اضاءات حول مفهوم لم الشمل

علي جبيب

لايزال البعض يفسر مفهوم لم الشمل بعيدًا عن المعني المراد والمقصد الذي طرح من أجله في ميثاق العمل والمبادئ المشتركة الصادر عن رابطة أبناء المنخفضات الإرترية كمنطلق لتلخيص رؤيتها حول الوضع في إرتريا. وتمهيدًا لما أسعى إليه من سبر أغوار هذا المفهوم (لم شمل أبناء المنخفضات الإرترية)، سوف أحاول تناول هذا الموضوع على شكل أسئلة وأجوبة لتعميق الفهم وتسهيل الاستيعاب.

ما ذا يعني مفهوم لم الشمل الوارد في المبادرة؟

هل يعني التجميع الكمي لأبناء المنخفضات بأية وسيلة والحفاظ على ذلك مهما تضاربت المفاهيم؟

هل يعني تأطير أبناء المنخفضات جميعهم في منظمة أو تنظيم سياسي أو حزبي واحد؟

وهل هذا ممكن من الناحية العملية؟

إن جوهر الفكرة يرتكز حول خلق رأي عام واقعي لتشخيص الصراع الإرتري – الإرتري والحل المناسب لهذا الصراع الممتد منذ فترة تقرير المصير وعبر جميع الحقب النضالية التي مر بها الشعب الإرتري واستمر حتى بعد تحرير الأرض لأكثر من ربع قرن.

يتمثل هذا الصراع بشكل أساسي في الهيمنة القومية من قبل مكون إثني وثقافي واحد، هو مكون التقرنيا على جميع المكونات الإرترية الأخرى، والحل الأمثل لهذا الصراع هو الاعتراف بتعدد المكونات الإرترية على مختلف مستوياتها وضرورة تبني نظام لا مركزي دستوري يضمن حقوق كافة أبناء الوطن في التقاسم العادل للثروة والسلطة بحيث يحكم كل مكوّن نفسه بنفسه في الإطار المحلي ويأخذ قسطه من الثروة والسلطة في إطار الوطن بكامله. ولتحقيق هذا الهدف تبنت رابطة أبناء المنخفضات الخيار المدني كوسيلة للنضال عبر تأسيس منظمة مجتمع مدني، ويبقى الحق مكفولا للقوى السياسية المعارضة وأفراد المجتمع المنخفضاتي والمكونات الإرترية الأخرى تحديد خيارتها ووسائلها التي تراها مناسبة لها، كل حسب ظروفه، بما في ذلك من هم داخل الوطن ومع النظام.

إن اختيار الرابطة لوسيلة العمل المدني أيضا لا تعني تأطير كامل أبناء المنخفضات في هذه المنظمة، حيث أن ذلك ليس ممكنا من الناحية العملية. إن ما تقوم به الرابطة من تأطير هو لتمكينها من القيام بدورها في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها. ويتركز ذلك على العضو العامل الذي له كامل الحقوق في تبوؤ مناصب قيادية وغيرها من الحقوق التي تكفلها صفة العضو العامل وفي المقابل عليه الالتزام بكامل الواجبات المترتبة على ذلك بما فيها تنفيذ ما يكلف به من مهام واستيفاء شروط العضوية الأخرى من اشتراكات وغيرها وأن يخضع للمحاسبة والمساءلة في حالة التقصير.

وهناك مستوى آخر للعضوية لا يقل أهمية بالنسبة للرابطة، وهم الأفراد الذين لا يستوفون شروط صفة العضو العامل وبالتالي لا يُطالَبون بالواجبات ولا يتمتعون بالحقوق الكاملة، إلا أنهم يتبنون فكرة الرابطة ويدعمونها حسب ظروفهم دون أن يكونوا أعضاء عاملين فيها.

كما يستوعب إطار الرابطة العضوية المشاركة بالنسبة للكتل والتي يجب إن تُفهم على الوجه الصحيح وهي العضوية التي تنطبق فقط على المنظمات والمجموعات والتي تحتفظ بحقها للعمل بشكل مستقل مع إيمانها بأهداف ومبادئ الرابطة والمستعدة للتعاون مع الرابطة في مجالات الاهتمام المشترك. وهذا النوع من العضوية يكتسب عضوية مراقبة، فتُشارك في المؤتمرات دون أن تكون لها حقوق التَرَشُّح والترشيح والتصويت وبالتالي لا يمكنها تبوؤ المناصب وغير ذلك من حقوق العضوية العاملة.

بالنسبة للتنظيمات السياسية المنتمية لمجتمع المنخفضات، فإن طرح الوثيقة يتمثل في دعوتها لإقامة مظلة سياسية للتنسيق فيما بينها في القضايا التي تخص مجتمع المنخفضات وتوحيد رؤاها ليمكنها ذلك من الانطلاق بقوة للعب دورها مع التنظيمات والمكونات الإرترية الأخرى على مستوى الوطن ككل.

وفيما يتعلق بالتنظيمات السياسية والقوى المدنية التي لا تنتمي إلى المنخفضات، تدعوها الرابطة للتصدي للهيمنة القومية التي هي الداء الأساسي الذي يعاني منه الشعب الإرتري ولا يمكن في ظله إقامة دولة العدل والقانون ولا تحقيق الاستقرار والتنمية، وبالتالي تدعو الرابطة أن تتواضع مكونات وقوى المعارضة الإرترية على عقد اجتماعي حول التغيير المنشود الذي يحقق العدالة في السلطة والثروة ويضمن مصالح جميع المكونات الإرترية.

من هذا يتضح إن جوهر فكرة وثيقة لم الشمل يكمن في بلورة حقيقة الصراع وطريقة حله انطلاقا من الواقع وبعيدا عن العواطف والمجاملات. وأي فرد من أبناء المجتمع له حق العضوية بالطريقة التي يراها مناسبة له انطلاقا من أن مبدأ الانتماء للمنظمات المدنية أساسه الرغبة الطوعية، كما إن للجميع الخيار في اتخاذ الوسائل التي يرونها مناسبة للتصدي للهيمنة القومية وبناء دولة العدالة التي يجد فيها كل إرتري نفسه ومصالحه، باعتبار أن مهمة إنجاز العدالة مسؤولية الجميع وليست حكراً على فئة أو مكوّن دون آخر.

.

نقلا عن مجله الناقوس الثقافية العدد الثاني

 

شاهد أيضاً

مواضيع مجلة الناقوس – العدد العاشر- شخصية العدد

الشهيد سليمان ادم سليمان.. عاش انسانا ومناضلا.. أعده / الأستاذ محمود أفندي تغوص بك عزيزي …

من مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع – الملف الثقافي

قصة قصيرة دروب مجهولة (٢) بقلم أبو محمد صالح  صمت الجميع، صمت أعقبه صراخ، الكل …

مواضيع مجلة الناقوس العدد التاسع-الملف الثقافي

مَن الذي اخترع الربابة البجاوية.. ولماذا اسماء اوتارها بالبداويِّت وليست بالتقرايت؟ بقلم عبد العزيز ابراهيم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *