غضبة – موسى – أخريا – الضياء

غضبة – موسى – أخريا – الضياء …. واستراتيجية قطرات الماء

أبو آمنة حِمّد

ثلاثة أثافي محورية في معادلة الصراع بين الحق، والباطل، تذكروها جيداً، إنها بحق ملهمة، ومحفزة، لأنها حفرت لنفسها مكانة خاصة في الذاكرة الثورية الشعبية الإرترية الأبية.

الشيخ موسى محمد نور، مشعل الثورة، ومطلق شرارة العزة.

حي أخريا الأسمراوي، فوهة الغضب المشتعل، وخزان الثورة الولود، ومنبع الوعي الوطني الغيور.

مدرسة الضياء منارة العلم، ومنصة المعرفة، وملهمة الوعي المدني الشعبي المستنير.

إنه الثلاثي الرهيب يا قوم – موسى – أخريا – الضياء، يعطيك حكمة مؤشر الوعي، واستنارة المدينة، وبوصلة مؤشر العلم، ومخرجات التعليم النافع الرشيد. فالثورة أيها القوم يقودها العلماء، ويدفعها الطلاب، ويساندها المجتمع المدني، وتحتضنها حواضر الاستنارة، وتناصرها نواحي الطبقات الواعية، وتؤازرها أحياء الكثافة السكانية المتشربة بالهم الوطني.

الجهل ظلم، وظلام، فهو ضد العلم، وضد الثورة، وضد البناء والتعمير، وضد مشروع الدولة الرشيدة، ومبدأ الوحدة الوطنية التي تجد فيها جميع مكونات الشعب نفسها وتحمى فيها مصالحها.

الدكتاتورية دائما تتغذي على الجهل، وتعيش على التخلف، وتقتات على الطائفية الثقافية والسياسية والدينية. ولكي تبقي حاكمة ومسيطرة، تحارب العلم، والعلماء، وطلاّب العلم، وتبيد المدن، والمدنية. وتبقي السكان في قراهم، ومناطقهم المنعزلة، حتى لا يتم بينهم تواصل شعبي واعي، ومد جماهيري مستنير.

حكم الطاغية يغرق المجتمع في مهاوي التخلف، وبحور النعرات، ومغريات اللهو، ورذائل الخنا والفسوق والفساد الفارغ. وعلى سبيل المثال، إفراغ جامعة أسمرا من أساتذتها وطلابها، وطبقتها الواعية، وإغلاقها كمنارة جامعة، لكل مثقفي إرتريا، وتأسيس كليات بديلة عنها، منعزلة عن بعضها البعض، تم توزيعها في الأقاليم، بعيدا عن مراكز المدنية المؤثرة، حتى يسهل السيطرة عليها في حالة حدوث طارئ يهدد أمن النظام.

وهكذا، يستمر النظام في سياسة الاستيلاء والتأميم على المدارس والمعاهد الخاصة، التي يخشى وعيها، ويخاف استنارتها بالوعي الوطني العام، فيريدها أن تكون تحت السيطرة. فتجريف الوعي الثقافي والحضاري والعلمي والمدني والوطني للمؤسسات، يأتي كتطبيق لسياسة الجهل، والتخلف، والظلام، التي تريدها جمهورية (الخوف) المغلقة، أن يعيش عليها الشعب الإرتري … لا تسمع … لا تري … لا تتلكم … لا تحتج … (تُمْ … تُمْ … تُمْ)، لأن الدكتاتور يريد مجتمعا نسخاً من الجماد، وليس من البشر.

ولكن غضبة – موسى – أخريا – الضياء – قلبت المعادلة رأساً على عقب، وأفشلت المخطط، وخلطت الموازنة، وأبطلت الفكر المنعزل، وأجهزت على النظريات السياسية المغلقة، وأصابت مشروع الهيمنة القومية في مقتل، في قلب عاصمته التي أرادها مغلقة عليه، لتخرج أسمرا عن الطاعة، وتكسر طوق الخوف، وتتخطى حاجز الإرهاب، وتقطع جدار الصمت المطبق والشعب الأعزل الجبار في أسمرا يتظاهر ويقف بالصدر العاري في وجه العسكر المدججين بالسلاح، وصوت الرصاص الحي يدوي، والصورة الحية تنقل، من قلب أسمرا إلى العالم الخارجي، ربما لأول مرة. والنظام يقع في فخ الحرج الداخلي والخارجي وتنكشف عورة جرائمه وفظائع سياساته القمعية التي طالما أخفاها عن أعين العالم لأكثر من ربع قرن من الزمان.

وتتجلى هنا عظمة الإرتريين في أبهى صورها، غليان شعبي مكتوم في الداخل، وتلاحم وتفاعل جماهيري عريض في الخارج، ورشد ناضج في قيادة معركة الوعي، لترفع المظاهرات صورا رمزية معبرة للثنائية الدينية، للشيخ المسلم والقس المسيحي، كإحدى مستويات التعدد الديني للشعب الإرتري، والهتافات الجماهيرية الموحدة، والمناهضة للدكتاتور تعلو عنان السماء معبرة أيضا بلسان ثنائية اللغة، العربية والتقرنية، كإحدى مستويات التعدد الثقافي الإرتري.

والإعلام، بشقيه التقليدي والحديث، يدخل الساحة الإرترية كعامل جديد في معركة كسر الخوف، لينقل تفاعل ثورة الغضب صوتاً وصورة، وليدفع النظام لأول مرة إلى الحائط. فالشعب وقواه الحية يتحدثون، ويتظاهرون، والنظام يصمت. ويفشل مرة أخري في معركة الأخلاق، ويمارس مهنته المحببة في القتل، والسجن، والخطف، وخنق الحياة في الداخل.

غضبة أو هبة أو ثورة أسمرا، لها ما بعدها في التداعيات والنتائج والدروس والعبر المستفادة من أجل البناء والتنظيم والتطوير، وليس بعدها من مجال للخلود إلى النوم، وإنما فقط الاستمرار في المد الثوري الجماهيري العريض، حتى إسقاط الدكتاتور وحاشيته وعصابته المجرمة، وفيما يلي النتائج:

1-تعبئة الخزان الشعبي العريض في الداخل والخارج ضد الدكتاتورية والاستبداد وحكم الفرد، وتعرية ظلم النظام للكشف عن الهيمنة القومية البغيضة التي تبقى عارية ومكشوفة مهما تدثرت بثياب الوطنية الزائفة.

2-انتفاضة الجماهير، كسرت هيبة النظام، وهدمت جدار الخوف والإرهاب، الذي بناه النظام طيلة فترة حكمه في مخيلة الشعب.

3-إعادة ميزان الوحدة والثقة والعمل المشترك، والتفاعل الإيجابي لجماهير الشعب الإرتري، وقواه الحية المدنية والسياسية والثقافية والشعبية. ليتفاعل الجميع كل بما يملك، لنصرة القضية وتحرير الوطن من أيدي العصابة الظالمة.

4-كسب التعاطف والتأييد والنصرة في الامتدادات الشعبية المحيطة بإرتريا – خاصة في كل من السودان، وإثيوبيا، ولأول مرة تقدم مذكرة احتجاج من المجتمع المدني السوداني لسفارة النظام، حتى وإن لم يستلمها السفير، إضافة إلى تصريحات نقيب الصحفيين السودانيين القوية، والتفاعل الكبير للنشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، والدور التعبوي لخطباء مساجد الجمعة. كل ذلك كان دعماً شعبياً مخلصاً، ورصيداُ إيجابيا، يجب استثماره والبناء عليه.

5-كسب الإرتريين دخول عنصر جديد في معركة الوعي، وهو الإعلام، بشقيه التقليدي، والحديث، فالقنوات الفضائية الكبرى، والصحف، والمجلات، وشبكات التواصل الاجتماعي، حدث ذلك من خلال صناعة “فرض الحدث”، والمفاجأة والصدمة غير المتوقعة التي أحدثها احتشاد الشعب في قلب أسمرا. هذا بالتأكيد عامل مهم وكسب مؤثر جديد، يجب أن يبنى عليه مستقبلاً.

6-مظاهرات واحتشاد الجاليات الإرترية في الخارج، ووعيها بما يجري في الداخل، وتواصلها مع العالم لشرح معاناة الشعب الإرتري، من جراء قهر وظلم واستبداد النظام الدكتاتوري الغاشم، عامل غاية في الأهمية لصناعة النصر، وإسقاط الظلم، وقهر الجبروت ويجب الاستمرار والتواصل على نفس النسق في بناء استراتيجية الحراك المدني الشعبي المنظم والمستمر.

وبالتالي – ثلاثية غضبة – موسى – أخريا – الضياء – وفرت فرصة ذهبية لتلتف الجماهير مرة أخرى، حول إرادتها، ومشروعها، وفكرها، ومبادئها القائمة على – الحرية – والعدالة الاجتماعية – والعيش الكريم – وقيام دولة القانون – ورفض كل أشكال الظلم وحكم الظلام. فيجب أن تتطور الغضبة إلى مشروع استراتيجي سياسي وطني عريض، خطواته تبرز فيما يلي:

1-رصد وتوثيق الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها النظام بحق الشعب الأعزل.

2-توجيه لوائح اتهام موثقة لقادة وأفراد وكوادر النظام، بالجرائم التي ارتكبوها ضد الأفراد، والجماعات، والمؤسسات، والموارد، وإفساد الحياة السياسية، والاقتصادية، وتعطيل مصالح الشعب، وإفساد قيم المجتمع، وسرقة الثورة.

3-تعزيز وتطوير وتوسيع وتنظيم وتفعيل الحراك الثوري المناهض للنظام الفاشي، داخليا وخارجيا.

4-تعرية النظام، وفضح جرائمه المرتكبة بحق الشعب.

5-إيجاد قنوات للتواصل والحوار والتنسيق مع كافة الوطنيين الشرفاء الموجودين داخل مؤسسات النظام، كالجيش، والشرطة، والأمن، والخدمة الوطنية، ومؤسسات الخدمة المدنية، والأحرار في داخل حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة بغرض إشراكهم في الفعل الثوري وإزالة كافة تخوفاتهم وهواجسهم، وحفظ حقهم، وسرهم، وحماية أسرهم، وضمان مشاركتهم في مستقبل إرتريا الحرة، بشرط أن تكون أيديهم نظيفة من دماء الإرتريين.

6-الاتصال المباشر بكافة دول العالم، والأمم المتحدة، والمؤسسات والتجمعات القارية والإقليمية، ومناشدتهم للوقوف إلى جانب الشعب الإرتري والتخلي عن دعم النظام الدكتاتوري الفاشي.

7-إيلاء اهتمام خاص لكسب ود وتأييد دول الجوار الإرتري – خاصة السودان، وإثيوبيا، وجيبوتي، واليمن، والسعودية والإجابة على كافة تساؤلاتهم وتخوفاتهم، وضمان المصالح المشتركة بينهم وبين إرتريا الغد، ليدعموا ثورة الشعب ويقفوا إلى جانبه باعتبار أن النظام زائل لا محالة.

وحول القضية الجوهرية التي يعاني منها الشعب الإرتري لأكثر من سبعة عقود، والمتمثلة في الفشل في إدارة التعدد في مختلف مستوياته وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية النابعة من طبيعة تكوين الشعب الإرتري، لا بد من الاتفاق على عقد اجتماعي بين مختلف مكونات الشعب الإرتري وقواه السياسية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني. هذا ليتسنى صياغة دستور على ضوء ما يتفق عليه في العقد الاجتماعي الذي يراعي مصلحة الجميع وتنتفي فيه الهيمنة القومية والإقصاء والتهميش ويحقق تقاسم عادل للثروة والسلطة بين كافة المكونات الإرترية كل حسب حجمه.

ولي عودة إلى هذا الشأن تحديدا إن شاء الله.

.

.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *