، ولكن الشعب الارتري المغلوب تمني أن يموت رئيسه بالمرض ،بل وقتله أكثر من مرة ، و الموت أمر بيد الله لا يعرف الشخص متي يتم ذلك، ولكن هذا التمني هو تمني الضعفاء المغلوبين ،الذين قهرهم بجبروت طغيانه ، وقساوة حكمه ، يقول أبو الأعلى المودودي في محاضرة له مطبوعة في شكل كتيب بعنوان نظرية الحكم في الإسلام السياسي ، إن الله سبحانه وتعالي له الربوبية والإلوهية في الإسلام ، فالرب هو مالك الكون والمعطي والمانع ، والإله هو المعبود والمشرع ، ولكن بعض الطغاة من البشر كالأنظمة الفرعونية والنمرودية والدكتاتوريات الحديثة ادعي طغاتها الربوبية والإلوهية ، الربوبية بما يملكونه من قوة أمنية وعسكرية واقتصادية ، ،والإلوهية بما يشرعونه من قوانين غير قابلة للنقاش إلا السمع والطاعة والتنفيذ، فالفرعون أو الدكتاتور هو المشرع ولا يحتاج لمشرعين، ورسله المنفذين هم وزراءه الذين يحملون حقائبه للتوصيل ، وهناك حوله السحرة والمشعوذين والدجالين من الانتهازيين الذين يصفقون له وهم يعلمون أن ادعاءه للربوبية والإلوهية كاذب ،ولكنهم يفعلون ذلك من أجل مصالحهم وحظواتهم ، وهو يعلم ذلك ويستغلهم ، فإن نكثوا عليه قضي عليهم كما قضي فرعون علي سحرته.
وهذا هو الدكتاتور الارتري الذي يدعي الربوبية والإلوهية ، وأنكر عليه شعبه ما يدعيه من الصفات التي ليست له ولا يملكها ، فينتقم ويسومهم أشد العذاب ،بآلته الأمنية والعسكرية والاقتصادية ، فيؤلف شعبه العاجز القصص والحكايات كل يوم حول وفاته ، فالبعض يراه في الإنعاش ، والبعض يراه في التابوت ، والبعض الأخر يؤكد كل ذلك ، وآخرون يشككون ، ولكن الجميع يقولون بلسان واحد متي يرحل هذا الدكتاتور الذي لا يرحل ، مسكين هذا الشعب الارتري المنكوب في كل شيء ، بعد نضال طويل أنهكه ، تولي أمره فرعون آخر قضي علي كل آماله واستقراره.
وقد مضي عام 2015م بكل ما فيه ، ودخل العام الجديد 2016م هل ستستمر التمنيات والمعانات أم سيحدث ما لم يكن في الحسبان ، ما تقوله قراءة الأحداث لعام 2016م، إن أفورقي محظوظ ويشعر بالاطمئنان والسعادة ، فمع كل ما يمارسه من بطش وقهر وجبروت وطغيان وما ينشره من الرعب والخوف ، وما يحصده من هذه الكراهية حتي من أعوانه ، فإن أحداث العالم تخدمه ، خدمته حرب سوريا بهذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين إلي أوروبا ، وخدمه الدواعشة القتلة بهذا الإرهاب الذي نشروه في العالم والذي لا مثيل له في التاريخ ، وخدمته حرب اليمن التي تقع علي بوابات شواطئه ، وخدمه هبوط سعر البترول الذي كان يخنق خزينته المفلسة، وخدمه ضعف المعارضة التي أصبحت غائبة ومنحته فرصته التي يلتقط فيها الأنفاس ، لهذه العوامل يري أنه يتنفس الصعداء ، ولكن ما لا يراه هو انعدام الحياة الإنسانية لأفراد شعبه الذي من لم يموت منهم في سجنه تحت الأرض أصبح يموت في سجنه الكبير فوقها ، فهو لم يزرع الذرة ولا القمح ولا الفول ولا العدس ولا البصل ولا البطاطس ولا الفواكه ولا الخضروات ليشبع البطون الجائعة الهاربة إلي المجهول ويؤمن لها الغذاء ، وإنما زرع اليأس والبؤس والفقر والجهل والمرض والسجون والموت ، وزرع الكراهية والحقد والفتن والتعصب والأنانية والبغض ، فانتشر هذا التمني الذي فحواه يا ليته مات . فنظامه دمر التعليم الذي كان قائما فبدأ بالجامعة الوحيدة التي كانت شعلة الإنارة ،ودمر ما ورثه من الاستعمار من بنية تحتية ، ولم يسمع الشعب بكلمة اسمها التنمية ، لا مدارس لا مشافي لا مصانع لا طرق لا مزارع لا إنارة ، ولم يؤسس كيان الدولة بالمؤسسات ، ولم يضع قانون للعدالة ، ولم يحفظ حقوق طبيعية للإنسان ، بل فتح معسكرات للتدريب والسخرة ضحاياها الأطفال والشباب والشيوخ والكهول والعجزة ،كلهم عبيد يخدمون مجانا ملكه وربوبيته التي يدعيها لحماية عرشه القائم علي أعمدت جثامين الضحايا والشهداء .
والسحرة والمشعوذون حوله هم التماسيح ، فعندما يمرض يختلفون ويفتحون أفواههم ليأكلوا بعضهم بعضا ، وفجأة عندما يظهر عليهم من المشفى يزرفون أمامه الدموع ، فيقومون بتحسين مظهره ليظهروه للعامة بأنه الحي الذي لا يموت ، فإن كان ظهوره هذا أسعدهم زينوا له شعره بقصات المايكلية الجاكسونية الخفيفة التي تراعي سنه ،وأعطوه الصبغات الخفيفة ، وإن كانوا تعساء بظهوره ، جرّبوا كل ذلك ، فتجد شاربه طويل وصبغته شديدة السواد وشعره مبقع بين السواد والبياض ، ووجهه فاتر ، وألبسوه كحذاء الشهرة الذي ظهر به وسط الأمراء ، فإن سألهم عن مغذي ذلك قالوا له إنها البلوريتاريا وسط الأغنياء ، وهو يضحك ويقول لهم أليس وجودي هذا هو الذي خلق بينكم هذا التوازن ، هذا هو حال الحكم الذي تعيشه ارتريا المنكوبة .
ولكن بإصرار وعزيمة هذا الشعب بشبابه وشيوخه وكهوله وأطفاله الرضع ، الذين يثورون عليه كثوران الزلازل والبراكين التي لا تهدأ بما يشعرون به من هذا الذل والهوان والسلب الذي يعيشونه ،هؤلاء سيسقطون دكتاتورية الفرد وهيمنة السحرة والمشعوذين ،مهما تكالبت عليهم الظروف ، وستسقط كل الآمال التي يعقدونها علي عام 2016 وستأتي إن شاء الله دولة القانون ودولة المؤسسات التي تحمي الإنسان والمال والأعراض ، فإن هذه القوة التي لا تستمدها الدكتاتورية من إرادة الشعب فإنها لن تقيهم حرارة الشمس ولا برد الشتاء .
+
+