انتفاضة الضياء .... الأبعاد الحقيقية ومدنية التعبير

انتفاضة الضياء …. الأبعاد الحقيقية ومدنية التعبير

الأستاذ حامد عمّار

إن الأزمة الوطنية التي استطالت لثلاث عقود وأعيت النخب وأقعدت الشعب الذي كاد يقول لا قبل لنا ببطش نظام الهيمنة القومية، قد رسّخت في ذهن الجميع أن معركة التغيير لن تحدث إلا بعمل عسكري قوي وإن المعارضة لن يكون لها تأثير في الصراع ولن تستطيع حسمه إلا بالقوة القاهرة.

لقد زُلزِل الشعب زلزالا شديداً وكاد أن ييأس من مقاومة الطغيان حتى جاء برق مدرسة الضياء لندلف إلى مرحلة جديدة وخيار نضالي حديث لم يألفه شعبنا، على الأقل منذ انطلاقة الكفاح المسلح. إلا أن القائد موسى محمد نور ومن خلفه سكان حي أخريا تعاملوا مع الحراك المدني المُزلزِل والمرعب لأركان مشروع الهيمنة القومية السادر في طغيانه واستبداده، بحرفية وثورية عالية.

لقد كان الظاهر من قمة جبل جليد الأزمة الوطنية موضوع الحقوق الدينية، ولكن تلك لم تكن الرسالة الوحيدة للحراك الذي فجّره القائد موسى محمد نور وما تلاه من قرع في ذات الاتجاه.

أولا: لم يكن موضوع الحراك تعسفا في استعمال السلطة أو مخالفة للقانون أو الدستور حيث لا وجود لهما في الدولة أصلا.

ثانيا: لم يكن الاعتراض قاصرا على الضياء، المدرسة، حيث قال الشيخ الجليل في كلمته: “إننا لا ندافع عن حجارة إسمنتية وإنما ندافع عن حقوق”.

فلو كانت الأزمة إدارية بين المدرسة والوزارة لتم التعبير عنها بمذكرات أو مراسلات أو مشافهة داخل الوزارة، ولكن نطاق الأزمة كان أوسع من ذلك بكثير.

كانت أزمة حقوق مهضومة، ولهذا أحسن القائد موسى محمد نور استغلال أزمة مدرسة الضياء ليعبر عن الأزمة الوطنية العامة التي سببها الهيمنة القومية والاقصاء وهدر الحقوق والحرمان.

لو كانت الأزمة قاصرة على مدرسة الضياء لاكتفى سكان أسمرا وحي أخريا بخطاب القائد واعتبروه الرد المثالي، ولكنهم اعتبروها ثورة حقوق مدنية فنزلوا إلى الشوارع ليعبروا عن دعمها في أول بادرة للتعبير بهذا السلاح الحضاري الذي لا يعرفه الطغاة المستبدون.

ثالثا: لقد أرسى الموقف الذي اختطه القائد موسى محمد نور وسكان حي أخريا إلى الأخذ بأسلوب النضال المدني والذي تجسد سريعا بخطاب الشيخ محمد أبرار عنكر في مسجد الخلفاء الراشدين في قلب العاصمة. لقد قلب هذا الحراك المدني موازين المجابهة بين الشعب ونظام الهيمنة القومية وفتح أفقا جديداً للتفاعل والمواجهة، وهو النضال المدني والذي ظهرت تجلياته في الآتي:

أ‌- الاستجابة السريعة لكل الشباب الإرتري في الخارج ودعمه القوي لحراك الداخل بالمسيرات الهادرة في كل مواقع تواجد الإرتريين حول العالم، حيث شهدت كل العواصم الكبرى مظاهرات الرفض لهذا النظام المُقيِّد للحريات المدنية.

ب‌- لقد وضع الحراك المدني الأزمة الإرترية في واجهة الإعلام الدولي والإقليمي.

ت‌- أظهر هذا الحراك حجم التعاطف الدولي والإقليمي – على استحيائه وقلته. وبدأ الدعم المدني يتسرب رويداً حيث أن جمعية الصداقة السودانية الإرترية قدمت مذكرة اعتراض وإدانة لسلوك النظام القمعي، وتم تناول الحراك في خطب صلاة الجمعة في بعض المساجد بالسودان.

ث‌- أفرز الحراك المدني علاقات حديثه وواعيه بمتطلبات الصراع بين الإرتريين وأسهم في توطيد علاقاتهم بعيدا عن الالتزامات التقليدية القديمة.

ج‌- لقد أثبت الحراك قوة المجتمع المدني وفاعلية وسائله في التصدي لجبروت واستبداد النظام وأدواته القمعية التي ارتعبت وتهالكت متضاربة في توصيفاته بين تمرد أطفال ومؤامرة إخوان وإرهابيين وغير ذلك من النعوت.

ح‌- لقد كسر الحراك المدني حاجز الخوف وحرك مشاعر الشارع الإرتري الفطرية في الداخل والخارج وأصبح النضال المدني خيارا رئيسيا في مقاومة منظومة القهر والطغيان.

خ‌- بالرغم من أن الأزمة كانت تعني مدرسة الضياء وسكان حي أخريا في ظاهرها، إلا أن جوهرها كان ضد الهيمنة والاقصاء والتهميش، وكانت بداية لثورة من أجل دولة العدالة والحرّيات والمساواة لجميع الإرتريين. دولة تحترم التعدد الإرتري وتمثّل مصالح جميع المكونات، ولذلك وجدت التجاوب والتعاطف والدعم من الجميع في الداخل والخارج.

إن الحراك المدني الذي أسس له سكان حي أخريا، وفي أولى جولاته، جعل ركب نظام الهيمنة القومية يختل توازنه. فتارة تتحدث أبواقه المهترئة عن علمانية النظام وهو الواغل في دكتاتورية الفرد وبدون دستور، وتارة يظهر تماسكا مصطنعا ناعتا الحراك بثورة الأطفال والنساء، ومرة يتماهى مع أزمات الجوار ويصف الحراك بالإرهاب السلفي علّه يكسب تعاطفا دوليا ناسيا الإدانات الأممية التي تلاحقه، وأخيراً لجأ إلى أساليبه القديمة باختطاف المناضل محمد علي خليفة من مدينة كسلا بالسودان لإرهاب المعارضة من ناحية وتحويل الأنظار عن انتفاضة مدرسة الضياء وتداعياتها الجماهيرية في الداخل وفي مدن العالم من ناحية أخرى.

لقد أفرز الحراك المدني حقائق جديده تستدعي التدقيق في القراءة وكيفية الارتقاء به وإبقاء جذوته متقدة ومتصاعدة حتى ننجز التغيير العاجل الذي لن يكون مجرد تغيير الأشخاص بل تغيير حقيقي لنظام الهيمنة القومية واستبداله بنظام يحقق الوحدة في إطار التعدد وتقاسم عادل للسلطة والثروة لجميع مكونات الشعب الإرتري كل حسب حجمه.

.

,

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *