بيان حول الانفراج في علاقات الحكومة الإثيوبية بالنظام الإرتري

تابعت رابطة أبناء المنخفضات الإرترية وما زالت تتابع عن كثب وببالغ الاهتمام، التحولات الجارية في أثيوبيا منذ استلام الدكتور آبي أحمد لرئاسة الوزراء واتساع دائرة تلك التحولات لتشمل الدول المجاورة لأثيوبيا بصفة خاصة، وإقليم القرن الإفريقي وما وراءه بصفة عامة.

والرابطة إذ تتابع التطورات الأخيرة، إنما تنطلق من مبادئها الثابتة والمعلنة في وثيقتها الصادرة في مارس 2014م وإعادة تأكيد ما جاء فيها عبر مخرجات مؤتمرها التأسيسي في يوليو 2016م، واضعة نصب عينها ما ورد في شأن ضرورة بناء وتعزيز والالتزام بعلاقات إيجابية مع دول الجوار والإقليم والعالم أجمع على أساس الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية والمصالح المشتركة بين جميع المعنيين.

والأمر كذلك، لا يفوتنا أن ننوه بأنه رغم المرارات التاريخية والحروب، إلا أن العلاقة بين الشعبين الإرتري والأثيوبي لها خصوصيتها وعمقها التاريخي والاجتماعي والثقافي والكثير من العوامل المشتركة التي تستوجب من الطرفين تنميتها وتطويرها في شتى مجالات التعاون بما يخدم المصالح الثنائية والإقليمية على أن يتم ذلك كما أسلفنا في إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية لكل الأطراف.

إن التطورات الجارية في أثيوبيا والتي جاءت استجابة للمطالب الشعبية الداعية لمزيد من الديمقراطية والإصلاح في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تعتبر تأكيدا بأن لا صوت يعلو فوق صوت الشعب، والمأمول من هذه التغييرات العميقة والمطلوبة المساهمة في تطوير الهياكل وتجويد الأداء لنظام الحكم القائم في تعزيز المزيد من الإنجازات في اتجاه تحقيق أفضل للوحدة في إطار التنوع واللامركزية والتقاسم العادل للسلطة والثروة بصورة إيجابية.

إننا نراقب الأحداث بتفاؤل مشوب بالحذر، وذلك لما للدور الأثيوبي من تأثير وانعكاسات سواء سلبا أو إيجابا على مجريات الأحداث في المنطقة، ولتأثيره المباشر على مستقبل السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي، ليس فقط على الشعب الأثيوبي، بل على شعوب المنطقة عموما وبوجه خاص على إرتريا.

إن مايهمنا كمكونات للشعب الإرتري بالدرجة الأولى هو إن التحولات في أثيوبيا قد تجاوزت آثارها الإطار المحلي إلى أهداف ومسارات عدة في اتجاه إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية وخاصة العلاقة مع إرتريا وهو الأمر الذي بدأ بإعلان رئيس الوزراء الأثيوبي الدكتور آبي أحمد في 5 يونيو 2018م الذي أبدى فيه استعداد الحكومة الأثيوبية لتفعيل اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين في الجزائر في ديسمبر 2000م وقبول تنفيذ قرار مفوضية ترسيم الحدود الصادر في إبريل 2002م بدون شروط، الأمر الذي تبعته استجابة رأس النظام الإرتري وتسارعت بعد ذلك الخطى نحو التطبيع بوتيرة متصاعدة.

وانطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن السلام بين البلدين الجارين يجب أن يكون هو الوضع الطبيعي السائد وليس الاستثناء، نؤكد بأن إعلان أثيوبيا رغبتها لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم، تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح رغم تأخرها، وذلك للأسباب التالية:

  • كونها استحقاق وامتثال للقانون الدولي لتنفيذ قرار التحكيم في معاهدة الجزائر والذي وافق الطرفان على الالتزام المسبق بنتائجه.
  • كونها تصب في نهاية الأمر في مصلحة السلام والاستقرار بين الشعبين، حيث إن حالة اللاحرب واللاسلم قد كلفت البلدين أثمان باهظة من التضحيات في الأنفس والأموال وكانت خصما كبيرا على فرص النماء الاقتصادي والازدهار والأمن والاستقرار بينهما.
  • كونها تكشف زيف المبررات الواهية التي استند إليها نظام إسياس وأعوانه لإدامة حالة الاستنفار والتجييش المستمر للشعب الإرتري، وفرض أعمال السخرة، واستمرار مصادرة الحقوق والحريات، وتأجيل كل الاستحقاقات السياسية والتنموية بحجة ضرورة توجيه كل الطاقات والإمكانيات من أجل الدفاع عن الوطن ضد العدو الخارجي، وتعللاً بهذا المسوغ بقي في السلطة بلا تفويض وعبر حكومة مؤقتة لما يقارب الثلاثة عقود.

ولابد هنا، من تذكير جميع المعنيين في دول المنطقة بما فيهم أثيوبيا بتأريخ وسجل النظام العدواني الشرس في علاقاته مع دول الجوار منذ أن اعتلى سدة الحكم في إرتريا:

صحيح أن الدفاع عن الوطن حق مشروع وواجب على كل دولة، إلا أن مشاكل الحدود لا تحل بالحروب، وهناك العديد من دول العالم لديها مشاكل حدود مماثلة وتسعى لحلها عن طريق التحكيم وعبر المؤسسات الدولية، لذا فإن حروب النظام كانت لأجندات خاصة به تُمَرَر تحت مُبرر الخلافات الحدودية.

فبالإضافة للحرب الإرترية الأثيوبية المدمرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من البلدين، خاض النظام الإرتري حربا مع اليمن بافتعال النزاع حول ملكية جزر حنيش التي انتهت بالتحكيم لصالح اليمن، كما اجتاح شرق السودان تحت غطاء دعم المعارضة السودانية وقام بتسليم السفارة للمعارضة في إجراء غير مسبوق ومخالف للأعراف الدبلوماسية، وخاض معارك ومناوشات حدودية مع دولة جيبوتي في فترات متقطعة حول منطقة “دميره”، ما أدى إلى نشر قوات أممية لحفظ السلام بين الدولتين.

كل ما سبق يوضح بأن نظام إسياس نظام مغامر لا يُؤمَن شرّه ضد جيرانه مهما تطورت العلاقات، وجميع حروبه مع جيرانه واصطفافاته المتقلبة في المحيط الإقليمي تدل على ذلك.

وبما أن السياسة الخارجية للنظام الإرتري هي انعكاس لسياسته الداخلية وعلاقاته مع الشعب الإرتري بالدرجة الأولى، لا يمكن أن يحقق نظام إسياس السلام الدائم والاستقرار والتعاون الاقتصادي كما يأمل جيرانه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وخاصة نظام فاقد للشرعية الدستورية والشعبية وغير متصالح مع نفسه وشعبه، بل هو في حالة حرب مستعرة ومستمرة مع شعبه منذ ما يقارب الثلاثين عامًا ويحكم البلاد والعباد بالقهر وقوة الحديد والنار وإشاعة الخوف والإرهاب، ما وضع البلد عرضة لتدهور أمني واقتصادي وإداري، لتنزلق إلى مصاف الدول الفاشلة في جميع مناحي الحياة.

لذا، بالرغم من إدراكنا لأهمية وضرورة استتباب الأمن والسلام بين الشعبين من خلال حل كافة المشاكل العالقة بينهما ودياً ومن ضمنها مشكلة الحدود القائمة التي تضمنتها مبادرة رئيس الوزراء الأثيوبي، إلا أننا نعتقد جازمين بأن الطرف الإرتري الذي يمثله نظام إسياس غير موثوق به وغير مؤهل لإنجاز مهمة تحقيق السلام الدائم مع أثيوبيا، لأن من كان سبباً في إشعال الحروب والدمار في المنطقة، وقتل وتشريد مكونات الشعب الإرتري، لا يمكن أن ينهج نهج السلام لأن ذلك يتناقض أصلاً مع طبيعة وجوهر النظام القائم على الهيمنة القومية والإقصاء.

ونُذَكّر هنا، بأن النزاع على منطقة “بادمى” لم يكن السبب الحقيقي وراء إشعال الحرب، بل كان مجرد حجة من إسياس، حيث أنه كان متجاهلا لتواجد الجبهة الشعبية لتحرير تجراي (ويانى تجراي) عليها طوال فترة حرب التحرير ولمدة سبع سنوات بعد الاستقلال، بحكم التحالف القوي والعلاقات المميزة التي كانت قائمة بين “الجبهة الشعبية” وفصيل “ويانى تجراي” في تلك الفترة، وهي الجهة التي ساعدته في التمكن من الانفراد بالساحة الإرترية والقرار الوطني وفرض الهيمنة القومية على بقية المكونات الإرترية، حيث وصلت العلاقة إلى مراحل متطورة بعد التحرير بتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك وأمنية واقتصادية وغيرها بين الجانبين.

وعلى المستوى الإرتري الداخلي، إن فض النزاع الحدودي بين الجارتين أثيوبيا وإرتريا، وترميم العلاقات بينهما مع أهميته، لا يحل معاناة الشعب الإرتري لأنه لا يمس جوهر المشاكل الأساسية المتمثلة في غياب المشاركة العادلة في السلطة والثروة وما ترتب عليه من حرمان الشعب من الحقوق والحريات، فهذه استحقاقات لابد من الوفاء بها ليستتب السلم والأمن الداخلي وذلك بالعمل على أساس دستور متفق عليه لبناء دولة حكم القانون، وضمان حرية التعبير والحريات العامة، وإطلاق سراح كل المعتقلين والمغيبين قسريا من سجناء الرأي والضمير، وإعادة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية، واعتماد وسائل وأساليب العمل الديموقراطي وسيلة لتداول السلطة وتسيير الحياة السياسية في البلاد، مما يؤكد بأن الهدف الرئيسي من وراء إشعال الحروب وخلق حالة عدم الاستقرار في المنطقة من قبل النظام الإرتري كان دائماً للهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الداخلية ولصالح تمكين مشروع الهيمنة القومية والإقصاء الذي كانت كلفته باهظة الثمن، دفعها وما زال الشعب الإرتري من أمنه واستقراره وازدهاره، وقتلا وتشريدا وتهجيرا، واحتكارا لكافة مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا، وانتهاكا لكافة حقوقه الإنسانية.

إن تأريخ سجل النظام السيئ في مجال حقوق الإنسان يغنينا من عناء التعريف به بالسرد التفصيلي لكل جرائمه، ولكن لا مناص من القول بأنه برغم التقارير المتعاقبة التي قدمتها جهات عديدة موثوقة ومعنية بالأمر أمام المجتمع الدولي وعبر هيئاته الأممية عن انتهاكاته وتجاوزاته السافرة لحقوق الإنسان، إلا أن النظام لم يتعاون مع تلك الجهات ولم يلتزم بأي من تلك القرارات والتوصيات المقدمة لتحسين أوضاع المواطنين، بل إن النظام مازال سادرا  في غيه ضاربا بالقرارات الدولية عرض الحائط في إصرار همجي متماديا في تنفيذ سياساته الإجرامية ضد مكونات الشعب الإرتري.

إن التقارير الصادرة منذ تعيين مقرر خاص عن حالة حقوق الإنسان في إرتريا في 2012م وآخرها تقرير المقررة الخاصة، السيدة شيلا كيثاروث، في 25 يونيو 2018م، والتقرير الدامغ الذي قدمه السيد مايك سميث، رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن حقوق الإنسان في إرتريا إلى مجلس حقوق الإنسان في 4 يونيو 2015م والذي جاء فيه: “خلصت اللجنة إلى أن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واسعة الانتشار ومنهجية، ارتُكبتها وتواصل ارتكابها مؤسسات الدولة في إرتريا في ظل إفلات تام من العقاب”. ويضيف “النتائج التي خلصنا إليها مثيرة للقلق. فالانتهاكات الكثيرة في إرتريا ذات حجم ونطاق قلما يُرى مثلهما في أي مكان آخر في العالم،”. كل ما سبق خير دليل على واقع الحال المتردي في إرتريا وإن النظام غير مؤهل البتة لإحداث تحولات حقيقية تفضي إلى سلام مستدام.

نختم بتذكير كل الدول الصديقة وفي مقدمتها الجارة أثيوبيا، وكل اللاعبين الإقليميين والدوليين، بأن السلام المستدام يجب أن يكون شاملاً وخالصاً للغايات الكبرى المراد الوصول إليها، لا أن يكون من أجل النكاية بهذا المكوّن الاجتماعي أو ذاك أو إعلاء شأن هذا المكون الاجتماعي أو ذاك على حساب المكونات الأخرى كما حصل في السابق. كما أن السلام المستدام يتم بين الشعوب وعبر أنظمة حكم متكافئة تمثل شعوبها ومفوضة ديمقراطيا منها، وهو الشرط الذي لا يتوفر في النظام الإرتري الحالي، وعليه:

ندعو اللاعبين الدوليين والإقليميين أن يطالبوا إرتريا بما يطالبون به أثيوبيا من إصلاحات سياسية داخلية تصب في اتجاه المزيد من الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان الأساسية وتوسيع قاعدة المشاركة، خاصة وإن هذه الأمور الضرورية – على الأقل حتى الآن – لم تكن ضمن الشروط المطلوب من النظام في إرتريا الوفاء بها، كما أن إسياس لم يشر إلى أي إصلاحات داخلية سيقوم بها في خطابه الخاص بقبول المبادرة أو في خطابه أثناء زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي.

كما ندعو أثيوبيا للوقوف على مسافة واحدة من المكونات الإرترية وعدم تكرار تجربة دعم هيمنة مكوّن على حساب المكونات الأخرى، خاصة وإن الحكم القائم في إرتريا لا يحظى بدعم شعبي ولا يحكم بدستور ولا مؤسسات، بل إنه يعتمد على المزاج الشخصي المتقلب لرأس النظام.

وعلى المستوى الإرتري، ندعو كافة المكونات الإرترية والقوى السياسية والمدنية إلى التريث وعدم التعجل في الحكم اعتمادا على ما يجري في أثيوبيا من أن حل إشكالية “بادمى” سينعكس إيجابا على الوضع الداخلي في إرتريا من حيث عمق وصدقية التغيير المنشود، إذ أن كل المؤشرات المتوفرة حتى الآن لا تنبئ بذلك. كما ندعو الجميع إلى العمل المشترك وتجاوز الخلافات البينية والتركيز على تحقيق تغيير حقيقي قائم على أساس تعاقد اجتماعي واضح المعالم من أجل وطن يسع الجميع ويحقق الاستقرار والنماء والأمن والسلام. ونؤكد قناعتنا الراسخة باعتبار أن مهمة التغيير في إرتريا هي مسئولية الإرتريين بالدرجة الأولى مع الترحيب بالمساعدة والمساندة من الجهات الخارجية لتحقيق المقاصد المذكورة آنفا.

إننا نأمل أن توجه وتوظف كل المساعي والخطوات الجارية في أثيوبيا في اتجاه يحقق مصالح مكونات الشعبين الإرتري والأثيوبي وتطلعاتهما نحو الحرية والاستقرار والتقدم والازدهار وبما يعزز السلام والتعاون بين شعوب المنطقة.

رابطة أبناء المنخفضات الإرترية

المكتب التنفيذي

شاهد أيضاً

بيان بمناسبة الذكرى السادسة لميلاد رابطة ابناء المنخفضات الارترية

تمر علينا الذكرى السادسة لميلاد رابطة أبناء المنخفضات الارترية التي انطلقت في 29 من مارس …

إرتريا: منعطف خطير آخر

“رؤيتنا حول تطورات الأحداث الداخلية والخارجية وانعكاساتها المتوقعة على الشعب والوطن”. إن سياسة الهيمنة والإقصاء …

الذكرى 56 لمعركة تقوربا الخالدة

كثيرة هي الملاحم التي سطرها جيش التحرير الارتري في مواجهة قوى البغي والطغيان ممثلة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *