شخصية العدد- الجزء الثاني
كان الشهيد عواتي يملك وعياً سياسياً مبكراً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التقاءه بالسيد كرانكيل في فانكو بمنطقة تسني وكان الاجتماع بحضور كل من السيد عمر حسنو والسيد علي راداي (وكلاهما كانا مسئولين في الإدارة البريطانية ). حيث ذكر عواتي بانه سمع التحذيرات التي اطلقها البريطانيين بأنهم سوف يقومون بحرق القرى وسجن الأبرياء واحتجاز الأملاك في حال عدم استسلامه، وأشار بأن كل ذلك لا يخيفه وأنه سيستمر في نشاطه كمدافع عن شعبه، واذا قامت بريطانيا بالاستيلاء على أموال الشعب وممتلكاته، فإن العالم أجمع سيكون شاهداً على حجم الفظائع المرتكبة من قبلهم. كما أشار عواتي إلى أنه على علم بطريقة العمل في الحكومة الاثيوبية والسودانية، والتي على الرغم من ضعفها إلا أنها افضل حالاً من الإدارة البريطانية في إرتريا. ويدل كل هذا الحديث للوعي المتقدم الذي كان يتمتع به عواتي والمامه بما يحدث في الجوار، إضافة الى درايته بما نسميه اليوم رأي المجتمع الدولي وتأثيره. من هنا يشير الدكتور محمد خير ان الشهيد كان يمتلك هذا المستوى من الوعي قبل اكثر من عشرة سنوات من اعلان الكفاح المسلح. كما أن افادة المناضل محمد سعيد ناود بأن الشهيد عواتي كان عضو في حركة تحرير إرتريا، وإن التواصل معه كان يتم عبر ممثل الحركة في أغردات السيد محمد يوسف آدم، وهذه شهادة أخرى بأنه كان منخرطا بشدة في التطورات السياسية في داخل البلاد، وأيضاً دعمه للرابطة الاسلامية قبل ذلك يعبر عن موقفه المؤيد للاستقلال .
أما في فترة الحكومة الارترية أي بعد عام 1951م كان هناك تحديين:
التحدي الاول : النشاطات المكثفة للشفتا في الجنوب لوجود المكاتب الرئيسية للشفتا التابعيين للاتحاديين في تجراي، حيث كان المكتب الرئيسي للميزانيات في مدينة اكسوم تحت ادارة نبريد جراميكائيل تيبيو الذي كان رئيس الكنيسة الأرثذوكسية، في حين أن العمليات العسكرية للشفتا كانت تُقاد من قبل العقيد اسياس جبراسيلاسي الذي كان حاكما لمنطقة عدوا.
التحدي الثاني: كان يتمثل في المداهمات من قبل الرشايدة في الحدود السودانية، الذين كانوا لا يستهدفون نهب المواشي فحسب، بل كانوا يخطفون الأطفال أيضا لاستعبادهم. ولم تكن الحكومة الارترية قادرة على حماية الشعب. وعلى الرغم من ان حامد عواتي كان يعيش كمواطن عادي، إلا أنه لم يكن يحتمل أن يرى شعبه في المنطقة يعاني من مهددات الشفتا، وشعر بضرورة مواجهتهم، وكان واثقا بأنه قادرا على ذلك. خاصة بأن حجم نشاطات الشفتا كان هائلا وقتها، حيث قدّرت الادارة البريطانية الاحداث المتعلقة بالشفتا بعدد 130 حادثة في الشهر الواحد، وإن أعداد الشفتا في المنطقة بلغ 2000 فرداً، 35 منهم من مسلمي المنخفضات. وقد كتب الشهيد عواتي متأثراً بانزعاجه من أعمال الشفتا خطابا شديد اللهجة لسكرتير الادارة الداخلية ولمفوض الشرطة في 1 مارس 1956م مقترحا على تكوين قوى مسلحة من الرعاة من أبناء البني عامر والنارا والماريا وسكان المرتفعات الارترية، وأنه على استعداد لقيادة القوى اذا وافقت الحكومة. ولكن الحكومة تجاهلت الأمر ولم ترد على طلب عواتي، وبعدها بخمس سنوات أبدت الشرطة في العام 1961م الرغبة في طلب عواتي للحضور لأسمرا لمقابلة مفوض الشرطة ولكن نظراً لوجود شكوك حول نوايا الشرطة تجاه عواتي، بأنهم كانوا يسعون لإعتقاله، إلا أنه كان بنفس القدر يعلم بنيتهم، لذلك لم يسافر إلى أسمرا، علماً بأن سكرتير الداخلية كان السيد ارآيا أواسي وتتبعه قوات الشرطة والأمن، الذي كان عضواً سابقاً في اللجنه المركزية لحزب الاتحاد. ومن المفارقات أنه كان الممثل الوحيد من مدينة كرن، بالرغم من أنه كان في الاصل من مدينة قندر الإثيوبية.
يجدر الذكر أيضا الإشارة لما أورده الدكتور محمد خير عمر في كتابه بأن هناك خطاب كتبه عواتي في 18 اغسطس 1961م موجه لمجهول، تم العثور عليه من قبل قوات الشرطة في قرية فادين بالقرب من كيرو، يظهر دوافع ونوايا عواتي، وقد كانت الترجمة الانجليزية للخطاب كالتالي “نحن بصحة جيدة ونأمل ان تكونوا كذلك. أود افادتكم بأن بلدنا ارتريا مضطهدة. حيث تم منح أراضينا للأجانب في حين تُرك سكان البلد فقراء. علاوة على ذلك إن مساجدنا قد دمرت في حين أنه تم بناء كنائس جديدة. ولقد اتخذتُ قراري مع جميع أبناء الشعب الارتري لنتّحد من أجل المطالبة بحقوقنا. يرجى إذا أمكن تحويل شكواي إلى السيد علي وجمال. وأنا أنتمي لطائفة الختمية”
حامد عواتي 7 ربيع اول 1381 هـ (18 اغسطس 1961م).
ويرى الدكتور محمد خير أن هذا الخطاب في غاية الأهمية، حيث أنه الوثيقة الوحيدة المكتوبة من عواتي التي توضح بجلاء الدوافع لبدء الكفاح المسلح، مع أنه كانت هناك اشارات عديدة بأن عواتي كان سيبدأ الكفاح المسلح، وإن اختيار اليوم الفعلي قد فرضته الظروف المحيطة، وكان إعلان الكفاح المسلح مفاجئا حتى لقيادات الجبهة الذين لم يكونوا في كامل الاستعداد لها، ومع ذلك فإن اعلان عواتي للكفاح المسلح استُقبل بابتهاج شديد. ويُعتقد أنه كان على عواتي اتخاذ قرار سريع عندما علم بنية الشرطة باعتقاله، حيث ترك أُسرته وممتلكاته وانخرط في الكفاح المسلح بالقليل من البنادق.
يتبع…….