قيادات الفصائل الإرترية التي خسرت المعركة لصالح الجبهة الشعبية

sumud

من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ”

الفصل الثامن:  شواهد من التاريخ الإرتري الحديث (2)

(قيادات الفصائل الإرترية التي خسرت المعركة لصالح الجبهة الشعبية)

عندما انقسمت جبهة التحريرالإرترية إلى فصيلين في بداية السبعينات من القرن الماضي شرع كل فصيل في إبادة الفصيل الآخر لأسباب ربما  لا تخرج عن اختلاف في وجهات النظر الشخصية فقط0

الأحياء منهم إلى اليوم ربما يذكرذلك وهم على هامش الحياة ومن لا يتوفاه الله يكابد أيامه في المنفي وبعضهم في سجون النظام وبعضهم إلى الآن يناطح لمناصب وهمية في المعارضة االعقيمة، فعلا هم مقاتلين مخضرمين منذ 40 عاما ولكن يشغلون مناصب قيادية إلى الآن كأنهم لم يتحملو أي جزء من إخفاقاتهم التي يدفع الشعب الإرتري ثمنها.

هؤلاء الذين قادو الفصائل المهزومة بالرغم عن تضحياتهم الجسيمة يتحملون جانبا من المسؤولية تجاه  شعب إرتريا وتجاه المشاكل المتعلقة بحق العودة  والحرية والوحدة الوطنية.

مشكلتهم لم يدركو حينها إن داعيَ الحرية والاستقلال عن إثيوبيا، إنما كان لأسباب التحررالوطني وذلك يتطلب حرص شديد للانتصار وروح مسئولية عالية وتجرد، وربما لم يدرك قيادات تلك الفصائل في الوقت المناسب بأن إضعاف المكون الذي يشاركهم القيم والثقافة بإرتريا سوف يُـضعف موقفهم في المستقبل إن لم يعملو ككتلة واحدة ومن منظور استراتيجي موحد وأن عدم وفاقهم وأنانيتهم سيقود إلى ضعفهم وسيخل بالتوازن السياسي ببلادهم في المستقبل0

قرات مذكرات أحد المناضلين في موقع  إلكتروني إرتري ومنه استنتجت بأن العديد من قيادات الثورة الإرترية المسلمين لعبوا أدوار إبن العلقمي(1) التدميرية جهلا أو لامبالاة إما بتبني أيديولوجيات لا تمت إلى تطلعات شعبهم بصلة أو بتدمير أهداف المسلمين الثقافية والسياسة بعدم الوقوف بحزم ضد التعددية اللغوية وضد الأحادية السياسية، وهي أمور كان يمكن أن تحافظ على التعايش السلمي والتوازن بين الإثنيات في إرتريا اليوم.

 إن عدم التوازن بين الأطراف المختلفة أفقد البلاد فرصة الحوار الوطني، لأن الطرف الأقوى يرى عدم جدوى الحوار مع الضعفاء، وهذه من طبائع العسكرفي إفريقيا والعالم الثالث0أما السياسي الحقيقي يحاورالضعيف قبل القوي لاحتواء الضعيف واستمالته وكسبه إلى جانبه، ثم يحاور القوي بعدما يضمن  الضعيف للتوافق على برامج وطنية حقيقية. وفي غياب السياسيين الحقيقيين النتيجة المنطقية هي حكم فرد ومأساة والهجرة إلى المجهول وهي المستمرة إلى الآن بإرتريا.

في عهد الثورة (خصوصا في الفصائل المحسوبة على المسلمين ) كان هناك من أشباه المناضلين وخاصة بعض مسئولي المكاتب الخارجية من يرى في المنصب الذي تبوئه غنيمة لا تعوّض، وكان من المفترض أن يعتبره تكليفاً وأمانة كبيرة. ذكر لي صديق أثق في كلامه إن شخصا كان يشغل مندوبا لجبهة التحرير الإرترية في السبعينيات في دولة خليجية ومن مظهره الخارجي كان يشبه كأنه يعيش حياة الأمراء والترف وليس حياة الثوار المحرومين لأجل وطنهم وشعبهم وكان يجوب العواصم العربية بغرض وبدون غرض وفاتورته على حساب مكتب الثورة في البلد الذي يزوره . يقول صاحبي زرته في فندق بجدة عندما سمعت بوجوده  لعلاقة قديمه بيننا، وكنا جلوس في فندق حين قال لي  ” اشرب يا صديقي أغلى العصائر والمأكولات تجدها هنا.  من سيعطينا هذه الفرصة عندما تتحرر إرتريا”. قال محدثي ذهلت من هذه العبارة ولم أرد لأنني كنت ضيفا عليه غير أننى علمت لو مثل هذا الشخص كثر في الجبهة علينا وعلى الجبهة السلام ولتستعد الشعبية لاستلام البلاد. وهذا ما حدث بعد بضعة سنوات.

قال صاحبي الشخص الذي تفوه بمثل تلك العبارات يعيش اليوم لاجئا يقتات من ضرائب الشعب في إحدى الدول الأوروبية وأما الذين كان يمثلهم ويعمل من أجلهم يعيشون في معسكرات اللجوء والشتات ويحيون حياة البؤساء والمعدمين.

لجوء بعد العودة فرحاً بالاستقلال  

بعد الاستقلال آثر بعض المواطنين الذين عادو من المهجر إلى إرتريا العودة من حيث أتوا عندما رأو بأم أعينهم وقد استولى على بلادهم حكم الغاب، لم يجدو لأنفسهم ولأبناؤهم مكانا هناك بعد ما تبدل الحال ببلادهم. ومنهم من بدأ أعماله وعاد مفلسا بعد ما انهكته الضرئب والإجراءات الكيدية ومنهم من لم يجد منزله كما تركه ومنهم من انتزعت أملاكه ومنهم من ملّ المماطلة التي تؤدي إلى الإفلاس فتنازل عن المال الغائب حتى لا يضيع الموجود وعاد أدراجه، وصرف من كان ينوي العودة النظر بعد معرفته بالأحوال من بعيد من العائدين بينما استسلم الآخرين لأقدارهم في منافيهم لينتظروا ما تخفيه لهم الأيام القادمة وبرهنت الأيام ما كان يخفيه القدر عندما بدأ الشباب بالهرب بالألاف شهريا والمأساة مستمرة حتى كتابة هذه السطور.

الحل في الحوار السياسي والمصالحة الوطنية وليس بالقبضة الحديدية

نعود إلى أصحاب القبضة الحديدية. لو يسمع النصيحة إلى الآن الحل يكمن في الحوار والتوافق وليس في القبضة الحديدية0 إن التوافق لا ياتي من خلال قبضة حديدية أو من خلال خطب سياسية رنانة0

العديد من الشعوب  قدمت الكثير من التضحيات من أجل  حريتها، ونضال الشعب الإرتري ليس اقل تكلفة من تلك النضالات وسيظل مشروعاً إلى أن يسترد حريته في الاختيار والتعبير.

الإنسان أينما وجد  في تطور فكري مستمر وفقا  للمعطيات التي تصله بالاحتكاك الإيجابي والتفاعل والتجانس مع الآخرين0 وإذا رأى إن تلك المعطيات تصله  بصفة قسرية دون إرادته ودون اختياره، يستشعر قهرا ثقافياً ينطوي على صراع لا نهائي وما نخشاه في إرتريا أن لا يطول عهد الهيمنة الأحادية ويتطور إلى أبعد من هذا المستوى.

وإذا حدث التعايش بشكل تلقائي وفي أجواء  من الحرية نتج عنه ثراءًا  فكرياً وانفتاحا وثقافة متجددة0

إن الحرية كانت وستظل الهدف الأسمى للإنسان أينما كان وفي كل العصور، وإن لم يستشعرها الجميع ، وأهم الحريات تلك المتعلقة بالعقيدة واللغة والثقافة والفكر والتعبير0

ربما لهذا السبب تطالب شعوب العالم الثالث ومنهم الشعب الإرتري بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لعلها تتيح لهم الحرية ومنها حرية الاختيار والتعبير0

البداية الصحيحة بالمصالحة الوطنية

الدستورهو العقد بين الحاكم والمحكوم في ابسط صورة لشرحه0 هناك دستور أعد في إرتريا من قبل النظام وهو مفصل على النظام ورؤيته لحكم إرتريا ورغم ذلك تم تجميده. كان يجب أن يستفتى عليه الشعب الإرتري وأن يدقق من قبل المتخصصين القانونيين وعلماء الاجتماع ولكن شيئا من ذلك لم يحدث . من طبائع الأنظمة التي لا تحترم شعوبها لا ترى في الدساتير أو القوانين المنبثقة عنه أي فائدة لها.

الدستور حق وطني لكل مواطن والمطالبة به واجب وطني على كل مواطن. الدستور سيد القوانين. كل القوانين لا تساوي الورق التي كتبت عليه إذا لم تعتمد على دستور . خصوصا في بلد مثل إرتريا متعدد العرقيات، ثنائي الثقافة يعج بالمجندين وبالفصائل العسكرية وكل بيت فيه شهيدًا أو معاقاً أو كسيحاً أو مفقودا لا بد من وجود دستور ا يكرس الديمقراطية إذا اريد للبلد الاستقرار أولا ثم التطور.

حجب هذا الاستحقاق حتى الآن يعتبر إنتكاسة كبرى على الشعب الإرتري الذي دفع ثمنا باهظا لتحقيق الاستقلال. من حق ولأا أأأأأ     الشعب الإرتري أن يقيم نظاما ديمقراطيا راشدًا يعيش تحت كنفه ولا بد له من خوض غمار الديمقراطية وأن يناضل من أجلها اذا أراد أن يخوض تجربة التنمية المتوازنة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً.

هناك بلدان كثيرة في العالم لديها ثقافة ثنائية ولغتان رسميتان وسكانها ينعمون بالحياة الطبيعية والتقدم المستمر، بل إن تعدد الثقافات في بلد ما قد يكون عامل إثراء وانفتاح وليس بالضرورة عامل تخويف وانغلاق وكبت وصراع0 العامل الحاسم للوصول إلى اتفاق في مثل هذا الأمور هو أولا الثقة المتبادلة والقبول المتبادل بين الأطراف دون النظر إلى منطق القوة والضعف بين المكونات أو التنظيمات أو الأحزاب، لأن قوي اليوم قد يصبح  ضعيف الغد، وضعيف اليوم قد يصبح قوي الغد، والذي يشعر بالاستضعاف غالباً يستنهض قواه مهما طال الزمن ليصل إلى مستوى الطرف الذي استضعفه. نضالات الشعوب وكفاحها لا يقاس بسنوات قليلة أو حتى بعقود.

في تاريخ المنطقة القديم لدينا شواهد من هذا القبيل الملك عيزانا الأكسومي غزى بلاد البجة في القرن الخامس الميلادي وفي بعض المصادر في القرن السادس الميلادي ومنذ ذلك الزمن كان ملوك أكسوم يغيرون وينهبون أرض البجة في السنة مرة أو مرتين ،  والبجة يدافعون تارة وينهزمون أخرى وأكسوم تستبيح بلادهم وتنهب مواشيهم حتى القرن العاشر الميلادي حين استقوت البجة بمن ناصرها من القبائل العربية ووجدت من يقودها وهم على وجه الخصوص قبائل بلي العربية ( المعروفة في السودان وإرتريا بلفظ بلو) وبقيادة تلك القبائل دافعت البجة عن أرضها بل أغارت على الهضبة الإرترية وحكمتها لفترة امتدت أربعة قرون وهجمت على أكسوم في عقر دارها وكانت السبب المباشر لسقوط وانهيار أكسوم إلى الابد. ودفعت أكسوم ثمن اعتداءاتها المتكررة لفترة طويلة على البجة. أوردت هذه القصة للقول إن منطق الحرب دائما ينتهي باضمحلال المعتدي ومنطق القوة والضعف العسكرى هو منطق الدوران في حلقة مفرغة وهذا ما رأيناه في كثير من بلدان العالم0واللبيب من اتعظ بتجارب الآخرين0

سويسرا، كندا ، بلجيكا  وبلاد أخرى تعتمد أنظمة سياسية متطورة يراعي خصوصيات السكان المتباينة، وبإمكان الاستفادة من تجاربهم في هذا الشأن0 كان يجب التخلص من ثقافة العزل والاستئصال والإحلال والشكوك المسيطرة على بعض الأطراف كل ذلك النضال المشترك، وكان المأمول استبدالها بثقافة الحوار والاعتراف الحقيقي بالمساواه في كل شي ونبذ الاستخفاف بإمكانيات الآخرين0

الاعتراف بالحقوق يعني الاعتراف بالمطالب المشروعة في الثقافة والسياسة والاقتصاد وليس فقط الاعتراف بحق المواطنة وحق الحياة0

للأسف الشديد كل الشواهد تؤكد بأن الحريات في إرتريا مرفوضة برفض ثنائية الثقافة التي تحفظ التوازن والاعتراف المتبادل في إرتريا والتي تبتعد عمليا يوم بعد يوم، وإن ظلت في وجدان مسلمي إرتريا، وإنّ قدرة اللغة العربية والثقافة العربية على الصمود في إرتريا في محك حقيقي إذا استمر وضع المسلمين كما هو .

(1) رافضيُّ من روافض العراق كان وزبرا للخليفة العباسي وتآمر مع المغول وأسقط الخلافة العباسية  في بغداد. وبعد تمكين المغول كان هو الضحية   حيث عومل شر معاملة من المغول طافو به بغداد على ظهر حمار ليستهزء به الغلمان ثم قتل شر قتلة.

شاهد أيضاً

مهرجان الرابطة بمدينة كولن في المانيا

المهرجانات الثقافية حالة تفاعل بين القيم والموروثات .. ودعوة لقراءة تاريخ الاجداد

ابو بكر صائغ قال لي أحد الاصدقاء في جلسة ودية تفاكرية إنني أؤمن بطرح رابطة …

ملبورن: إذ تحدث عن إرث متأصل

عبدالرحمن كوشي رابطة أبناء المنخفضات الارترية الفتية، بعد أن فجرت الطاقات الفنية الكامنة، من قلب …

احتفال الرابطة في ملبورن

علي جبيب شهدت مدينة ملبورن الاسترالية منذ يومين احتفال ابناء رابطة المنخفضات الارترية بمناسبة الذكرى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *