من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ” الفصل السادس (2)

sumudالفصل السادس: قضايا لغات التعليم واللغة الرسمية بإرتريابعد الاستقلال (2)

كتابات إدريس سعيد  أبَّعري دليلا

في سياق نقده مشروع لغة الأم لم يجد الكاتب والمناضل إدريس أبعري ما يستند إليه للدفاع عن اللغة العربية غير القرار التنظيمي الذي ذكره بكل وضوح في ظل عدم وجود مواد دستورية أو قوانين أو حتى مرسوم مكمِّل في البلاد يحتج به فلجأ إلى القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بالطفل ونبه إلى أدبيات اليونيسكو ( المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة) التي تحث على ضرورة احترام خيارات الشعوب أو المجموعات اللغوية والإثنية في ما يتعلق بالثقافة واللغة على وجه الخصوص، وقال كل النظريات الاجتماعية تؤيد هذا المنحى( هناك خيط رفيع بين الاختيارية والاجبارية المنقبة بنقاب الاختيارية )

إقترح أبعري أيضا في حالة تعذر قيام جهة تشريعية متخصصة، أن تقوم وزارة التعليم بمؤتمر خاص بالتعليم وأن تندرج فيه مسألة لغات التعليم كإحدى أجنداته الرئيسية، وأن لا يستبعد أحدًا من المؤتمر لموقفه من مشروع لغة الأم، وأن يستوعب المؤتمر خريجي الجامعات من خارج القطر، وأن يدعو القائمين على المؤتمر المقيمين خارج البلاد من المتخصصين التربويين والتربويين الدوليين، وأن لا ينظرإلى موضوع لغات التعليم بمنظورسياسي أو كصراع ثقافي بل من منطلق واقعي وتاريخي واجتماعي حرصا على اللحمة الوطنية المنشودة.

وعلى مستوى المجموعات اللغوية كان يرى أن تعقد كل إثنية أو مجموعة لغوية مؤتمرها الخاص تحدد فيه لغة التعليم لأبنائها وحذر من تسييس القضية اللغوية وعدم استبعاد مناهضي المشروع من المؤتمر الإثني المقترح، وأن لا يحشد الدهماء والبسطاء فقط وتعبئتهم ضد مصالحهم الثقافية والتاريخية او التلويح بالجزرة والعصا.

وذكر إنه لا يرى صحة تسمية ” القومية ” للمجموعات اللغوية الإرترية وإن الوصف الصحيح للتباين اللغوي في ارتريا  هو “مجموعات لغوية أو مجموعات اثنية “.وحذر الاّ تسيّس القضية التعليمية لأنه ربما كان يعلم أساليب الجبهة الشعبية القديمة في تمرير قراراتها المشبوهة حيث يُحشد موالين بسطاء وأميين من القرويين ويتم تعبئة أحدهم وتلقينه بما يطرحه في إجتماع جماهيري ويتم تأييده من قبل شخص آخر مدسوس في نفس الاجتماع ثم يعتمد الموضوع فوراً دون المزيد من النقاش مهما كان ذلك المشروع خطيرًا وحيويا ومتعلقا بهويات أوأقوات الناس المعنيين ، استخدم ذلك الإسلوب ضمن خطة التغيير في مراحلها الأولى عندما فوجئ الناس وهم في الميدان من تهميش  اللغة العربية في مدارسهم .

عن وضعه العائلي كمثال قال بأنه  ينحدر من مجموعتين لغويتين (من إثنيتين ) شأنه شأن العديد من سكان إرتريا ، وتسائل أي لهجة يجب أن يختار أبناؤه ، إن عاش في منطقة تقطنها مجموعة لغوية أخرى لا ينتمي إليها ولا يجيد لغتها جيدًا بأي لغة يجب أن يتعلم أبناء من هم في وضعه ؟ هل باللغة المحلية التي لا ينتمون إليها ولا يجيدونها أم بلغة الأم التي لا يعيشون في منطقتها أم بلغة الأب التي لا يجيدونها أصلا ؟ …

وكأنه يرفض استهجان واحتقار عقول الآخرين، ذكر إن مقالاً كتبه أحد المدرسين من الناطقين بالتجرنية في مجلة تسقنايْ تحت عنوان ” التعليم بلغة الأم اختيار ذكي لم يتقبله الشعب” حيث ختم الكاتب مقاله قائلا إن الشعب الإرتري شعب جاهل ولا يعرف مصلحته ولذلك أخذت الوزارة بيد الشعب وقادتهم إلى الطريق الأفضل. ( وكتب بين قوسين لا تعليق) وطبعاً المقصود بالشعب الإرتري هو الشعب الرافض لمشروع لغة الأم، وليس شعب الهضبة الإرترية الذين يتعلم أبناؤهم بالتجرنية.

إدريس أبعري تبريرا لمقصده الوطني وفي سياق مقاله أشاد من منطلق وطني بالذين رفضو كتابة التجرنية بالحروف اللآتينية في إحدى المؤتمرات في الميدان لإرتباط حروف الجئز بالإرث الثقافي والديني لسكان الهضبة الإرترية كأحد مكونات الشعب الإرتري (المسيحيين) ومن أجل الحفاظ على التراث الديني الضخم المكتوب بحروف الجئز في أديرة وكنائس الهضبة الإرترية منذ مئات السنين، وقال إن ذات المعاني هي التي تجعل المسلمين الإرترين يتمسكون باللغة العربية ومصرون لتعليم أبناؤهم بها، والفرق لغة الجئز اندثرت ولغة الضاد (العربية) حية وهي لغة تصلح لكافة شئون الحياة وليس لغة دين فقط كما يدعي البعض .

وذكروجود احتجاجات موثقة قام بها نشطاء من المجموعات اللغوية الرافضين مشروع لغة الأم بالرغم عن ورش العمل العديدة في هذا الشأن. وقال بعض الاحتجاجات مردها تفوق التجرنية على اللغات غير المكتوبة في أسمرا والمدن الكبيرة الأخرى لإن أبناء المجموعات اللغوية غير الناطقين بالتجرنية يجبرون للتعلم بالتجرنية مضطرين وليس باختبارهم لعدم توفر مدارس اللغة العربية والتي هي خيارهم الأول.

وكان يرى إن المشكلة لا تشكل جدلا سياسيا بقدر ما تشكله من خوف على مستقبل الأطفال التعليمي وعلى ما تعكسه سلباً على التنمية السياسية والاجتماعية والتربوية للبلاد على المدى البعيد وعلى اللحمة الوطنية واللجوء الذي قد يترتب بسببها .لم يخفي إدريس أبعري ابدا مرارته وغيظه الشديد من تلك الممارسات الغير مسئولة .

قال في نهاية مقاله  إن وزارة التعليم قد أعلنت سابقاً التزامها بقرار المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الشعبية لتحرير أرتريا القاضي بضرورة تخيير أولياء أمور الطلاب لغة المنهج التعليمي ( اللغة التي يتعلم بها الطفل المواد الدراسية) وليس استشارتهم فقط دون الأخذ برايهم ، ونبه بمعاهدة حقوق الطفل الدولية الموقع عليها أرتريًا، وقال عامل تخيير أولياء الأمور بنزاهة لم يتحقق قط.

 

كتابه  ” أرتريا ورهان الإسلام السياسي (حركة الجهاد الاسلامي نموذجاً)

كتابه ” إرتريا ورهان الاسلام السياسي” : اراه يعتبر من النقاط السلبية التي تحسب عليه وليس له وقد ضمن مراسلات لا تفيد القارئ بشيء . أعتقد إن تضمين الكتاب مثل تلك المراسلات السرية كان بالتأكيد لتعرية حركة الجهاد وقيادتها واستهجان أداؤهم بالسخرية والانتقاص وهي مراسلات داخلية للحركة لا يستفيد منها القارئ من أي ناحية. مهما كان الدافع لا يحق الإعتداء على كرامة الآخرين. ما جاء في الملاحظات التي وردت عن المراسلات الخاصة بقيادة الحركة كان يصب في خانة الصراع الثقافي الذي تديره الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة حتى اليوم ولم ينطلي على أحدٍ بعد وإن لم يعترف النظام بذلك طبعاً

انتقاده  لما ظنه تطرف بعض المسلمين الإرتريين وغلوهم في تسمية تنظيمهم حركة جهادية ومحاولتهم مصادرة الحقيقة سبق انتقاده غلاة النصارى من الإرتريين الشوفينيين. يفهم من آرائه أنه كان يحاول إقناع القارئ بأنه يدافع عن إقامة دولة دستورية مدنية ديمقراطية ويرفض دولة ضيقة التفصيل سواء كانت اثنوقراطية أو ثيوقراطية، ولكن للأسف الشديد واجه إثنوقراطية عاتية بصدرعارٍ وظهر مكشوف وجسد منهك بعاهات النضال لأنه كان مخلصاً وكان شجاعاً مثل بقية من سبقوه من الشهداء، حين آثرو النزال غير المتكافئ لا الهروب المعيب إلى الأمام أو إلى الخلف ولا الصمت المذل

إن الحالة الذهنية والنفسية للشباب الذين تعرضو لعصف ذهني وغسيل أدمغة لفترة طويلة غالباً يندفعون في هجومهم نحو مخالفيهم دون أن يتركو شعرة معاوية، على طريقة إما قاتل أو مقتول وأحياناً على طريقة الكامي كازي اليابانية ( قاتل ومقتول). ربما إدريس أبعري كان أكثر اعتدالا مقارنة بالآخرين.

أبعري واحدًا من أبطال الثورة الإرترية  وواحدًا من الذين ضحو من أجل كلمة الحق ولكن هذا لا يعني عدم نقد أعماله السياسية والأدبية. وبما إننا بصدد الحديث عن مواقف سياسية سوف أتناول كتابه ” إرتريا ورهان الإسلام السياسي ” بشيئ من النقد السياسي الموجز وليس النقد الأدبي.

 الكتاب نشره مركز الدراسات السودانية بالقاهرة في عام 1998 م. وهو مركز كان مسيطرا عليه عناصر من الحزب الشيوعي السوداني. انتقد فيه إدريس أبعري حركة الجهاد الإسلامي الإرتري نقدًا حادًا ما بدى للمتابع بأن الكاتب دفع دفعاً قوياُ ليتحول تحولا جذرياً في تناوله القضايا الإرترية.ولكن في النهاية يستنتج القارئ بأن الكاتب كان يحاول مواجهة ما كان يراه غلوًا أو تطرفاً إسلامياً غير مبررً وغير مناسباً لإرتريا كبلد متعدد الديانات والهويات، ويحاول ليظهر وكأنه يدافع عن وطنه وعن الوحدة الوطنية  أكثر من دفاعه عن تنظيمه  حيث يقول إن القانون فقط هو الفاصل وليس تشبث كل طرف بموقفه الديني ومحاولة فرض رؤيته بالقوة سواء كانت دينية أو فلسفية أو أيديولوجية.

أقول هذا كلام إنشائي بالطبع عندما قال مثل ذلك لا يوجد هناك قانون مطبوعات وصحافة في إرتريا وإلى الآن  ثم إن القانون يسبقه الدستور والدستور يسبقه مؤتمر دستوري تنبثق عنه جمعية تأسيسية ومن الجمعية تنبثق لجنة إعداد الدستور أو مفوضية الدستور. وكل ذلك لم يحدث في إرتريا إلى الآن وبعد مضي 24 عاما من الاستقلال.

انتقاده التوجه الديني لبعض فصائل الثورة الإرترية سبق انتقاده مشروع التعليم بلغات الأم الخاص بتنظيمه بثلاثة سنوات. استفزه انحياز بعض المسلمين الإرتريين إلى الهوية الدينية  دون غيرهم من المسلمين على حساب الهوية الوطنية قبل أن يستفزه انحياز بعض النصارى الإرتريين المتنفذين في تنظيمه لهويتهم اللغوية والثقافية على حساب الوحدة الوطنية. ولكن ذلك لا يعطيه الحق ليعري الآخرين بتلك الطريقة  في الكتاب المذكور .

أعتقد عندما ألف كتابه مدار البحث أسس قناعاته عن حركة الجهاد الإسلامي الإرتري على ما كان يصله من إعلام الجبهة الشعبية ومن إعلام المعارضة السودانية والحزب الشيوعي السوداني تحديداً وما كان يقال عن حركة الجهاد في الشارع الإرتري هنا وهناك، وربما من أفراد جهاز حماية الثورة(حلوا ثورا)  التابع للجبهة الشعبية. ولترسيخ قناعانه السلبية في ذهنه عن حركة الجهاد الأرتري، أعطيَ بعض الوثائق الخاصة بمراسلات قيادة حركة الجهاد الإرتري وهي فعلا سرية وخاصة بدرجة كبيرة ولا يجوز أن تضمَّن في كتاب إلاّ إذا كان المراد تحويلها  إلى وقود مصبوب على النار. كشف عشرات من المراسلات التي كانت تبعثها قيادة الحركة إلى بعض المسئولين قبيـْل أزمة الحركة التي شطرتها إلى نصفين وكشفها للعالم ربما دون أن يسئل نفسه ماذا يستفيد القارئ من مثل تلك الإزدراءات التي كان يذيل بها ما ينقله من الكتاب، وربما دون أن يفكر كيف وصلته تلك الوثائق ولماذا أريد منه تضمينها كتابه ذلك وكأنه أجبر ألا يقر بحقوق الآخرين ليناضلو بالطريقة التي تناسبهم والتي يستطيعون العمل من خلالها. وذلك كان دهاءًا سياسيا يصب في خانة الصراع الثقافي غير المباشر وتعرية الخصم وتقزيمه إفتراءً على لسان أحد أبناء المسلمين.

الشيء المهوِّل ليس تلك المراسلات الخاصة التي ضمنت الكتاب ولا الكيفية التي وصلت بها الكاتب وحسب ولكن الازدراء  المصاحب للمراسلات منتقصاً نضالات أناس وطنيين كانو يناضلون مثله من أجل الحرية والقيم والهوية التي ينتمون إليها والتي انبرى هو نفسه للدفاع عنها في النهاية ولكن بعد فوات الأوان.

الذي يندى له الجبين إن مثل تلك الكتابات التحريضية كانت تستخدم ليس فقط للدعاية الخارجية وحسب بل أيضا للعصف الذهني للمقاتلين البسطاء دون غيرهم .اكتشف المغرربهم الحقيقة بعد فوات الأوان وبعد تمكين خصماً ليس له إلا ولا ذمة من رقابهم ورقاب أهليهم . هكذا ضاعت الحقوق والكرامة ودولة القانون تحت تأثير الخديعة والعصف الذهني وغسل الأدمغة في إرتريا والمأساة مستمرة. والله المستعان.

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *