مع المناضل نور الدين محمد عبدالله
في حديث من القلب عن نضالات حواضن الثورة
حاوره الأستاذ علي جبيب
يتبع ما نشر:
(وذات مساء راودني الخوف من الطريق المقترح للعودة بعد تنفيذ العملية باعتباره طريق عام، وذلك تفاديا لتعرضهم للملاحقة من قبل العدو، وفكرت في أن تتم العودة عن طريق آخر يمر عبر بستان العم حسن مهري، والمعضلة كانت في إيصال هذه المعلومة إلى المناضل محمود حسب في هذا الوقت المتأخر والذي لا يتواجدون فيه المراسلين. حينها قررت أن أذهب بنفسي وأُبلغ المعلومة، واصطحبت معي الأخ خير محمد علي وتمكنا بعد جهد جهيد من الوصول إلى المناضل محمود حسب وإبلاغه بالمعلومة).
اشرح لنا تنفيذ العملية وكيفية تأمين خروج الفدائيين من المدينة سالمين؟
كان من المقرر أن يتولى قيادة السيارة المناضل عمر حاج إدريس لأنه يجيد قيادة السيارة بالإضافة لمعرفته للمدينة حيث عمل بها كما أسلفنا، إلا أنه تم العدول عن ذلك وتم تكليف السيد عبد القادر عميران، وكانت السيارة التي تم تنفيذ العملية بها لمواطن إيطالي اسمه كلاوديو توتي، والذي كان لديه تعامل مع الجبهة ووعدوه باللقاء في نفس يوم تنفيذ العملية، ونسبة لحضوره بصحبة والدته طلبوا منه إعادتها والعودة اليهم، ثم استقلوا سيارته، وتم احتجازه لساعات محدودة. ثم دخل المكلفين بتنفيذ العملية (وهم المناضل عثمان إزاز والشهيد محمود حسب والمناضل هارون والرابع لا أذكر اسمه) في حوالي الساعة العاشرة صباحا إلى البنك على هيئة سواح مرتدين بناطلين وقمصان ونظارات وكأنهم يجرون معاملات بنكية، ولم يلاحظهم أحد ممن كانوا في الخارج بما فيهم حراسة البنك وتمكنوا من تنفيذ العملية في وقت وجيز وحملوا ما وجدوه من مبالغ في الخزنة وعادوا إلي مواقعهم سالمين. قامت الشرطة بالتحقيق مع المواطن الايطالي الذي استُخدمت سيارته في العملية، للحصول على المعلومات من حيث عدد المناضلين وأوصافهم ثم أُطلق سراحه. أيضا تم التحقيق مع موظفي البنك وكان من ضمنهم السيد سليمان بادمي، ومدير البنك السيد هداد عندو من أبناء مدينة كرن، وموظف آخر اسمه كيداني فرناندو من أبناء كرن لعلاي.
ماذا كان دور أعيان مدينة أغردات، وكيف كانت طبيعة العمل معهم؟
أذكر بعض الشخصيات التي جمعني العمل الثوري بهم، ومنهم: المناضل المرحوم سليمان آدم سليمان حيث كان مسئول فرع تسني وحلقة الوصل بين القيادة الثورية وفرع أغردات، وكان يرسل الرسائل التي تأتي من القيادة الثورية في مظاريف المحكمة التي كان يعمل مقرراً بها بمدينة تسني، وتلك الوظيفة هي التي أتاحت للأخ سليمان الفرصة للتعرف على مفجر الكفاح المسلح الرمز حامد إدريس عواتي، وتبادل الحديث معه عند زياراته المتكررة إلى تسني قبل إعلان الكفاح المسلح حيث كان ينزل مع رئيس المحكمة الشيخ أكد هرودة. وقد كان المرحوم محمد أكد هرودة مديراً لمديرية بركة، الذي يشهد له بقوة الشخصية والانضباط مما فرض احترامه على الجميع، وكان خط سيره محدوداً بين المنزل والمكتب، ولا يظهر في المواقع التي يرتادها بقية الموظفين وكبار الضباط، الأمر الذي جعله محل احترام قادة الجيش أيضا. والأمر المهم الذي ميزه هو اهتمامه بقضايا المجتمع والعمل على حمايتهم من تعديات الجيش الإثيوبي، وذلك من خلال جمع الأعيان الذين كانت بينهم وبينه علاقة ود واحترام وكان يستمع لآرائهم. وينظم لقاءات مشتركة بينهم وبين قيادات الجيش والبوليس عندما تتم تنقلات جديدة، بوداع المنتهية مدته واستقبال القادم، وذلك بهدف خلق علاقات اجتماعية لاتقاء شرهم وإعطاء الأعيان فرصة للتوسط في حالة تعرض أبناء المجتمع للاعتقالات، ومن هؤلاء الأعيان الذين كان لهم دوراً مهما في دعم الثورة وحماية المجتمع أذكر أيضاً الأعمام: حسن عمر آدم، وحسين عمر، واسماعيل أبراهيم أزهري، والشهيد حامد شريف- الذي استشهد مع ابنه هاشم في مجزرة الأحد الاسود.
لا يمكن نسيان دور العقيد محمد علي قرقوش، الذي كان رجلا وطنيا وشجاعاً، حيث كان يتصدى للجيش ويقول لهم أن ليس لديكم سلطة داخل المدينة لأنها تقع ضمن اختصاصات الشرطة، وفي ذات مرة حصلت مشادة بينه وبين أحد ضباط الجيش وكادا أن يشهرا السلاح على بعضهما. أيضا كان يعاتب الميجر عبد القادر محمد علي الذي كان مدير شرطة مدينة تسني وضواحيها عن سماحه للجيش بدخول على قدر وعدم حماية المواطنين منهم.
أيضاً كان لسائقي باصات (ستاي ساني سيابو) دوراً مهماً في نقل الرسائل والمعلومات والمواد بين المدن، أذكر منهم المرحوم أبوبكر محمود ضرار والمرحوم عمر شيكاي (الملقب بعمر بطارية).
وأذكر العم المرحوم الشيخ حامد فرج والذي كانت بيني وبينه علاقة ود واحترام مردها العلاقة التي كانت تربطه بوالدي عليهما الرحمة، وكان الشيخ حامد يهتم بي دون أن يحسسني بذلك، وفي اعتقالي الأخير تواصل مع قضاة المحكمة العسكرية ليبلغهم بأن أمري يهمه. وكان الشيخ حامد يكلفني بإرسال برقيات المجاملات التي يرسلها للمسؤولين في الحكومة ويدفع قيمتها بعد الإرسال.
ومن الذين قاموا بأدوار شكلت خطورة عليهم أذكر العم محمد إسماعيل قدراي والذي كان داره مفتوحا في أغلب الاحيان لاستضافة المناضلين القادمين من الميدان حيث كنا نلتقي بهم في منزله، ونعقد فيه اجتماعات عمل في فترات صعبة بمعايير ذلك الزمن، وبالنسبة لي شخصيا كانت معظم تحركاتي من وإلي الميدان من منزلهم العامر لعلاقة الصداقة التي كانت تربطني بالأخ علي محمد إسماعيل. وآخر عهدي بهذا البيت كان عند خروجي من أغُردات.
كما لا يفوتني ذكر التجار أيضا، حيث كان دورهم مهما فكانوا السند للثورة، فبالإضافة لالتزامهم بدفع اشتراكاتهم الشهرية كان يطلب منهم تلبية احتياجات الثورة من المواد الغذائية وغيرها، ولم يكونوا يترددون في القيام بذلك. ومن الذين كانوا يتعاملون في هذا بكل أريحية وسرور المرحوم محمد إدريس جمع، وأيضا المرحوم الحاج آدم، والمرحوم محمود زايد، والأخ أبوبكر حجاج محمد اطال الله في عمره وغيرهم.
إضافة إلى من ذكرتهم أعلاه من تجار أغُردات الذين كانت تجمعني بهم علاقة العمل النضالي مباشرة في الداخل، لابد من ذكر أسماء من كانوا سنداً لي وكانوا يقدمون إلي النصح والإرشاد، ومنهم: الأعمام إدريس كرار محمد، محمد أبراهيم محمد، الأستاذ صالح محمد محمود، ومحمد عافه همد، وأدالا شهابي، والنقيب عنجه، وياسين حجاج، وعثمان ابكير الذي استشهد في أم حجر مع مجموعة من المواطنين.
لقد تعرضت لاعتقالات متعددة، هلا حدثتنا عن حلقات هذه الاعتقالات المتكررة؟ وما العوامل التي كانت تساعد في خروجك منها؟
كان الاعتقال الاول عندما تم وضع قنبلة في مكتب البريد في عام 1963م، والتي لم تتسبب في اضرار كبيرة حيث انحصر مفعولها في مكتب مدير البريد. وقد تم إلقاء القنبلة في حوالي الساعة السابعة والنصف مساءً عبر أحد شبابيك مكتب البريد، ويبدو أن المقصود كان (السنترال). وكان موظف السنترال حينها المرحوم خليفة يونس، وفني التليفونات إدريس محمد عامر. والغريب في الأمر أنني كنت الوحيد الذي أعتقل على خلفية تلك الحادثة وتم استجوابي وأطلق سراحي بعد 24 ساعة، وكنت لوحدي إلى أن أتوا بأحد الإخوة من أبناء المرتفعات الذي كان مديرا لمكتب العمل، حيث وجدوا معه نسخة من المنشورات التي وزعها المناضلون، والذي ربما أخذها لاستخدامها كورقة لأنه لا يعرف اللغة العربية.
كان الاعتقال الثاني عندما أحرقت الجبهة باص شركة ستاي، وكنت قد ذهبت إلى موقف شركة حجي حسن للمواصلات لإرسال طرد البريد وصادفني مسئول الأمن بالشرطة هناك وطلب مني الحضور إلى المركز. فكرت في الأمر وذهب ظني في أنهم علموا بوجود شقيقي جمال في الميدان حيث كان يتم استدعاء كل من كان أبناؤهم في الميدان. ولم يستغرق الأمر وقتا حيث أمر أحد عساكره بإدخالي إلي الزنزانة، قلت له إنني موظف حكومي ولا بد من الاستئذان من إدارتي. كان رده بالشتم بقوله “يا حرامي”. وأثناء ذهابي مع العسكري الذي اقتادني إلى المركز قلت له إن الضابط شتمني وأنت ستكون شاهداً على ذلك. وأثناء إجراءات التسجيل وصل الضابط وسألني عما أقوم به، مضيفا بأن أغلبهم يعرفون ما أقوم به في المدينة. من جانبي تجاهلت السؤال وركزت في تصرفه بشتمي وواجهته بذلك قائلا هل تعرفني من أنا وابن من؟ لوح بعصاه وهددني بلغة التجرينية ” تنفاسكا كاوظاكا إي” ما يعني انه سيقتلني، وكان ردي أين تدخل بعد أن تقتلني” عندها تركني وخرج ليقوم رئيسه باستدعائي وذكر محاسن والدي وطلب مني أن اذهب إلى بيتي. رفضت الذهاب وقلت له إن الرجل شتمني ولابد من معرفة السبب. وبعد حوار بيني وبينه وجهني بأن اعود في المساء للنظر في الموضوع. خرجت منه ولم أعود اليه. هذا الاستجواب كان وقته قصير ولم أدخل الزنزانة. وأثناء خروجي من المركز وجدت المرحوم الاستاذ صالح محمد محمود والمرحوم محمد ابراهيم محمد سعيد، في طريقهما الى مركز الشرطة للاستفسار عن أمري، والحمد لله رجعنا سويا.
يتبع……