مع المناضل نور الدين محمد عبدالله
في حديث من القلب عن نضالات حواضن الثورة
حاوره الأستاذ علي جبيب
متابعة ماتم نشره:
(كان الاعتقال الثاني عندما أحرقت الجبهة باص شركة ستاي، وكنت قد ذهبت إلى موقف شركة حجي حسن للمواصلات لإرسال طرد البريد وصادفني مسئول الأمن بالشرطة هناك وطلب مني الحضور إلى المركز. فكرت في الأمر وذهب ظني في أنهم علموا بوجود شقيقي جمال في الميدان حيث كان يتم استدعاء كل من كان أبناؤهم في الميدان. ولم يستغرق الأمر وقتا حيث أمر أحد عساكره بإدخالي إلي الزنزانة، قلت له إنني موظف حكومي ولا بد من الاستئذان من إدارتي. كان رده بالشتم بقوله “يا حرامي”. وأثناء ذهابي مع العسكري الذي اقتادني إلى المركز قلت له إن الضابط شتمني وأنت ستكون شاهداً على ذلك…..)
كان الاعتقال الثالث في العام 1971م حيث جاء الى مكتب البريد ضابطين برتبة نقيب وملازم حوالي الساعة العاشرة صباحا وسألاني عن وصول رسالة باسم شخص، وبحثت ولم أجدها. ثم سألاني عن نور الدين فقلت لهم أنا نورالدين، وقالوا لي أنهم يريدونني. طلبت منهم إبلاغ مديري للذهاب معهم وعندما اتجهوا للمدير للاستئذان منه انتهزت الفرصة ومزقت الأوراق التي كانت بحوزتي ورميتها في سلة المهملات. بعدها مباشرة أمروني بأن أدلهم إلى منزلي للتفتيش، وكانوا يتوقعون أن يجدوا شيء حيث كانت لديهم معلومات كافية عني، وعند الوصول إلى منزلنا لم يتركوا مكانا بالمنزل إلا وفتشوه ولم يجدوا شيء سوى مجموعة من الكتب باللغة الامهرية. وكان خوفي من بعض الأوراق الرسمية للجبهة التي كانت خلف إحدى الصور المعلقة في الجدار، وكنت أدعو الله ألا يلمسوا الصورة، وكاد أن يقع المحظور عندما ركز أحد الضباط في الصور وسحب أحد البراويز ليجده مغلف من الخلف وبذلك أعاده لمكانه، وكانت خيبة أمل بالنسبة لهم، وسألوني ما إذا كان لدي منزل آخر واجبت بالنفي، وقالوا فيما بينهم: “بالطبع لا يمكن أن يضعوا الاشياء هنا، فهم بالتأكيد يضعونها في مكان آخر”. ثم تحركنا إلى مركز الجيش وبدأ التحقيق بعد السادسة مساء، وقالوا لي بأنهم يعلمون أنني المسئول وطلبوا مني الافصاح لهم عن المعلومات، وباعتباري موظف حكومي أنه بالإمكان نقلي الى أي جهة أخرى. فقلت لهم إنكم تحاولون أن تحملوني خطأ لم أرتكبه وأنا لا أعلم عنه شيئاً، وربما سبب شهرتي لأن والدي كان شخصية معروفة وله مكانة في المدينة، فقالوا لي قل هذا الكلام للآخرين، نحن حاولنا الا نؤذيك لكن الآن سوف نحولك للتحقيق العنيف.
عند بدء التعذيب أخذوا ضربي بشدة وبشكل متواصل، الأمر الذي دفعني لأن أقول للعسكري الذي كان يمارس عملية التعذيب من الأفضل أن تخلص عليَ بالمسدس الذي بحوزتك، وقال لي إن ذلك سيتم لاحقا، حينها مثلت أنني على وشك الموت ونطقت بالشهادة وأخرجت لساني، فتوقفوا وقالوا هؤلاء حالفين القسم ولا يعترفون بسهولة. وبعد 44 يوم قاموا بإطلاق سراحي مع الإخوة محمود الجيلي، وهمد مدني والحسن عثمان الحسين،
ما هي أصعب أنواع التعذيب التي تعرضت لها؟
كان أصعب تعذيب تعرضت له في هذا الاعتقال تعليق أوزان ثقيلة على الخصيتين، وأيضا ربط عضلات اليدين، والضرب المبرح على بطني بالرجل، والجدير بالذكر أنه كان هناك عسكري يقوم بإرخاء الرباط بحجة أداء الصلاة للتخفيف عني.
وبعد إطلاق سراحي جاء اعتراض من أسمرا على ذلك، وعلمت به من أحد الكتبة لدى قيادة الجيش والذي أبدى استغرابه في أنني لست في السجن! والمصدر الآخر لهذه المعلومة كان الصديق تخلاي ادحنوم، والذي كان يعمل رئيسا لقسم الزراعة قبل انتقاله إلى مدينة كرن، وأثناء زيارته لأغُردات قام بالتعريف بيني وبين الضابط قائلا إن هذا نور الدين ويعتبر أخا لي، سألني الملازم: هل تعمل بالبريد؟ أجبته بنعم، وبعد ذهابي قال له إننا سنعتقله، ورد صديقي قائلا إنني لا أتدخل في عملك، ولكن أرجو أن لا تأذيه. وفي اليوم التالي أفادني بما دار بينهما ونصحني بأخذ الحيطة والحذر وألا أبتعد عن الملازم الذي عرفني به. ولحسن الصدف تم تكليف الملازم بترتيب المؤن للضباط وطلب مني مساعدته وقمت بذلك ولم يتم القبض عليَ.
وهل كان هذا اخر اعتقال؟
كان آخر اعتقال في العام 1974م عندما تم القبض على المناضل عمر ابراهيم المسئول عن الأمن في المنطقة بمستنداته، وكان اعتقالي عن طريق مدير الشرطة من إثنية الامهرا الذي كان ينظر اليّ دائما بسوء وكنت أنا أتجاهله، وكان يقول للجيش لماذا تتساهلون مع هذا الشخص، وأخيرا قام باعتقالي وسلمني لقوات الفرقة الرابعة. وعند التحقيق تم مقابلتي بعمر أبراهيم وسؤاله ما إذا كان يعرفني، وأفاد بأنني نور الدين، وبادرت من جانبي بالرد بسؤال موجه للضابط: ماذا تتوقع كإجابة لهذا السؤال؟ نعم يعرفني وأعرفه جيداً، وذلك أمر طبيعي لأننا أبناء مدينة واحدة. لم يتجاوز ما يتعلق بعمر أبراهيم ذلك بالنسبة لي. في هذه الفترة تم اعتقال أعداد كبيرة من المواطنين وغالبيتهم وجدت أسمائهم ضمن المستندات التي كانت مع عمر أبراهيم، وأثناء التحقيق حدثت اعترافات من بعضهم على أن نورالدين هو المسئول ومعظمهم تم إطلاق سراحهم مقابل رشاوي كان يأخذها الضباط. ونحن في المعتقل تم أسر أحد المراسلين عن طريق مجموعة من أبناء دلك الذين سلموا للعدو من الجبهة وعندما تم تفتيشه وجدوا معه بعض المواد مثل (التمباك) وغيره، وتحت التهديد إنهار المراسل واعترف بمهمته وأدخل السجن معنا. وفي اليوم الثاني لدخوله صادفته وجها لوجه وهو ذاهب للتحقيق وأنا خارج من الزنزانة للفطور. بعد فترة بسيطة تم استدعائي إلى غرفة التحقيق ووجدت ذلك المراسل واقفا ومجموعة أخري من الضباط والعساكر معه. سأله الضابط ما اذا كان يعرفني، واجابه بنعم، وأضاف بأنه كان يتعامل معي في مراسلات الجبهة وأنني من خططت لعملية مقر الفرقة واحد وثلاثون للجيش في عام 1967م. التفت إلي الضابط وقال ماذا تقول؟ قلت له إن هذا الشخص يكذب. ضربني بكفه على خدي الأيمن ونائبه على خدي الأيسر، ثم تمت إعادتي الى التحقيق والتعذيب مرة أخرى ولم يجدوا اعترافاً. من هنا فكروا أن يفتشوا البيت ولم يجدوا شيئاً سوى حقيبة زميل كان قد سافر إلى أسمرا لزيارة زوجته وترك أغراضه معي في البيت. وجدوا بداخلها قائمة بأسماء زملائه في العمل الذين كانت لهم مشاركات مادية بمناسبة زواجه، واعتبر الضباط تلك القائمة لأعضاء في الجبهة والمبالغ المذكورة عبارة عن اشتراكاتهم. وأنا أخبرتهم حقيقة الأمر، ومع ذلك استجوبوا زملاء الصديق في المستشفى وأدلوا بنفس المعلومة، وعند عودته من الإجازة حققوا معه ووجدوا نفس الاجابة.
ما هي أطول فترة اعتقال قضيتها في السجن؟
أطول فترة اعتقال قضيتها في المعتقل هي فترة الاعتقال الأخير والتي امتدت الى 4 أشهر و4 أيام، وتم خلالها تعرضي للتعذيب القاسي. وتبقي معي في السجن عدد قليل من المعتقلين هم: الأخ صالح كلفي، والاخ محمد حامد نوراي، والأخ حسن أبراهيم عيسى، لكن تم إطلاق سراحهم بعد تحويلنا إلى قيادة الجيش في الفرقة الثامنة، وبقينا أنا والمراسل الذي قدم اعترافات ضدي واثنان من المناضلين أحدهم أعتقل في تسني والآخر وجدوا معه ورقة اجازته ولم يعترف، بل أنكر بأنه لا يفهم ما هو مدون بالورقة أصلاً، وشخص ثالث كان يعمل مسئول عمال في أحد البساتين في قرية تكرريت. وأذكر في تلك الفترة تم اعتقال العم حامد أحمد إدريس علي المعروف بحامد ضرار في أسمرا على خلفية موضوع عمر أبراهيم، وكان العم حامد من كبار تجار المواشي وتصديرها إلى أسمرا، وبعد التحقيق معه في أسمرا أحضروه إلي أغردات وبمجرد وصوله إلى السجن أدخلوه معنا في نفس الغرفة، وكان مجيئه متنفس بالنسبة لي حيث بدأ يحكي لي عن كيفية اعتقاله وما صادفه من أحداث. بعد فترة وجيزة تم إخراجه من بيننا للتحقيق ومن ثم أعادوه إلينا في اليوم الثاني، ونتيجة لجرأة وشجاعة العم حامد تغيرت معاملة قائد الفرقة الثامنة معنا حيث كان يزورنا باستمرار وأوصي الحراس بمعاملتنا معاملة كريمة، بالإضافة لذلك سمح لنا بإداء الصلاة، وكان العم حامد من حفظة القرآن ويتمتع بصوت جميل في التلاوة.
تم تقديمنا للمحكمة العسكرية التي جلبت من أسمرا وشكلت من ثلاث أعضاء بالإضافة للمدعي العام، وتم تكليف محامي ضابط من الشرطة للدفاع عنا، وبدأت المحاكمة حيث سأل رئيس المحكمة المدعي إذا كان لديه أي اعتراض على أقوالي المسجلة في محضر التحقيق، فأجاب بالنفي، أما محامي الدفاع ترافع أمام المحكمة قائلاً بإن اعتقالي طيلت هذه المدة كان ظلماً، وطالب برد اعتبار لي، منحت بموجبه خطاب براءة بعد الإفراج عني.
وبعد أيام من خروجي من السجن صادف عيد للمسيحيين أرسلت فيه كروت تهنئة بتلك المناسبة لقائد الجيش والمحامي عبر البريد. وأتصل بي القائد وشكرني، أما المحامي جاء إلى مكان عملي وقدم لي الشكر، وذكر لي أن رئيسه في الشرطة قدم شكوى ضده على المساعدة في إخراج مجرمين، واستمرت العلاقة بيننا ونبهني أن أحترس، حيث إنهم مازالوا يرفعون التقارير عني بأنني مواصل في العمل مع الجبهة.
يتبع……..