هل فهم ما طرحته رابطة أبناء المنخفضات صعب أم أن الأمر وراءه ما وراءه ؟

الاستاذ علي عافه إدريس

  ساحاول في مقالي هذا الاختصار و التبسيط قدر الامكان حتى أتمكن من ايصال الفكرة لأكبر قطاع ممكن ، فالديباجات والمصطلحات في كثير من الأحيان تتوه بالقاريء ، كما أنني سأترك الإجابة على السؤال الذي عنونت به مقالي لاجتهاد القارئ بعد أن يكون قد قرأ ما جاء بالمقال.  
    ماهية دعوة الرابطة: كل أبناء الشعب الارتري بما فيهم أبناء المنخفضات عاش العشرون سنة الماضية على أمل سقوط النظام وأن بسقوطه سترد كل المظالم لأهلها ، إلا أنه في الأعوام الثلاثة الأخيرة ظهرت الكثير من التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المنتمية لمنطقة المرتفعات وهي لا تختلف مع أسياس في أي شيء سوى انفراده بالحكم ، لهذا تسعى للحفاظ على الإرث كاملا وهذه التنظيمات تملك الكثير من المتعاطفين من أخوانا المسيحيين ، أما قبل ذلك كانت تلك الأفكار والبرامج محصورة في تنظيمين من تنظيمات المعارضة لا يملكان القاعدة الجماهيرية التي تؤهلهما لانجاح مشرعهما ، إلا أن اليوم الأمر أختلف وأصبحت النقاشات بصوت عالي دون أي حياء أو خوف وهي في معظمعها تدور حول ملكية الأرض والاستيطان الذي نفذته حكومة الشعبية ، فأرض المنخفضات هي أرض مشاع بعكس مثيلتها في المرتفعات وبالتالي للدولة حرية التصرف فيها والقرى التي تم نقلها بكاملها من المرتفعات وتم توطينها في قرى مواطنين من المنخفضات تُدعم بحجة أن للمواطن الحق في أن يسكن في أي جزء من أجزاء الوطن الحبيب بل أعطي ذلك المواطن حق نشر دينه واقناع أهل المنطقة (بالدين الحق!!!) فكانت الحملة التبشيرية المحمومة في جنوب القاش ، كما أن تلك النقاشات لم تستثن حتى قضايا اللاجئين ، فالحديث يتم بأسلوب لا يخلو من دلالات سلبية عن عمليات التجنيس للاجئين الارتريين في السودان ، والحديث عن عدم رغبتهم في العودة ونحن نعلم من بين أؤلئك اللاجئين لاجئين المنخفضات عمليا قد انسد الأفق أمام عودتهم فقد صودرت أراضيهم وقراهم والتي لم تصادر حتى الآن فهي في طريقها للمصادرة ، وبالتأكيد أن الجميع يعلم أن هذه ليست كل المظالم، وكذلك الجميع يعلم أن المظالم التي يتم الحديث عنها هي مظالم حصرية على منطقة المنخفضات وهذا بالتأكيد لا يعني التنازل عن بقية المظالم التي يشترك فيها أهل منطقة المنخفضات مع بقية المكونات الأرترية. أين التنظيمات الوطنية المعارضة من كل ذلك؟  
    لتسهيل الإجابة على هذا السؤال سأطرح سؤال آخر وهو هل الحملة التي جوبهت بها الرابطة كانت متوقعة أم أُخذ المؤسسين على غفلة؟ الحملة كانت متوقعة بصورة تكاد تكون مؤكدة ، والتنظيمات السياسية كذلك لديها قرأتها لمثل هذه الأوضاع وهي أقل استعدادا لمقاومة مثل هذه الحملات ، فعلى سبيل المثال عندما فكرت تنظيمات جبهة التضامن(جبهة تحرير أرتريا ـ الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية ، حركة الاصلاح الارتري الاسلامي ، الحركة الفيدرالية الديمقراطية) في تكوين تحالف تحت مسمى جبهة التضامن رفعت شعار الدفاع عن المهمشين ، إلا أن فكرة تكوينها كانت تدور بشكل وآخر حول نفس الهواجس وإن اختلف الشعار المرفوع ، فقد كانت أقل شجاعة في طرحها ، ومع هذا قوبلت بحملة شبيهة للحملة الحالية وإن كانت أقل في حدتها وتقريبا من نفس الشخصيات ، عموما فكرة جبهة التضامن في طريقها للموت نتيجة لسياسة عدم الوضوح التي انتهجها القائمين عليها ، بالاضافة للصراعات التنظيمية غير المحسوبة ، فالتنظيمات السياسية لها الكثير من الحسابات والتحالفات التي تمنعها من أن تكون واضحة في تلك المظالم إلا أنه يجب توريطها لتبني تلك المظالم وبشكل واضح. لهذا كان يجب أن تتبنى جهة ما الدفع باتجاه الوضوح في تناول المظالم والتوعية بها ، و جاءت فكرة رابطة أبناء المنخفضات… لخلق وعي بتلك المظالم ورص الصفوف لعدم ضياع تلك الحقوق مهما حدث ، فالامر الواضح الذي يعرفه الجميع أنه ليس هناك أي ضمانات في أرتريا المستقبل لنيل الحقوق بدون نضال وقد يكون نضال دموي.
      لماذا هذه الدعوة؟من سنن الحياة أن يذهب أسياس وقد يبقى نظامه كما هو أو مع تغييرات ديكورية وقد يتسنى للمعارضة استلام زمام الأمور فتنجح في اقامة نظام ديمقراطي حقيقي وقد لا تنجح في ذلك وهو الأرجح ، وسواء نجحت في ذلك أو لم تنجح هناك أمل كبير في أن ترد بعض المظالم مثل إعادة النظر في تعامل النظام الحالي مع ثنائية الثقافة والدين ، وكذلك مظالم الاسرى والمغيبين ، وتخفيف القبضة الأمنية … الخ ، بالمقابل هناك مظالم عمليا صعب ردها، وإن حسنت النية وتم الشروع في ردها سيكون ذلك بطريقة شكلية وما يتم ارساله من رسائل سلبية من المكون الآخر في المجتمع الارتري يجعلنا نعلم أن النيات غير حسنة ، ومن تلك المظالم التي سيصعب ردها … سكان انقضت عقود منذ أن سكنوا المنطقة فبعضهم له أكثر من عشرون عاما ، وهناك مدن موازية للمدن الاصلية قد تم تشييدها ، و مراعي تم تحويلها لقرى ومدن في منطقة جل أهلها يمتهن مهنة الرعي ، وهناك تغيير ديمغرافي قد حدث ، وهناك كنائس وأديرة قد تم بناءها وحملة تبشير تجري على قدم وساق ، وكل هذا يحدث فقط في منطقة المنخفضات دون غيرها ، وبالتالي وفي ظل هذا الواقع والقراءة الصحيحة للمستقبل يكون من الغباء الانتظار إلى أن نسقط النظام ثم البدء في عملية التوعية ورص الصفوف ، وقد أصبح ضروريا توعية أصحاب الحق وكذلك ارسال رسائل للطرف الآخر عن مدى التمسك بتلك الحقوق و مدى الاستعداد للدفاع عنها ، والوصول معه لاتفاقات عبر التنظيمات السياسية الموجودة في الساحة خاصة وأن ذلك لا يتعارض مع النضال الوطني ضد النظام الديكتاتوري الذي يخوضه أبناء المنخفضات مع بقية اخوتهم في الوطن.
      لماذا الدعوة موجهة فقط لابناء المنخفضات؟       الامام الشفاعي يقول في قصيدته التي عنوانها (ما حك جلد مثل ظفرك): ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمـرك وإذا قصـدت لـحاجـةٍ فاقصد لمعترفٍ بقدرك لهذا يجب ان يكون أبناء المخفضات هم الظفر الذي تحك به مظالمهم ، وأصحاب الجراح وحدهم من يفهم مقدار الألم الذي يعانونه ، وهم أقدر من غيرهم في تبني علاجه ، والشعارات الفضفاضة تقتل أكثر القضايا نبلا ، وحتى لا تموت القضية كان يجب خوضها من قبل أصحاب الأوجاع وهؤلاء هم سكان المنخفضات أين كانت اصولهم العرقية ومناطق سكناهم السابقة فهي باختصار دعوة للمتضررين من هذا الأمر.  
    ما هي مهام الرابطة؟   توعية مجتمع المنخفضات بشكل عام وأعضاء التنظيمات السياسية بشكل خاص وتشكيل مجموعات ضغط ، للضغط على التنظيمات السياسية عبر عضويتها لتبني تلك المظالم بشكل واضح وعدم التنازل عنها تحت أي مبرر كان ، وتكوين منظمات مجتمع مدني للقيام بتلك المهام.       ما موقف الرابطة من النضال الوطني؟       الكثير من معارضي فكرة الرابطة حاولوا افهامنا انها هروب من استحقاقات النضال الوطني ، وأنها محاولة شق لصف المعارضة الوطنية ، وقد كانت تلك محاولة غير ناجحة منهم لقتل الفكرة في مهدها ، فلا الورقة التي قدمتها لنا الرابطة قالت ذلك ولا المؤسسين قالوا ذلك ، فكل الذي سمعناه وقرأناوه يؤكد تمسكهم بالنضال الوطني ، كما أن اسهامات المؤسسين في النضال الوطني ودورهم فيه ينفي تلك التهمة خاصة وأن بعضهم مساهم فعال في قيادة تلك المعارضة عبر تقلدهم لارفع المناصب في قيادتها.       والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحتى لقاء أخر مع مقالنا … قراءة لبيان مناهضي رابطة أبناء المنخفضات.
      للتواصل aliafaa@yahoo.com

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الثاني أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي متابعة : ماذا حدث لك بعد نجاح العملية …

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *