يزدان هذا العدد من مجلة الناقوس بشخصية ورمز وطني كبير، ما ذكرت قضية الشعب الارتري ونضالاته إلا وكان اسمه حاضرا لما كان له من إسهامات في مختلف الجوانب، وبمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثون لاستشهاد المناضل عثمان صالح سبي تسلط مجلة الناقوس الضوء على سيرته ونضالاته من أجل تحرير الوطن، لزاماً علينا من باب الوفاء والعهد لهؤلاء الرموز، مشيرين لدورهم ومجاهداتهم العظيمة، حتى نمكن أجيالنا القادمة من الاطلاع على تاريخ آبائهم واجدادهم وما قدموه من تضحيات كبيرة في حرب التحرير، ونملكهم الحقائق حماية لتاريخنا وحفظه من التشويه والتزوير والتحريف الذي يمارسه نظام الهيمنة القومية.
ولد الشهيد عثمان صالح سبي في قرية حرقيقو بضاحية مصوع بإقليم سمهر في العام 1931م، وتلقي تعليمه الابتدائي والمتوسط في حرقيقو بالمدرسة التي انشأها الباشا صالح كيكيا، وكان من الطلاب المبرزين الذين كانوا يجدون الاهتمام من الباشا صالح كيكيا وهو أحد رواد التعليم في إرتريا حيث قام بابتعاثه إلى أديس أببا لإكمال تعليمه الثانوي، التحق بعدها بمعهد المعلمين؛ وكان لذلك الانتقال أثره في شخصية سبي واهتمامه بالشأن العام إذ استكشف الواقع الإثيوبي وتعرف على المعاناة التي تعيشها القوميات الإثيوبية المختلفة، وما يحيق بها من ظلم واضطهاد. وكان لهذا الواقع أثره الكبير في تكوين وعيه السياسي .
لقد كانت فترة دراسته بأديس أبابا زاخرة بالنشاط إذ التقى ببعض الشباب الناشطين من مسلمي إثيوبيا التي كان يعاني فيها المسلمين من الاضطهاد والتضييق، وتمخض عن تلك العلاقة بين سبي وأقرانه من الطلاب المسلمين الإثيوبيين نشاط أسفر عن تكوين جمعية العروة الوثقي وكانت لهم اصدارة ثقافية تتعلق بشؤون المسلمين في الحبشة والمحيط الجغرافي.
عاد سبي إلى ارتريا وعمل أستاذاً بمدرسة حرقيقو ثم مديراً لها وفي تلك الفترة سافر إلى السودان والتقى بقيادة جبهة الميثاق الإسلامي الشيخ عبدالله عبد الماجد والدكتور حسن الترابي ويسن عمر الامام وطلب منهم التعاون في تسهيل التحاق الطلاب الإرتريين بالدراسة في السودان، وفي مساعدتهم للسفر إلى مصر لاستكمال تعليمهم، وعاد بعدها إلى إرتريا.
شهدت نهاية الخمسينات عمليات التضييق والمطاردة من قبل مخابرات الإمبراطور وطالت عمليات المطاردة والاعتقالات العديد من النشطاء والوطنيين الذي كانوا ضد سياسة الإمبراطور الذي كان يسعى لابتلاع إرتريا وضمها لإمبراطوريته، ولقد تعرض الشهيد سبي للمضايقات والتضييق وتم اعتقاله بمصوع ونقل إلى أسمرا للتحقيق، وعانى من صنوف التعذيب أثناء ذلك، وبعد إطلاق سراحه فكر جدياً في الخروج من إرتريا خاصة بعد أن وصل كل من الشيخ ادريس محمد ادم رئيس البرلمان والزعيم ابراهيم سلطان رئيس الرابطة الاسلامية الى القاهرة.
غادر الشهيد عثمان سبي إلى المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر، بمساعدة الشهيد الربان الشيخ أحمد فرس الذي تربطه به صلة قرابة أُسرية. وتصادف وصوله إلى مدينة جدة مع زيارة الشيخ ادريس محمد آدم الي المملكة في طريقه إلى الصومال، وتم اللقاء بينهما. وطلب الشيخ ادريس من الشهيد عثمان الالتحاق بجبهة التحرير الارترية التي كانت قد تأسست في القاهرة، ولم يتردد الشهيد عثمان عن الموافقة، ومن ثم انطلقا معاً الى الصومال، حيث منحا أول جوازي سفر دبلوماسيين للثورة الارترية، الأمر الذي ساعد كثيرا في تسهيل تحركاتهما بالدول العربية، وخاصة دول الخليج. وبعد وصوله إلى القاهرة، التحق عثمان سبي رسميًا بجبهة التحرير الإرترية التي كانت قد تأسست قبل وصوله، وتولّى مهمة سكرتير المجلس الأعلى للجبهة. ومن خلال هذا الدور، ساهم بفعالية إلى جانب رفاقه في التعريف بالقضية الإرترية، وتوسيع دائرة العلاقات الخارجية، وتأمين الدعم العربي والدولي للثورة الإرترية.
ركز الشهيد سبي على الدور الكبير للعمل الاعلامي للتعريف بالثورة على المستوى الاقليمي والعالمي ولقد كان يرى بأنه لا بد من عمل كبير يلفت انظار العالم، وانطلاقا من ذلك عمل على إقامة منظمة العقاب التي تخصصت في القيام بعمليات اختطاف للطائرات الاثيوبية، وذلك من أجل لفت نظر العالم للثورة الإرترية ولمعاناة شعبها، لاختراق الحصار الاثيوبي المفروض عليها بحكم علاقات الامبراطور الدولية والإقليمية، ويمكن ذكر بعض عمليات منظمة العقاب حينها على سبيل المثال وليس الحصر:
- عملية فرانكفورت التي تم فيها تفجير طائرة إثيوبية من نوع بوينج 707 بألمانيا الغربية
- عملية الهجوم على طائرة إثيوبية من طراز بوينج 720 في مطار كراتشي.
- محاولة خطف طائرة إثيوبية متجهة من مطار مدريد إلى أديس أبابا
وهكذا تم تنفيذ عمليات خطف الطائرات وعمليات تفجير خطوط القطارات ومحاولات نسف السفارة الإثيوبية في روما. ولقد كان لكل هذه العمليات دورها في لفت انظار العالم لما يحدث في إرتريا. مما دفع إثيوبيا ومن خلال استخباراتها محاولة اغتيال قيادات الثورة لمواجهة المد الذي أصبحت تشكله الثورة، إذ استهدفت اغتيال الشهيد عثمان سبي اكثر من مرة، فكانت محاولة الملحق العسكري الأثيوبي لاغتياله بتأجير عامل مطعم لوضع السم في طعامه بمدينة عدن، كما فشلت ايضا محاولة اختطافه بواسطة طيران الشرق الاوسط إذ استطاعت المخابرات الفلسطينية اكتشاف العملية. وهكذا تعرض الشهيد للعديد من محاولات الاغتيال لإسكات صوت الثورة حينها، التي باءت كلها بالفشل.
يتبع……..