من أجلهم يجب ان نتعلم الوفاء

dahlak

الاستاذ محمد ناود

أهم ميزتين يتمتع بهما سجن “نُخْرَة” عن غيره من سجون المخابرات الأرترية، أولاهما الرطوبة العالية والحرارة الشديدة خلال أشهر الصيف، ومعروفة طبيعة طقس شواطئ البحر في هذا الفصل من السنة، أما الثانية فهي الإستاكوزا. والإستاكوزا هي من القشريات البحرية وهي من فصيلة السرطان والكابوريا. وعادة ما تخرج إلى الشواطئ الصخرية عندما يحل الليل وتكثر في الليالي المقمرة. وهي تطلق أصواتاً أشبه ببكاء الأطفال مما يثير الربكة في نفوس السجناء والمعتقلين.. ) أمير بابكر عبد الله / الغولاغ الارتري ..

المعتقل والمغيب في ارتريا لم اجد حتى الان تعبير يصف حاله فهو انقطاع بالكامل يعتقل في جنح من الليل دون ضجيج من أهله وكأنهم على موعد مسبق أو عابرا لشارع وكأن هذا العبور شرطا للاعتقال وبدون عصابة للعيينين يرى ويـتأمل ملامحهم فارغة لا توحي بشيء غير العدم وشيء من تفاصيل القادم .. تبدأ رحلة الاختفاء كأنها عبور البرزخ وقد أخذ جلاده عهد على نفسه (انهم اليها لا يرجعون .. ) ففي وطن يغدوا كل فرد فيه مشروع للاختفاء كما الموت لا تعرف اسبابه ولا يمكنك الحذر منه بالتأكيد ستعجز كل الكلمات عن وصفه وتفاصيل وقعه على المعتقل .. في وطن تكثر فيه الثقوب السوداء / نخرة / تراكبي / ادر سار ..الخ تبتلع السائرين بشراهة لا تعرف الامتلاء وكأن جوفها قطعة من جهنم لا يمكن ان تتكهن باحداثياتها ولا تضاريس الضيق والاتساع فيها .. فقط معتقلينا وحدهم من يعرف مقدار عمق الالم والغياب حيث يكون الموت الذي لا يجيئ غاية تستحق الترقب والانتظار ..

صحيح ان هنالك قلة حالفها الحظ ان تفلت عن هذا الغياب وتعبر مرة أخرى برزخ الموت الى بر الحياة غير أنها اضاعت كل وسائل الاستمرار في عتمة الاختفاء هناك .. اضاعت الكلام و الاشتهاء والترقب أضاعت كيف يكون الوقوف لا تحمل من بعضها غير جسد لا يقوى للحياة ( زومبي ) تناجي في سرها ان يأتي الخلاص .. جسد لا يتذكر غير لزوجة الظلام تتخلل اصابعه وتسكن حدقات الرؤية لديه فتغور نفقا فيه تصبح معه كل الاسئلة عبثا وخواء ..

المعتقلين والمغيبين لم يختاروا مصيرهم ليعيشوا صورا على حائط أو شتات من الذكريات يغدو حينا ويخبو حينا آخر ومحنتهم ليست شخصية حتى يواجهوا فيها مصائرهم وحدهم ويتركوا هكذا حتى يحين الأجل بذات الكيفية التي أتي فيه موعد الاعتقال وانما هي محنة ومآسة وطن يعايشها ويقاسيها احبنا واكثرنا عشقا له .. وهم بذلك أكثر يقينا في انتماءهم الينا وان لسان حالهم وهم في مواجهة ذلك العدم ان هنالك ثمة من يقدر موقفهم هذا ويخلص له وفاء ليقينهم ..

لأجلهم يجب علينا ان ننفض تلك اللا مبالاة التي تطبع ايقاعات الحياة فينا فلا يمكن ان نكون مناضلين وطلاب حق واصحاب قضية عادلة ونساقط عمدا مسؤولياتنا والتزاماتنا اتجاههم .. يجب ان نتعلم كيف نشعر بآلامهم ومأزق الوطن حين يصبح بالمجمل ثقبا تسقط فيه كل قيمة وكرامة ..

ز

ز

…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………

شاهد أيضاً

تهنئة

بمناسبة عيد الفطر المبارك تتقدم رابطة ابناء المنخفضات الإرترية للشعب الإرتري الأبي بأصدق التهاني القلبية …

الاعلام بين الماضي والحاضر

بقلم محمد نور موسى ظهر الإعلام الإرتري مع ظهور الحركة الوطنية الإرترية في مطلع أربعينات …

من مواضيع مجلة الناقوس-العدد التاسع

سعدية تسفو فدائية من جيل آخر! نقلا من صفحة الاستاذ ابراهيم حاج لترجمته من كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *