موضوعات متنوعة في أسطر قليلة

بقلم / الأستاذ أبوبكر جيلاني

في زمن السرعة هذه يروق للمرء أن يقطف من كل باقة ورد ة ومن كل قضية فقرة ولذلك راق لي أن أحشر في أسطر قليلة عددً من الموضوعات التي رأيت تهم القارئ الإرتيري. وبهذا نضرب عصفورين بحجر واحد: الاطلاع على أكثر من موضوع في قراءة واحدة وترك المقال في أي لحظة دون قطع الأفكار لأن الموضوعات غير مترابطة.

“حال الصحافة المكتوبة باللغة العربية في إرتيريا قديما وحديثا”

بعد أكثر من70 عاما من بداية المسيرة التحررية في أرتيريا وأكثر من 25 عاما من الاستقلال الإرتيري تنعم إرتيريا اليوم بصحيفة يتيمة وحيدة عنوانها “إرتيريا الحديثة ” تصدر كل يوم ثلاثاء وخميس وجمعة وسبت بعدما كانت إرتيريا القديمة من أوائل الدول الإفريقية والعربية التي حظيت بكم وافر من الصحف والمجلات التي كانت تصدر باللغة العربية في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. عبر هذه الفقرة أذكر بعض المطبوعات التي ذهبت مع الريح الشعوبي: – الجريدة العسكرية – اليومية الإرتيرية – مجلة الشهر – البريد الأسبوعي – صوت إرتيريا – وحدة إرتيريا – مجلة المنار – الزمان – الخ .. والكثير الكثير من المطبوعات التاريخية التي لم أذكرها شاهدة على عروبة إرتيريا المصادرة.

“صحيفة إرتيريا الحديثة تمثل فعلا إرتيريا في عهد الشعوبية”

توخيا للمصداقية قبل كتابة هذه الفقرة قادحاً أو مادحاً: اطلعت على العدد 99 من صحيفة إرتيريا الحديثة الصادرة في 18/02/ 2017م كنموذج. الصحيفة تحتوي على 12 صفحة من الورق الرديء، لا مراسلين دوليين أو محليين أو إقليميين ولا صفحة خاصة عن شئون الحكم المحلي – لا ذكر للحوادث والجرائم وكأن البلد جنة الله في أرضه – أفضل شيء رأيته كانت الصفحة الصحية، أما الصحافة الرياضية الأجنبية أخذت حيزً كبير من الصفحات معظمها نسخ / لصق. مقالات من هنا وهناك موقعها الطبيعي مجلات وليس صحيفة أخباريه شبه يومية – لغة قريبة من الركاكة – أخطاء إملائية ونحوية ومطبعية عديدة (مثلا في صفحات – 4-6-7 لمن يريد أن يتأكد). يعني اسم الصحيفة فعلا ينطبق على حال إرتيريا اليوم كأنهم يقولون للقارئ هذه الصحيفة تمثل إرتيريا الحديثة في عهد الشعوبية الراهنة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. كأنهم يقولون إرتيريا اليوم لا مكان لها للغة العربية ولا للثقافة العربية وقد تنازل عنها أهلها طواعية على حد تعبيرهم، وهذه الصحيفة اليتيمة إنما هي لذر الرماد على العيون وحتى تتلاشى الأفواه الثرثارة مع مرور الزمن. نظرة عابرة على هذه الصحيفة توحي لك مدى البؤس الذي يعاني منه الإعلام الإرتيري المكتوب بلغة الضاد عبر هذه الصحيفة التي تشبه فتاة يتيمة الأم تعيش مع زوجة أب تحابي بناتها عليها.

“حريٌّ بنا ذكرهم شأنهم شأن شهداؤنا الأبرار”

الأبطال الوطنيين يجدر بنا ذكرهم في مقالاتنا وكتاباتنا باستمرار. هؤلاء العمالقة الذين كانوا يناطحون القوى الشريرة الداخلية منها والخارجية لمنعهم من طمس اسم إرتيريا إلى الأبد ومن ثم إبعاد اللغة العربية من إرتيريا كلغة رسمية ووطنية في إطار الوحدة الوطنية هم الزعماء الحقيقيين. نذكر منهم الآباء: عمر أكيتو – محمد ناصر باشا – برهانو أحمدين – القاض علي – وآخرين وكلهم من زعماء الهضبة ما عدى الشيخ عمر أكيتو زعيم من دنكاليا. هؤلاء كانوا يناضلون لصالح الاستقلال واللغة العربية بصفتهم مسلمين ووطنيين في آن واحد وأن اللغة العربية لغتهم الوطنية والدينية. وكان هناك أيضا مسيحيين كانوا معترفين عملا وقولا بمكانة اللغة العربية في إرتيريا كلغتهم الوطنية – ولم ينكرونها على مواطنيهم المسلمين، نذكر منهم: رأس تسما – دجيات معشو ولدي – قرازماش سيوم معاشو- أسبروم ولدي قرقيس – قرازماش بيني كحساي – دجيات أبرها تسما – (إبن الرس تسما) – دجيات سبهتو – أزماش كحسو – – دجيات معشو ولداي – -دجيات ولد قرقيس كحساي – دجيات سبهتو يوهانس – أزماش برهي قبركيدان.. وأخرين.

الهضبة الإرتيرية كانت تزخر بهؤلاء وغيرهم الذين لم ينكروا على مواطنيهم المسلمين لغة دينهم بل كانوا في كل أحاديثهم ومواقفهم يؤكدون مكانة اللغة العربية الوطنية في إرتيريا ومكانتها الدينية المسلمين. إذن من أين أتت هذه اللوثة التي أنكرت على المواطنين المسلمين لغة دينهم وثقافتهم واستخدمت العنف لتحقيق ذلك وانبرت لطرد اللغة العربية من الديار الإرتيرية بكل ما أوتيت من قوة، ورفضت مناهج التعليم التي يرتضيها الأهالي. هذه ليس من إرث الآباء المسيحيين والمسلمين. إذن من أين جاءت؟ فإذا كانت وشاية وتحريض استعماري واستشراقي، نقول متى كان الاستعمار أمين على الأوطان والوحدة الوطنية؟؟ ليتني أجد من يقول لهم باللغة التي يفهمونها إن قضية مسلمي إرتيريا مع هذه الديكتاتورية المركبة ليست قضية صراع على السلطة ولا صراع على الثروة ولا صراع سياسي بالدرجة الأولى هي قضية صراع ثقافي … لو عادت الأمور كما كانت قبل الضم الإثيوبي وإنهاء الفيدرالية ربما لما رأينا كل هذا اللغط.

“البعيد عن الأرض بعيد عن الواقع”

يؤسف المرء عندما يقرأ في المواقع الإليكترونية الإرتيرية كتابات مناهضة لرابطة أبناء المنخفضات الإرتيرية ويعتبرونها منظمة تقسيمية (تسترجع فكرة التقسيم) وهي من ذلك براء. هم بهذا يكرسون الانقسام شعب المنخفضات الا يحقق شيئا ويروجون لفكرة التقسيم من حيث يدرون ولا يدرون. على حسب إعلانها المنظمة مدنية بحتة وأهدافها مدنية خدمية. هؤلاء الأخوة يحتجون بفكرة التقسيم حينا وبأنها خصما على وحدة الإرتيريين المسلمين حيناً أخر ويتباكون على المشروع الوطني المفقود وما ستسببه هذه المنظمة من تأخير الوفاق الوطني حينا أخر. هؤلاء الإرتيريين الشرفاء بعضهم تربى ونشأ وتعلم وكبر خارج إرتيريا و(غالبا في السودان) ولا يعرف عمق التنوع الثقافي والديموغرافي والجغرافي في إرتيريا. وعلمت بعضهم لم يعيش فترة صباه ولا فترة شبابه على الطبيعة أي على أرض الواقع أيام كانت قوات الكوماندوس سيئة الصيت تحرق ريف المنخفضات الإرتيرية. خوفهم على بلادهم من إخوانهم أعضاء رابطة أبناء المنخفضات الإرتيرية ليس في محله. أحسب والله حسيبهم أي عضو من أعضاء رابطة المنخفضات الإرتيرية حريص على الوحدة الوطنية الإرتيرية بحدودها الموروث من الاستعمار بقدر حرصه على أن تكون بلاده دولة العدل والقانون. أقول لهؤلاء الأخوة كل ما في الأمر إن التركيبة الإرتيرية وجدت هكذا – وهكذا فصـَّلها المستعمر دون أي اعتبار لعواقب فعلته: جمع بين مناخين – طقسين – بيئتين – ثقافتين – تاريخين – وسكان مختلفين حتى في وسائل الإنتاج وطريقة الحياة اليومية (زراعي – رعوي – صيد سمك في الجنوب) وأسماها إرتيريا وهذه الحالة موجودة في كل البلاد الإفريقية وبلاد العالم وليس إرتيريا بدعا في هذا.

الدولة الإرتيرية الواحدة لا شك لن يفرط فيها أحدً. هذه المنظمة تطالب بشكل من أشكال اللامركزية (يـُتفق عليه) كترتيب داخلي على أسس إقليمية وليس عنصرية ولا أثنية ولا دينية، وهذا الأمر فرضه الواقع المذكور أعلاه وتفاديا للمركزية التي يتغول فيها طرف على طرف آخر بقوة السلاح رفضا لثقافة الأخر وهي الحالة التي أوصلتنا إلى ما انتهينا إليه. وقيل مرارا إن الرابطة ليس منظمة طائفية من الأساس حتى يقال عنها أصبحت خصما على وحدة المسلمين الإرتيريين.

“تكريمات المجلة الثقافية التابعة للتلفزيون الإرتيري “

تذكر التلفزيون الإرتيري في 25/02/2017 م عبر مجلته الثقافية الراحل بابكر عوض الكريم بعد أكثر من شهرين من رحيله من دنيانا الفانية. هذا الأستاذ والشاعر الإرتيري السوداني كان له دور ملحوظ في مساعدة الطلاب الإرتيريين في مواصلة تعليمهم في السودان في السبعينيات من القرن الماضي وله إسهاماته الشعرية في إرتيريا. الفقرة لا تسع للحديث عن هذا المعلم الشاعر ومواطن القطرين ولكن للتلفزيون الإرتيري خطى خطوة لا بأس بها في هذا وأن تتذكر متأخر خير من أن لا تتذكر أبدً. نتطلع إلى اليوم الذي نرى فيه هذه المجلة الثقافية الفضائية وغيرها من المطبوعات ووسائل الإعلام الوطنية تنتفض من مقابرها وتتحرر من براثن مقص الرقيب الهقدفي وتغوص في أعماق التاريخ الإرتيري الحافل بالبطولات وتكرم من يستحق التكريم من أبطالنا الشهداء والأحياء مثل ما جرى مع هذا الشاعر الراحل، هذا المعلم الذي قدم لبلاد والدته إرتيريا وأهلها الكثير من الخدمات في مجال التعليم.

“خطورة التداخل الشعبي في جنوب إرتيريا “

سمعت وقرأتُ كغيري من الإرتيريين الفيديو الذي انشتر عبر الواتس آب في 27/02/2017 م والذي تحدث فيه المدعو هبتي ماريام أبرها في مقابلة مع إذاعة أسنا. يؤكد الرجل إن التجراويين إرتيريين والإرتيريين تجراويين ويقصد بذلك المسيحيين وليس المسلمين. وقال عن المسلمين الإرتيريين ما لم يقله مالك في الخمر وهم الذين تسامحوا مع قوات الكوماندوس باقري بطون الحوامل والأطفال من أجل وطن يجمع الجميع. حديث هذا الرجل أوحي لي بعد كل هذه المعاناة وبعد 70 عاما من النضالات السلمية والعسكرية المشتركة تطلع لنا بقايا مناصري تجراي/ تجرنية كما أوحي بأننا ما زلنا في المربع الأول بالنسبة لرأي عناصر من أمثال هبتي ماريام أبرها، ألا وهو مربع الخمسينيات.

حاجز اللغة له دور كبير في خطاب الكراهية الذي يعانقه العديد من أهل كبسا سيما الذين لا يجيدون إلا لغتهم التجرنية وهم أكثر أهل الهضبة. رد بعض المسلمين بالكتابة ردً على ما يقرؤونه من كتاب التجرنية يجعل كرة الثلج تتدحرج وتكبر. ونعيش في دوامة من البادئ والبادئ أظلم.

في تفكير أمثال هبتي ماريام أبرها وما أكثرهم التواصل مع الشعب الإرتيري المسلم (أو مسلمي إرتيريا كما يحلو للبعض) إما معدوم أو مفقود الثقة أو فوقي (سيادي). بعض الإخوة قالوا لي هذا الرجل من تجراي ولا يمكن أن يكون من إرتيريا ويتحدث بهذه الطريقة فقلت لهم سواء كان من تجراي أو من إرتيريا خطر الاستقواء بالتجراي على المسلمين الإرتيريين مرة أخرى ما زال قائما إذا تطلب الأمر ذلك منهم في ظل عدم وجود توافق وطني يدرأ هذا الخطر.

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *