“رؤيتنا حول تطورات الأحداث الداخلية والخارجية وانعكاساتها المتوقعة على الشعب والوطن”.
إن سياسة الهيمنة والإقصاء الممنهجة التي اعتمدها ومارسها النظام إضافة لطبيعة الحكم الديكتاتوري الفردي المطلق والخاضع بشكل كلي لمزاج وتقديرات رئيس النظام، بعيدا عن ابسط أسس إدارة الدولة المتعارف عليها والمعمول بها دوليا، قد أوردت البلاد موارد الهلاك المحتوم مما أوصلها في نهاية المطاف إلى وضع الدولة الفاشلة الحالية.
الغريب في الأمر، مؤخرا تم تأكيد حقيقة الفشل الذي حل بالبلد وبدون مواربة على لسان من كان أساسا مسؤولا عن هذه الحالة المأساوية التي تعيشها البلاد عبر اعتراف صريح لرئيس النظام إسياس أفورقي في لقاء صحفي. الأمر الذي أثار الدهشة والتساؤل المشروع لدى الكثيرين وسبب الإقرار الآن بالحقيقة المرة عكس ما ظل يردده النظام وأنصاره طوال الثلاثين سنة العجاف التي مرت بالشعب. ليس فقط بالتستر، بل بتزوير الحقيقة وتضليل الشعب بكافة الوسائل والإمكانيات المتوفرة للدولة برسم صورة وردية كاذبة للواقع المذري، والزعم بأن البلاد مستمرة في تقدم مضطرد، حققت عبره تنمية غير مسبوقة أدت لتحسين الوضع المعيشي في كل المجالات الحياتية.
إننا نعتبر دافع هذا الاعتراف ليس نابعا من صحوة ضمير متأخرة تهدف لمراجعة وإصلاح ما أفسده النظام، وإنما هو اعتراف بالحقيقة ولكن يراد بذلك باطلا لشيء ما في نفس إسياس. وعليه، هذا الاعتراف يجب أن يُقرأ في سياق سلسلة التطورات التي جرت في العلاقة بين رأسي النظامين في إرتريا وإثيوبيا بشكل دراماتيكي مذهل وما تلاها من خطوات متسارعة وزيارات مكوكية متبادلة بينهما وما تخللها من تصريحات وتلميحات هنا وهناك بما فيها من تفريط بسيادة الوطن الأمر الذي أثار ريبة وشكوكا لدى كافة الوطنيين حول نوايا وأهداف هذه العلاقة المشبوهة.
إن النظام من خلال اعترافه بفشل البلاد في كافة المجالات أراد تأكيد أن هذا الفشل ليس سببه سوء إدارة النظام الحاكم، بل يكمن في خيار الوطن المستقل الذي خلق بلدا غير قابل للحياة اقتصاديا في إعادة لتدوير مسوغ قديم طالما تم استخدامه في وجه رغبة وطموح الوطنيين في تحقيق خيار الاستقلال التام من قبل دول الحلفاء لتبرير تمرير مخطط ربط إرتريا بشكل أو آخر بإثيوبيا في فترة تقرير المصير. كذلك يريد النظام باعترافه هذا أن يقول بأن تجربة إرتريا المستقلة كانت فاشلة وعليه يجب التوجه إلى ربطها بإثيوبيا. لذلك، ليس محض صدفة أن تطالعنا تصريحات من بعض النخب الإثيوبية تدعو علنا للإسراع بتصحيح الخلل التاريخي وإعادة ربط إرتريا بالوطن الأم إثيوبيا بشكل أو بآخر وذلك بالتوازي والتوافق مع تصريحات إسياس الأخيرة.
إن المنطقة من حولنا تعج بحراك مجتمعي وسياسيي نشط حقق إنجازات مشهودة لمصلحة الشعوب ولكن لايزال يُواجه بمقاومة شرسة تصاعدت وتيرتها وحدتها وأفضت لمواجهات عنيفة بين محورين متناقضين في المصالح – القوى القديمة التي كانت ممسكة بزمام الأمور لردح من الزمن وتعمل الآن بضراوة لاستعادة قبضتها على سلطة الدولة المركزية في السودان بعد أن أطاحت بها ثورة شعبية. وفي إثيوبيا حيث يعد الحكم الفيدرالي مكسبا تحقق للشعوب الاثيوبية بعد نضالات طويلة ومتواصلة وأدى إلى إزالة هيمنة الأمهرا وصمد لقرابة الثلاثة عقود، وبدلا من أن تقوم قوى التغيير التي جاءت نتيجة لانتفاضات شعبية بإصلاح القصور في طرائق تنفيذ الحكم الفيدرالي، رضخت لقوى الهيمنة وأعوانها في الداخل والخارج وها هي تسير باتجاه دعم محاولاتها المحمومة للسباحة ضد التيار والعودة بالشعوب الإثيوبية إلى نظام الدولة الأحادية المركزية.
وبرغم الصعوبات، فإن ثورة الشعوب وقواها الحية مستمرة في خوض نضالات يومية للحيلولة دون ضياع المكاسب التي تحققت لمصلحة مكوناتها المتعددة في كلا البلدين من خلال عمل يستهدف تثبيت وتعميق دعائم التحول الديمقراطي وبسط العدل والمساواة وإجراء المفاوضات والحوارات الجادة في سبيل بناء نظام دولة حكم القانون اللامركزية على أساس التوافق على عقد اجتماعي بين كافة المكونات بما يضمن المصالح والحقوق والحريات واستتباب الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي والازدهار المتوازن لكل مكونات شعوبها.
إن تطور الصراع الجاري وحسمه لصالح أحد الطرفين المتصارعين ضمن هذه الدول سيكون له انعكاسات سلبية أو إيجابية في صراعنا مع نظام الهيمنة والإقصاء الحاكم في إرتريا. ولذلك، فإن النظام إدراكا منه لهذه الحقيقة لا يتوانى حتى عن التدخل السافر في شؤون هذه البلدان داعما لمحور القوى القديمة لمساعدتها في خلق العراقيل أمام سيطرة القوى الثورية الصاعدة حتى لا تمتد اليه مما لا يترك لنا خيارا إلا أن نلعب دورنا في التصدي لهذا المخطط بكل الوسائل المدنية المتاحة.
وفي خضم التحديات الجسيمة التي أصبحت تهدد سيادة الوطن والتطورات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة المحيطة بنا، نجد معظم قوى المعارضة غارقة في سبات عميق أو خلافات بينية لتسجل بذلك غيابا ملحوظا في وقت تتشكل فيه ظروف جديدة وعميقة في واقعنا الجيوبولتيكي. وحتى القليل من التحرك الخجول الذي يجري حاليا من بعض قوى المعارضة هو في اتجاه يعزز استمرار الهيمنة القومية السائدة لمكون الكبسا بوجوه جديدة على حساب إقصاء قوى المكونات المهمشة لما يبدو أنه استعداد لمرحلة ما بعد النظام في ظل زيادة هوة الثقة المفقودة بين المكونات الإرترية والشاهد على ذلك طبيعة وتكوين وتوجهات الاجتماعات التي تعقدها هذه القوى، مثل الاجتماع الذي عقد في المانيا والاجتماع المتوقع عقده في بريطانيا، مما يدل بأن المعارضة لم تتعظ من أسباب فشل نظام الهيمنة الحاكم ولم تستفد من الدروس المستمدة من تجارب ونضالات شعوب المنطقة حولنا والتي تسعى جاهدة لإرساء قواعد ثابتة لنظم تضمن المشاركة العادلة لكل مكوناتها في السلطة والثروة على أساس التوافق على عقد اجتماعي في إطار نظم حكم لا مركزي دستورية.
إننا في الرابطة نرى إن التطورات بالغة الأهمية التي تجري في إرتريا ودول الجوار من حولنا تستدعي المتابعة والتفاعل والفعل الإيجابي من كل من يهمهم الأمر، وفي هذا الصدد وإدراكا منا لواجبنا الوطني الذي يحتم علينا التصدي لما يتعرض له مجتمعنا والمكونات الإرترية المهمشة الأخرى، وما يتعرض له الوطن عموما من تحديات ومخاطر جمة تهدد وحدة أراضيه وسيادته، يدعونا لإيجاد مقاربات جديدة من ضمنها دعوة كل القوى والتنظيمات التي تمثل المكونات المهمشة وكل الذين يناهضون نهج الهيمنة القومية، للعمل بجد وإخلاص على أساس برنامج الحد الأدنى للتصدي الفعّال للأخطار الجسيمة التي تحدق بالوطن. وسوف نبذل كل ما في وسعنا لتبرز هذه القوة الوطنية الموازية للوجود كونها ضرورية لاستعادة التوازن المفقود حاليا بين المكونات المهمشة وبين قوى الهيمنة في الداخل والخارج حتى يستقيم الوضع بحيث لا يسمح مستقبلا بتجاوز أو تهميش أي مكون من مكونات الوطن.
ويستمر نضالنا ضد كافة قوى التهميش والإقصاء.