ما هكذا تُمارس السياسة !!!

mohammed-nur-mussa-munkhafadatبقلم: الأستاذ / محمد نور موسى

هناك ظاهرة تتكرر في كتابات بعض الأشخاص في الفيسبوك. لا أدري إن كانت تتم عن دراية أم عن جهل، ولكن اعتقد أنها لا تتم عن جهل لأنها تتكرر بين الحين والآخر وبالتالي يتعمد كاتبوا هذه البوستات هذا الأسلوب عن معرفة وليس عن جهل، فإن كانت تتم عن معرفة ودراية فهذه مصيبة تدل على ضحالة تعاطينا مع العمل السياسي، وبالذات عندما يتعلق الأمر بالساسة الإرتريين.

ظاهرة تجريد السياسي الإرتري عن جنسيته شائعة كثيراً في البوستات التي تُنشر في الفيسبوك وهذا الأسلوب في الحقيقة يعتبر جريمة وأنه يكشف لنا مستوى الفهم السياسي للإرتريين وضحالة مستوى الشخص الذي يستخدم هذا الأسلوب ضد خصومه السياسيين.

في الحقيقة يُعتبر هذا سلوكا مُشينا يعود على صاحبه بالإساءة والمضرة. وعليه ندعو كل من تعود أن يستخدم هذا الأسلوب أن يقلع عنه ونتمنى ألا يتكرر، لأن أمر الجنسية ليس بهذه البساطة، فهي حق مشروع لكل مواطن إرتري، إلا إذا تخلى عنها بمحض إرادته. سواء أتفق معنا سياسياً أو اختلف، أي ليس من حقنا أن نطعن في جنسيته. فهي كما أسلفنا حق من حقوقه ولا يحق لنا أن نلصق به تهمة أنه من تجراي أو من إثيوبيا كما يحدث الآن وبالذات يُستخدم هذا التعبير إذا كان هذا السياسي من قومية التجرينية.

إذا كان كل واحد منا سيمنح أو ينزع الجنسية ممن لا يتفق معه سياسياً ستفرغ إرتريا من سكانها، وبالتالي لسنا في حاجة للسياسة مادام ليس هناك شعب. في الحقيقة أننا نلاحظ انتشار هذه الظاهرة في الإعلام الإرتري الذي يُنشر باللغة العربية، وحتى ” تسفاظيون” العنصري، في تسجيلاته التي أثارت استهجانا شديدا، لم ينزع جنسية أي شخص أو مواطن إرتري بحجة إنه خصمه اللدود، رغم قوله الفاحش: “أنه لا يريد المسلمين في إرتريا، وإذا لا بد من وجودهم، يجب أن لا تزيد نسبتهم عن 10% من مجموع السكان لأنهم قوى مستهلكة لا تنتج وتستنفد إمكانيات وأموال التجرينية، وبالتالي لا يستحقون أن تصرف عليهم أموال للعلاج ولبناء المدارس”. وقال إنه “علينا أن نجلب من أبناء تجراي عدد كبير لملء الفراغ، وليذهب المسلمين إلى إخوانهم في السودان والشرق الأوسط”. ولكن لم يذكر طلب سحب الجنسية الإرترية من المسلمين، كما أنه يُقر أنهم إرتريين ولكنهم حسب قوله عالة على المجتمع التجرينياوي. قال كل هذا الكلام ضدنا ولكننا لم نقل إنه ليس إرتري بل هو إرتري ولكن مصلحته السياسية تقتضي أن يقول عنا ما قاله لأننا ضعفاء وبالتالي حتى هذا السفيه يتجرأ ليقول علينا ما قاله. إن استخدام سياسة إلصاق التهمة بالخصم تعتبر سياسة فاشلة علينا الابتعاد عنها.

لنأخذ مثال ولدآب ولدماريام صاحب مشروع تجراي تجرينية، لقد رفع هذا الرجل هذا الشعار منذ مدة بعيدة ولكنه فشل في تحقيق أهدافه السياسية لربط إرتريا بإقليم تجراي لأن غالبية الشعب الإرتري وقفت خلف شعار الاستقلال الوطني التام وعلى هذا الأساس مشروع تجراي تجرينية لم ير النور كما كان يتمني ولدآب ولد ماريام.

هناك أيضاً أمثلة كثيرة في منطقتنا نستطيع أن نستشهد بها. ففي السودان البلد الجار في فترة تقرير مصيره عن الاستعمار الإنجليزي. كان واحد من أقدم وأعرق الأحزاب السياسية السودانية ينادي بوحدة وادي النيل “وحدة مصر والسودان ” ولكن لم نسمع ولم نقرأ في الصحف السودانية من يتهم دعاة وحدة وادي النيل بأن تسحب منهم الجنسية السودانية أو تخوينهم. وقد أفشل وقوف الجماهير السودانية صفاً واحداً خلف الاستقلال الوطني التام مشروع وحدة وادي النيل وتحقق للشعب السوداني الاستقلال. بعض من الذين يكتبون في الإعلام الإرتري باللغة العربية يذكرون بأن ولدأب ولدماريام هو من إقليم تجراي وأنه ليس إرتري، هذا الكلام يصدر عن أناس لا يفهمون في السياسة أو يتعمدون ذلك لأن ولدآب ولدماريام إرتري شئنا أم أبينا وهو بالنسبة لشركائنا في الوطن زعيم له قدسيته، رفضنا له يعني رفضنا لهم وهذا لا يستقيم. وفي النهاية سيأتي اليوم الذي سنجلس فيه نحن وهؤلاء القوم لا هم يستغنوا عنا ولا نحن نستغني عنهم مادام أننا شركاء في الوطن وستنتهي الخصومة بيننا. وللتاريخ ولدأب ولدماريام يشهد له التاريخ الإرتري بأنه ناضل في سبيل إرتريا في أربعينيات القرن الماضي ويذكر أنه تعرض لعدة محاولات اغتيال من قبل عملاء إثيوبيا ومخابراتها وأنه نجا منها، وفي نهاية الأمر فر هارباً إلى خارج إرتريا وهناك واصل نضاله. وأنا أري أنه ليس من العدل ولا الأخلاق الثورية أن ننكر نضالاته في سبيل القضية الإرترية لمجرد أننا نختلف معه ومع أحفاده اليوم دعاة الهيمنة الطائفية والقومية في إرتريا.

وبالتالي أقول، ليس لنا الحق أن نجرد كل من نختلف معهم سياسيا من جنسياتهم. فيا من تعارض ذلك من أعطاك هذا الحق لتمنح وتنزع من مواطن إرتري حقه الشرعي في الجنسية.

نعم في السياسة الناس يختلفون ولكن ينبغي أن يكون الخلاف في الحدود المعقولة وألا يصل إلى المستوى الذي تنعدم فيه روح الحوار بين الأطراف المتنازعة. كثير من الذين يعملون في السياسة في الساحة الإرترية نختلف معهم في أمور كثيرة وقد تتعارض مصالحنا ومواقفنا معهم وقد يتهموننا بما يحلو لهم وكذلك نحن، وهذا آمر طبيعي علينا أن نتقبله بصدر رحب وبروح رياضية ما دمنا نمارس السياسة، لأن السياسة لها تبعات تترتب عليها نتائج ومواقف سياسية أو مصلحة سياسية. وقد يكون من بين هؤلاء السياسيين من لنا عليه مآخذ أو نتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسان الإرتري وله ملف مليء بالجرائم ضد الشعب. هذا الشخص أو هذا السياسي صاحب هذا الملف له الحق في الاحتفاظ بجنسيته شأنه شأن كل مواطن إرتري. ولكن احتفاظه بالجنسية لا يعفيه عن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب، ولا بد من أن يَمْثُل أمام العدالة، والجهة الوحيدة صاحبة الحق في محاسبته وإنزال أقصى العقوبات به هي الشعب الإرتري فقط، لا أحد يملك هذا القرار سوى الشعب باعتباره صاحب السلطة في إدانة وتبرئة هذا الشخص. إذن لنترك إدانة وتبرئة المجرم لسلطات الشعب ولقوانين البلد.

وأن ينحصر دورنا في مساعدة العدالة ليمثل هذا المجرم أمام المحكمة وإن نقدم الأدلة والبراهين التي تثبت إدانته إذا كان لدينا ما يثبت ذلك، وفي هذه الحالة نكون قدمنا خدمة لمساعدة العدالة ضد كل مجرم انتهك حقوق الإنسان في إرتريا.

ثم ماذا تتوقع من خصمك في السياسية؟ هل تتوقع منه أن يطبطب على أكتافك ويقدم لك الورد؟ كلا إنه سيعمل بكل ما يملك من إمكانيات مالية وبشرية لإقصائك وتهميشك وتهجيرك والزج بك في غياهب السجون بل وإذا أتيحت له الفرصة ليقتلك فلن يتردد من تصفيتك جسدياً ليستريح منك ومن معارضتك كما يفعل الأن نظام إسياس. فماذا نحن فاعلون لمواجهته وإفشال جميع مخططاته التي هي سبب كل المعاناة والويلات التي نحن فيها؟

هل من المنطق أن نقول إن إسياس وولدآب ولدماريام وأخرين في نظام هقدف ليسوا إرتريين؟ من يصدق ذلك؟ إن ما نقرأه في بعض البوستات في الفيسبوك والوسائل الإعلامية الأخرى هنا وهناك بعيد جداً ولا يمت بصلة إلى الحقيقة. إن نظام هقدف يعمل لمصلحته ومصلحة طائفته وقوميته. وفي سبيل ذلك يخوض حربا ضروس ضدنا، هدفها استئصالنا من البلاد ولتصبح ملكاً لهم وحدهم. فهل نواجه هيمنتهم وجبروتهم بهذا الكلام الفارغ أم نرتقي ونرتفع عن سفاسف الأمور في إعلامنا ونعمل ونجتهد لنحقق لمّ الشمل ورصّ الصفوف وتوحيد الكلمة بدلاً من إضاعة الوقت في كلام مفروغ منه وهو أن إسياس يعمل لبناء دولة تجراي تجرينية في إرتريا، نعم كلنا نعلم أنه يعمل لأن مصلحته تقتضي ذلك ونحن أيضاً مطالبون أن نعمل على إفشال تنفيذ مشروع تجراي تجرينية الذي ورثه عن زعيمه الروحي ولدأب ولدماريام. تحطيم هذا المشروع وإفشاله واجتثاث نظام الهيمنة الطائفية والقومية من جذوره يجب أن يكون هدفنا الرئيسي. إلا أن السلطة والثروة بيدهم والبلاد تحت تصرفهم فهم يعملون بدون ضجيج إعلامي ينفذون سياساتهم وخططهم بينما نحن نتيجة عجزنا وضعفنا نعيش في دوامة لا نهاية له من القيل والقال.

يا من تناقشون سفاسف الأمور، مارسوا السياسة بالشكل الصحيح حتى تحققوا أهدافكم وتكسبوا شعبكم ليقف معكم ويدعمكم ويذود عنكم، وإلا ستجدون أنفسكم في دوامة لا نهاية لها في معسكرات اللجوء وفي الشتات ليعربد اسياس وعصابته في طول البلاد وعرضها. استيقظوا ولا تهدروا وقتكم وأموالكم إذا لم يكن ذلك في مواجهة نظام هقدف ومن أجل اجتثاثه.

نعم أننا نخوض صراعا مريرا ضد هذا النظام، وخصمنا في هذا الصراع يقظ وله إمكانيات مالية وبشرية كبيرة وصفوفه متماسكة، بينما نحن بالرغم من كثرة عددنا، إمكانياتنا شحيحة وتكمن نقاط ضعفنا في عدم تماسك صفوفنا وانقسامنا أمام خصم عنيد وشرس. هذا الصراع له شروط يجب أن تتوفر ليتحقق النصر. ولكي يحقق الصراع الأهداف المطلوبة، علينا القيام بما يجب القيام به وهو ترتيب البيت من الداخل، فلا يمكن أن نخوض صراعا بحجم الصراع الدائر في الساحة الإرترية إذا لم نرتب بيتنا قبل كل شيء، لأن ترتيب البيت هو حجر الأساس في الصراع مع نظام الهيمنة القومية، ولا يمكن أن يتم ترتيب البيت إلا إذا تم تحرك سياسي سريع وفعال لإنهاء حالة الانقسام والتشرذم. إذن يتوقف نجاح الترتيب على تحرك جماهيري واسع تسانده النخب السياسية للوصول على الأقل إلى اتفاق حد أدني لخلق مظلة شاملة تجمع شتات قوى المعارضة في مائدة واحدة، لكي ندافع عن أنفسنا وأعراضنا وديننا وأرضنا. إن نظام هقدف الطائفي يعمل بكل ما يملك من أجل هيمنة قوميته وسيادتها على حساب الآخرين وإنه يمارس القمع والإرهاب في سبيل ذلك ولا يتردد في أن يتحالف مع تجراي ومع غيرها وقد سبق أن فعل ذلك من قبل لكي تبقي قوميته هي السائدة.

علينا أن نرتقي بأدوات صراعنا ضد نظام الهيمنة الطائفية، فلنكن مسلحين بالعلم والمعرفة وبالحجة والمنطق وأن نبذل كل جهدنا وطاقاتنا في تحقيق لمّ الشمل لأنه السلاح الوحيد القوى الذي سيوقف هذه العصابة الضالة عند حدها. وأن نتجنب قدر المستطاع إلصاق التهم بخصومنا السياسيين إلا إذا كنا نستطيع أن نثبت ذلك بالأدلة والبراهين القاطعة، لأن أسلوب إلصاق التهم جزافاً لن يجدي نفعاً ويضر بصاحبه وهو أيضاً دليل عجز وضعف، ولا حاجة لنا بمثل هذا الأسلوب…!!!

شاهد أيضاً

مواضيع الناقوس-العدد 11- مقابلة العدد مع المناضل/ عبدالله سعيد علاج

الجزء الأول أجرى الحوار: الصحفي محمود أفندي   تحاور مجلة الناقوس المناضل الكبير عبدالله سعيد …

شخصية العدد- المناضل المغييب محمد عثمان داير (الناقوس العدد 11)

       المناضل المغيب / محمد عثمان داير                   …

المنخفضات -تنخفض الأرض.. ترتفع الهمم (الناقوس العدد 11)

بقلم/ ياسين أمير الجغرافيا رسم الاله على صفحة الكون.. والجغرافيا ترسمنا حين نحسب أننا رسمنا …