بقلم: حامد حاج علي
في سياق التحولات السياسية والتوترات الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، بات من الواضح أن الرئيس الإرتري إسياس أفورقي يعتمد على استراتيجية محددة تهدف إلى تحقيق أهدافه عبر تدخلات مدروسة في الشئون الداخلية للدول المجاورة. ابتداءً من السودان إلى إثيوبيا، مستغلاً موارد إرتريا المحدودة في ذلك من أجل خلق حالة من الفوضى الداخلية لضرب النسيج الاجتماعي لهذه الدول لإضعاف وحدتها الداخلية، بما يمنحه نفوذًا أكبر وقدرة على فرض إرادته، والحفاظ على سلطته السياسية.
1- تقسيم المجتمع في شرق السودان:
في شرق السودان، استغل أفورقي التنوع القبلي والعرقي لبناء تنظيمات عسكرية تمثل مصالح فئات معينة من القبائل. وتشير التقارير إلى دعمه لما لا يقل عن أربعة أو خمس تنظيمات مسلحة، حيث يهدف من وراء ذلك إلى:
• زرع العداوة بين هذه القبائل، بهدف إضعاف النسيج الاجتماعي بين المكونات القبلية المختلفة، ما يؤدي إلى خلق صراعات مستمرة بينها ما يجعلها في حالة تنافس مستمر سعياً لكسب دعم النظام الإرتري، على حساب وحدتها الداخلية.
• السيطرة غير المباشرة على هذه المكونات، باعتباره صاحب اليد العليا القادر على توجيه الصراعات أو تهدئتها عند احتدامها. لإبقاء الجميع في حالة من الضعف مقارنةً بنفوذه المتعاظم أمامها.
2- دعم المليشيات في إثيوبيا (فانو) مثالاً:
تكرر هذا السيناريو في إثيوبيا، حيث يدعم أفورقي مجموعات مسلحة مثل مليشيا فانو التي تلعب دورًا كبيرًا في زعزعة استقرار الحكومة المركزية. ومن خلال دعم هذه المجموعات يهدف أفورقي إلى:
• إضعاف الحكومة المركزية من خلال تشجيع هذه المجموعات على تحدي السلطة الفيدرالية في إثيوبيا، لتقويض قدرة الحكومة على إدارة شؤون البلاد بفعالية.
• خلق انقسامات إثنية وقومية في إثيوبيا من خلال دعم هذه المليشيات لتعزيز الانقسامات القومية بينها، الأمر الذي يؤدي لإضعاف سلطة الدولة.
3- النتائج الاستراتيجية لتدخلاته:
من خلال هذه التدخلات، يهدف أفورقي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
• إضعاف الدول المجاورة بحيث يصبح السودان وإثيوبيا أكثر انشغالاً بمشكلاتهما الداخلية، مما يقلل من خطر أي تحركات معادية ضد نظامه.
• تعزيز نفوذه الإقليمي من خلال الظهور كطرف قوي قادر على إدارة الصراعات الإقليمية أو استغلالها لصالحه.
• إبقاء خصومه في حالة من الضعف سواء داخل إرتريا أو في محيطه الإقليمي، بما يضمن لأفورقي عدم قدرة الخصوم على تشكيل أي تهديد حقيقي على سلطته.
4- التداعيات على السلم الإقليمي:
هذه التدخلات لها تأثيرات خطيرة على استقرار المنطقة:
• خلق الحروب بين المجموعات المسلحة يؤدي إلى استدامة الصراع بينها ما يصعب من مهمة الوصول إلى حلول دائمة لتحقيق الأمن والسلم المحلي والإقليمي.
• زرع العداوات بين المكونات الاجتماعية، الامر الذي يؤدى إلى تآكل الروابط بينها وتفكك النسيج الاجتماعي، مما يعمق الانقسامات داخل الدول.
• تقود الصراعات الداخلية المستمرة التي تخلقها هذه التدخلات إلى إضعاف مؤسسات الدولة، لأنها تعمل على إعاقة بناء مؤسسات قوية قادرة على حماية سيادة الدولة وخدمة شعبها.
الخلاصة:
من ذلك يبدو جلياً بأن استراتيجية أفورقي تعتمد على إشعال نيران الفوضى في دول الجوار لضمان بقائه في السلطة وتعزيز مكانته الإقليمية. ورغم قلة الموارد التي تمتلكها إرتريا، إلا أن هذه التدخلات الصغيرة والمدروسة تثبت أن خلق النفوذ لا يعتمد فقط على القوة الاقتصادية أو العسكرية، بل يمكن تحقيقه عبر استغلال الانقسامات الداخلية للدول المنافسة. ويوضح ذلك بعمق كيف يمكن استخدام هذه التدخلات الصغيرة كأداة سياسية فعالة ومدمرة لأمن واستقرار شعوب المنطقة، الأمر الذي يستوجب تدارك خطورة هذه التدخلات والعمل على إيقافها من قبل الجميع نتيجة لتأثيراتها الكارثية على استقرار وسلامة واستتباب الأمن الإقليمي والدولي بشكل أعم.