ما سبق نشره في الجزء الأول (وهكذا تعرض الشهيد للعديد من محاولات الاغتيال لإسكات صوت الثورة حينها، التي باءت كلها بالفشل).
الجزء الثاني والأخير:
كما تعرض الشهيد للعديد من عمليات الاعتقال كما حدث بعد حادثة مصادرة الأسلحة الواردة من سوريا بواسطة السلطات السودانية والتي عرفت بسلاح (بُري) في عام 1965م، وأيضاً عند محاولة اغتيال المناضل الشهيد عبد القادر جيلاني في مدينة كسلا السودانية.
شهدت مسيرة الثورة الإرترية في الربع الأخير من ستينيات القرن الماضي تطورات وصراعات متعددة، تمثلت في بروز حركة الجنود، وحركة الإصلاح، والمساعي الحثيثة لتوحيد جيش التحرير، بما في ذلك الوحدة الثلاثية، وصولاً إلى انعقاد مؤتمر “أدوبحا” العسكري، الذي أسفر عن توحيد كافة المناطق العسكرية تحت قيادة عامة موحدة للعمل الميداني، ممهِّدًا الطريق نحو عقد المؤتمر الوطني. غير أن الخلافات داخل المجلس الأعلى للجبهة أسفرت عن نشوء صراع داخلي، أدى في نهاية المطاف إلى تأسيس تنظيم جديد حمل اسم “جبهة التحرير الإرترية – قوات التحرير الشعبية”، بقيادة الشهيد عثمان صالح سبي. وشكل ذلك أول ظاهرة لتعدد التنظيمات في تجربة جبهة التحرير الإرترية.
شهد النصف الثاني من السبعينات تطورات على مستوى الساحة الإرترية تمثلت في تدفق أعداد كبيرة من المواطنين من المدن بعد سقوط نظام الإمبراطور هيلي سلاسي وتم تحرير العديد من المدن، وشهدت تلك الفترة وبعد انفضاض المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الإرترية توقيع اتفاقية الخرطوم بين الجبهة وقوات التحرير الشعبية ولم تدم تلك الوحدة بين التنظيمين كثيراً. وبعد المعارك التي شنتها الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بالتحالف مع وياني تجراي ضد جبهة التحرير الارترية ودخول الجبهة للأراضي السودانية وما تبع ذلك من تطورات أدى لتوافق جبهة التحرير الارترية وقوات التحرير الشعبية واللجنة الثورية لتشكيل وحدة جدة التي انبثق عنها التنظيم الموحد بقيادة الشهيد عثمان صالح سبي .
بالطبع لا يمكن تناول سيرة القائد عثمان سبي دون الحديث عن دوره الكبير والمشهود في عملية التعليم اذ أبدى الشهيد عثمان اهتمامه بالتعليم حيث استطاع أن يوفر فرص كبيرة للشباب الإرتري للحصول على التعليم في مختلف المراحل، وقام بتأسيس عدة مدارس في مختلف معسكرات اللجوء والمدن في السودان وكذلك مدرسة في اليمن بالإضافة لتوفير المنح الدراسية في معظم الدول العربية، وبذلك أهل أعداد كبيرة من الطلاب. وقد ساهم عدد مقدر منهم في النضال بالالتحاق بالثورة في كل التنظيمات. ولمزيد من تنظيم العملية التعليمة قام بتأسيس جهاز التعليم الارتري وكان على رئاسته الأستاذ الشهيد محمود سبي، الذي افردت له مجلة الناقوس في عددها التاسع ملف ضافي للحديث عن سيرته ودوره في العملية التعليمية. ولعب هذا الجهاز دورا كبيرا في توفير فرص التعليم لغالبية أبناء اللاجئين في السودان والذين تابعوا مراحلهم التعليمية حتى المرحلة الجامعية سواء في السودان، أو الابتعاث إلى عدد من الدول العربية (سوريا، ليبيا، العراق، السعودية، الكويت…)، وكان لإدارة الأستاذ محمود سبي الأبوية دور كبير في نجاح الجهاز في أداء رسالته، وتوسع جهاز التعليم وتجاوز عدد المدارس التابعة له أكثر من أربعين مدرسة بمختلف المراحل الدراسية من ابتدائية ومتوسطة وثانوية، إضافة للمعاهد الدينية والخلاوي، كما قدر عدد الخريجين بالآلاف وساهم عدد كبير منهم في العمل العام في عهد الثورة وكذلك الدولة.
كما لا يمكن نسيان الدور الكبير الذي قام به الشهيد عثمان سبي في إثراء المكتبة الإرترية من خلال المجهود الوافر الذي قام به في ترجمة العديد من الكتب المكتوبة بعدة لغات أوربية إلى اللغة العربية، الأمر الذي ساهم في التأسيس لتشكيل وعي معرفي بتاريخ وجغرافية وسكان إرتريا، وتفاعلاتها الجيوسياسية.
أما الجانب الآخر الذي نال الاهتمام الأكبر فهو الجانب الصحي إذ سخر الشهيد عثمان سبي علاقاته للحصول على الدعم في هذا الجانب من الدول العربية، واستطاع من خلاله فتح مستوصفات في معسكرات اللاجئين ومستشفيات مجهزة بأحدث الأجهزة في كل من كسلا وبورتسودان، وجلب لها كادر طبي على مستوى عالي في جميع التخصصات. وقد ساهمت تلك المستشفيات في حل مشاكل العلاج للاجئين الإرتريين في السودان، فضلا عن دورها في علاج المناضلين وتوفير الخدمات الصحية لجرحى حرب التحرير.
توفى القائد الشهيد عثمان صالح سبي في القاهرة في 4/4/1987 م ونقل جثمانه إلى الخرطوم، إذ وري جثمانه الطاهر الثرى بمقابر السادة المراغنة ببحري، وقد ودعته الجماهير في موكب مهيب شاركت فيه العديد من قيادات الاحزاب السودانية وقادة الفصائل الإرترية. وبفقده فقد شعبنا أحد قياداته التاريخية البارزة، فله الرحمة والمغفرة بقدر ما قدم لشعبه وثورته.
إعداد هيئة التحرير