المناضل والمفكر محمد سعيد ناود
بركان تفجر علما وثورة
قراؤنا الاعزاء كما عودناكم دوماً بأن نأخذكم في رحلة تسليط الضوء على هؤلاء الذين كان لهم الدور الفعال في تاريخنا النضالي، والذين قدموا اسهامات كبيرة كان لها تأثيرها على مجتمعنا والحياة السياسية بشكل عام، من خلال ما لعبوه من أدوار كان لها اثرها في تاريخ حركتنا النضالية.
شخصيتنا لهذا العدد هو واحد من رجالات الفكر والادب والثقافة فضلاً عن دوره الثوري وتأسيسه لأولى الحركات السياسية التي سعت الى تأطير وتنظيم الوطنيين الارتريين لمواجهة الهجمة الاثيوبية الساعية لإلغاء الاتحاد الفيدرالي وقتها وضم ارتريا نهائياً الى التاج الامبراطوري.
شخصيتنا هو المناضل الشهيد الاستاذ / محمد سعيد ناود، من مواليد عام 1936م بقرية ماريت برورا حباب في الساحل الشمالي. انتقل الى بورتسودان وهو طفل وتلقى فيها تعليمه الديني في الخلاوي ثم التحق بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة وبعدها تم قبوله بمعهد بخت الرضا (خاص بتأهيل المعلمين)، الا أنه لم يلتحق بالمعهد واختار العمل الوظيفي، اذ التحق بالعمل في شركة التلغراف الشرقية (الايسترن) بمدينة بورتسودان.
شهدت الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترة الخمسينات من القرن الماضي حراكاً ثورياً ونشاطاً تحررياً شمل قارات كل من آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وظهرت قيادات امثال جواهر لال نهرو في الهند واحمد سوكارنو في اندونيسيا وجوامي كنياتا في كينيا ونكروما في غانا واحمد سيكو توري في غينيا وجمال عبد الناصر في مصر، وثورة الجزائر، وقد تأثرت شخصيتنا بهذه الاجواء والحراك الثوري الذي كان يعم تلك القارات حينها كما اوضح ذلك في كتابه عن حركة تحرير ارتريا.
شارك الاستاذ محمد سعيد ناود في الاحتجاجات الطلابية السودانية ومع الاحزاب السودانية في نضالها من اجل استقلال السودان وانتمى للجبهة العالمية المعادية للاستعمار وكان اليسار السوداني وقتها من انشط القوى السياسية العربية. انتمى الاستاذ ناود الى الحزب الشيوعي في بورتسودان ووصل الى مركز عضو (لجنة دائرة) وهي القيادة الفرعية للحزب واستمر في عضوية الحزب لمدة (8) سنوات، كما شارك في تأسيس مؤتمر البجا في13/10/1958م انطلاقاً من فهمه لهذا التواجد للقومية في كل من السودان وارتريا كما كان له يقين بوحدة هوية القرن الافريقي ويظهر ذلك من خلال كتاباته حول المنطقة.
إن الحراك الثوري الذي كان يشهده العالم حينها كان له أثره الفاعل في الاستاذ ناود، فقام في الفترة الممتدة من 1955الى 1957م بعمل عدة جولات في ارتريا في عطلاته السنوية للاطلاع على الاوضاع والالتقاء ببعض الشخصيات للمناقشة و للتفاكر معهم ووصل وقتها الى قناعة بأن اثيوبيا في ذلك الوقت كانت تعمل للقضاء على الاتحاد الفيدرالي وذلك من خلال ما تتبعه من اجراءات تقلص من الأسس التي قام عليها الاتحاد تدريجياً وصولاً للضم النهائي لإرتريا، الأمر الذي دفع المناضل ناود لمناقشته مع رفاقه وأفضى لتأسيس حركة تحرير ارتريا، حيث عقد اجتماع التأسيس بمنزله في بورتسودان بحي ترانزيت في 2/11/1958م وكان الحضور يتكون من:
- محمد سعيد ناود.
- ادريس محمد حسن قنشرة.
- حسن الحاج ادريس.
- عثمان محمد عثمان.
- ياسين محمد صالح عقدة.
- محمد الحسن عثمان محمود.
- صالح احمد اياي.
- حبيب قعص.
وهكذا أسس محمد سعيد ناود مع هؤلاء النفر من المناضلين حركة تحرير إرتريا وأصبح رئيساً لها.
يشبر الاستاذ محمد سعيد ناود بأن حركة تحرير ارتريا تبنت فكرة (الثورة الانقلابية) التي كان يرى أن من أهم شروطها:
- العمل على اختراق الاجهزة الاثيوبية وتجنيد رجال الإدارة الإرترية من شرطة وموظفي الادارة المدنية.
- عمل احصائيات دقيقة للقوة الاثيوبية لمعرفة تفاصيلها لشلها عند اللزوم وفي الوقت المناسب.
- اهمية انتشار الحركة في كل اجزاء ارتريا وقيامها بتعبئة الجماهير وتهيئها لتكون سند للثورة الانقلابية عند اندلاعها.
4- عند توفر الشروط المطلوبة للثورة الانقلابية يتم الاعلان للعالم بإلغاء الاتحاد الفيدرالي واعلان الاستقلال لإرتريا.
5-لانجاح الثورة الانقلابية لا بد من السرية المطلقة لمختلف انشطة الحركة بحيث يتم مفاجأة اثيوبيا،
يقول ناود في معرض حديثه عن الثورة الانقلابية (اننا لم نغفل بأن اثيوبيا ستواجه الثورة الانقلابية بالطيران والمشاة وهذا سيدفعنا لمواجهتها بالسلاح الذي استولينا عليه والخروج في ثورة مسلحة طويلة الامد.
تفرغ المناضل ناود للعمل العام وقدم استقالته من العمل الوظيفي في العام 1965م وكرس جل حياته للعمل النضالي وفي العام 1970م انضم الى قوات التحرير الشعبية بقيادة المناضل / عثمان صالح سبي وتبوأ فيها العديد من المراكز القيادية منها:
- مدير مكتب الاعلام ببيروت في السبعينات من القرن الماضي.
- رئيس المكتب السياسي لقوات التحرير الشعبية.
- نائب رئيس التنظيم الموحد.
4- رأس التنظيم الموحد بعد وفاة المناضل عمر برج رئيس التنظيم.
5- عين حاكم لإقليم الساحل لفترة وجيزة بعد دخوله للبلاد بعد الاستقلال ليتفرغ بعدها للكتابة.
يعتبر الاستاذ محمد سعيد ناود من اكثر الكتاب الذين أثروا المكتبة الارترية العربية إذ له العديد من المؤلفات نذكر منها:
- قصة الاستعمار الايطالي لإرتريا.
- العروبة والاسلام في القرن الافريقي.
- ارتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الاسلام الى افريقيا.
- عمق العلاقات الارترية العربية.
- حركة تحرير ارتريا الحقيقة والتاريخ.
- شخصيات ورموز ارترية.
- رحلة الشتاء (رواية).
- رواية المغترب (فقدت اجزاء منها في المطبعة ببيروت اثناء الحرب الاهلية اللبنانية).
- شاهد على عصره (جزئين الاول والثاني).
10-تاريخ الطريقة الختمية في ارتريا.
11-من أمثال الشعوب مقارنة مع الأمثال الإرترية،
12 – صفحات هامة من تاريخ إرتريا (1941-1958).
13 – التاريخ المشترك بين إرتريا ودول الجوار.
14- حديث الذكريات والمذكرات (سيرة ذاتية).
15- صفحات من أوراق (1965-2010).
يشير كل هذا بشكل واضح للدور الريادي الذي لعبه المناضل الشهيد الاستاذ محمد سعيد ناود، حيث لم يقتصر دوره في العمل النضالي على تأسيس حركة تحرير إرتريا بل تعداه لدور آخر ذو بعد هام في العملية النضالية التي قادها مع رفقاء دربه الا وهي الاهتمام بالجانب الثقافي باعتبار أنه أحد دوافع العملية النضالية التي خاضها الشعب الإرتري لرفض عملية الإلغاء السياسي والثقافي، تبلور ذلك بشكل واضح في اسهاماته في الحركة الفكرية والثقافية واثرائها من خلال ما تركه من ارث أدبي كبير يعتبر الأساس الأول لإثراء حركة الادب الارتري المكتوب باللغة العربية، الذي يكرس لتأصيل العمل الثقافي كبناء أساسي في حركة النضال السياسي من أجل الاستقلال وحرية الإنسان الإرتري .
ألا رحم الله الأستاذ والمفكر والاديب المناضل/ محمد سعيد ناود بقدر نضالاته في حياة شعبه التي مهرها بعطاء وافر من تأسيس للحركة السياسية من أجل حرية شعبه.. وإرث ثقافي وفكري كبير.
هيئة التحرير