من كتاب ” صمود الهويات ودحض المفتريات ” الفصل الثالث (1)

sumud الفصل الثالث: إطلالة على الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان الهضبة الإرترية (1) 

الموقع الجغرافي للهضبة الإرترية:

تقع الهضبة الإرترية في الجزء الجنوبي من أرتريا يحدها جنوبا إقليم تجراي الإثيوبي وشرقا المنحدرات المؤدية إلى إقليمي سمهر ودنكاليا وشمالا إقليم سنحيت وغربا إقليمي القاش وبركا . كل أسماء الأقاليم الإرترية التاريخية اختفت إداريا بعد التغييرات التي احدثتها الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في كل شيء في البلاد بعد الاستقلال ، إلا أنها مغروسة في وجدان الإرتريين حتى الشباب منهم الذين لم يتمتعوا برؤية بلادهم بعد ، الذين كتب لهم هذا الفصل  بالدرجة الاولى .

الهضبة الإرترية هي المنطقة المعروفة تاريخيا بأقاليم سراي وحماسين واكلي قوزاي وكانت تعرف في عهد الاستعمار الإيطالي ب ” ألتو بيانو” وتعني المنطقة العليا. تتمتع الهضبة الإرترية بطقس ربيعي معتدل مقارنة بالمنخفضات الإرترية الحارة. بعض المواقع الطرفية من الهضبة تعتبر جافة إلا أن معظم الإقليم ينعم بأمطار موسمية. تبدأ الأمطار من شهر يوليو وتستمر حتى شهر سبتمبر يعقبه موسم شتاء بارد يميل إلى برودة قارصة في المواقع الأكثرارتفاعا. تزرع في الإقليم العديد من أنواع الحبوب مثل القمح والشعير والذرة والعدس والخضروات. وتعرف الهضبة الإرترية بشح الثروة الحيوانية وضيق الأراضي الزراعية لسكانها.

أصول السكان :

معظم سكان الهضبة الإرترية ينحدرمن سلالات مهاجرة من جنوب الجزيرة العربية خلال الألفا سنة قبل الميلاد وبعضهم ينحدر من قبائل البجا الحامية التي أسست بعض قرى المرتفعات منذ10 قرون إثر اجتياح قبائل البجة الحامية المنطقة. امتزج من سكن المنطقة من قبائل البجا بالنسيج الثقافي والديني واللغوي للهضبة غير أن بعضهم لا يزال يعرف اسم عشيرته البجاوية وبعض القرى تحمل أسماء عشائر بجاوية موجودة إلى اليوم. كذلك هناك من ينحدر ممن نزح من جهة الجنوب أي من وسط الحبشة وشمالها في فترات متفاوتة إثر حركة نزوحات جماعية إما جراء الحروب أو المجاعات ، أكثرها كثافة كان نزوح قبائل الزاقوي من وسط الحبشة في القرن الرابع عشر الميلادي إثر هزيمتهم من قبل الأسرة السليمانية.

الكثافة السكانية وضيق مساحة الأرض الزراعية أفرز حركة السكان جنوبا أو شمالا باستمرار ، وكذا تورط الزعامات كطرف مناهض أو مساعد في الصدامات والغزوات التي كان يقوم بها رؤوس التجراي وقوى خارجية أخرى في المنطقة . أغلب السكان مزارعين يسكنون قرى ثابتة تبدأ أسماء معظمها ب ( عدي أو إندا).

الدين واللغة :

السواد الأعظم من سكان الهضبة الإرترية مسيحيين يعتنقون المذهب اليعقوبي ( الأرثودوكس) منذ أن دخلت المسيحية المنطقة . وقد تحول بعضهم خلال العقود الماضية إلى المذهب الكاثوليكي أوالبروتستانتي بجهود المنظمات التنصيرية ، وهناك طوائف مسيحية أخرى أقل عدداً انتشرت بين الشباب منذ النصف الثاني من القرن العشرين. وتساكنهم أقلية اسلامية عانت في العقود الماضية من التهجير وانتزاع الأراضي الزراعية منهم وتهميش الهوية العرقية وهدم المساجد مؤخرا في منطقة سراي وأكلي قوزاي من قبل النظام الإرتري بزعم إعادة التخطيط .

تسكن بعض عشائر الساهو بالطرف الشرقي من الهضبة المعروف ب “هزمو” وكان لهم أيضا صولات وجولات من العداء والصراع وخصوصا بين عشائر صنعا دقلي المسيحية وطروعا المسلمة . أرجو الله أن أوفق للكتابة عن متاعب المسلمين بالهضبة في قرى مسيام ومأدو وعدي واطوت وأمبا درهو وغيرها من القرى في بحث منفصل لأن هذا الفصل معنيٌ بالهوية الثقافية والدينية والاجتماعية للسكان الأرثودوكس الريفيين فقط.

الكتب والمخطوطات بالهضبة الإرترية:

معظم الكتب الدينية القديمة والمخطوطات في الهضبة الإرترية مكتوبة بلغة الجئز. وهناك عددًا من الأديرة المنيعة التي حفظت فيها تلك الكتب والمخطوطات الأرثودوكسية وهي بحق تمثل كنوزا تاريخية وأدبية ودينية لا تقدر بثمن لتراث السكان الديني. وكان التعليم الديني للمذهب الارثودوكسي (المذهب اليعقوبي) يعتمد على تلك النصوص الجئزية، ولم تؤلف كتب دينية معاصرة باللغة التجرنية للمذهب الأرثودوكسي إلا منذ القرن الماضي حين طبع الكتاب المقدس (العهد القديم ) في العهد الكولونيالي .أما المذاهب المسيحية غير الأرثودكسية اعتمدت اللغة التجرنية والحرف الجئزي بعد ظهور المنظمات التنصيرية التي وفدت إلى المنطقة منذ القرن التاسع عشر الميلادي.

شكل المساكن التقليدية والخصائص الاجتماعية:

مساكن القرى التقليدية تعرف ب “هدمو” وهي ذات شكل صندوقي مستطيل بطول 20 إلى 25 مترا تقريبا وعرض 10 أمتار، تسقف بالأخشاب الكبيرة والطين وجدرانها من حجر مدعومة بجذوع عريضة وتفتح أبوابها من جهة العرضين . يستخدم روث الأبقار بكثرة كوقود للطهي لشح الأشجار أو بسبب منع قطعها في بعض المناطق. حظيرة الماشية يُقسَمْ لها الجانب الخلفي من المنزل لوقاية الماشية من البرد واللصوص. وإن العديد من سكان الاقليم سكن المدن منذ قدوم الاستعمار الإيطالي إلا أنهم ما زالوا يعمدون للإرتباط بقراهم الأصلية ويحرصون على بناء منزل حجري مسقوق بالزنك بجوار ال”هدمو” للمحافظة على اسم عائلاتهم بالقرية.

تاريخيا هناك طبقتان اجتماعيتان في بعض القرى هما ” ودي أبات”  و”مأكلاي عليت ” وتعني إبن الاباء المؤسسين (أي الأصيل) وإبن العائلة الوسطى أي القادم بعد تأسيس القرية إلا أن هذا التمييز في طريقه إلى الاندثار، وليس هناك  نظام للرق أوالإقطاع حاليا إلا أن نظام الرق ربما كان يمارس في المنطقة قديماً. وكان في الماضي يُعترف بالفرد كمواطن في القرية بعد عيشه فيها 40 عاما أو أكثر.

الإنتاج الزراعي بالهضبة الإرترية:

الانتاج الزراعي شحيح للغاية وبالكاد يغطي الاستهلاك الخاص للمزارعين. وإذا شحت الأمطار قد يؤدي ذلك لحدوث المجاعة. معظم الفلاحين يملكون قطع زراعية موروثة بنظام الرست (وتعني الملكية المتوارثة) حيث يتوارث الأبناء أرض الآباء. ومن لا يملك أرض زراعية يستأجر أرض الذين يقيمون في المدن. ولشح الأراضي الزراعية ولأن بعض القطع الزراعية يرثها أكثر من إبن يترتب على ذلك حرث الأراضي المشتركة بالمشاركة أحيانا وتدار شئون الأراضي الزراعية المشتركة عبرمجلس يرأسه شقا ( شيخ القرية ) في بعض القرى. ويتم إعادة توزيع مثل هذه الاراضي الزراعية كل بضعة أعوام في القرى التي تشح فيها الأراضي الزراعية. وتعرف كل قرية حدود أرضها الزراعي والرعوي . والثروة الحيوانية تعتبر شحيحة مثل الأراضي الزراعية مقارنة بأراضي وثروة المنخفضات الإرترية الحيوانية ، هذا الأمر حمل النظام الإرتري لنقل أعداد كثيرة من سكان الهضبة إلى المنخفضات الغربية وهيأ لهم قرى جديدة دون الرجوع إلى أصحاب الأرض المسلمين الذين منعوا بطرق مباشرة وغير مباشرة عن العودة من مناطق اللجوء بشرق السودان .

..

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *